أميركا تخشى من البطاريات الصينية

هل تأتي السيارات الكهربائية والأنظمة من بكين مع تهديدات أمنية خطيرة

AP
AP
شحن سيارة كهربائية تابعة لشركة صناعة السيارات الصينية "BYD" في معرض إيسن للسيارات في إيسن، ألمانيا، 1 ديسمبر 20الأول

أميركا تخشى من البطاريات الصينية

تتطلع إدارة بايدن إلى أن يكون نصف السيارات الجديدة المبيعة في الولايات المتحدة الأميركية كهربائية كلها في عام 2030. في الوقت نفسه، يتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات أكثر جرأة، إذ يفرض على السيارات والشاحنات الصغيرة الجديدة كلها التي تباع بعد عام 2035 ألا تصدر أي انبعاثات. يمثّل الخبران معاً خبراً طيباً – للصين.

اليوم، تسيطر شركات لها علاقات وثيقة مع الحزب الشيوعي الصيني على ما يقرب من نصف المعروض العالمي من بطاريات السيارات الكهربائية. وفي حين أن هناك بالتأكيد ميزة في إزالة الكربون من قطاع النقل، من شأن التبني المتسرع للمركبات الكهربائية يعزز القيمة السوقية للشركات الصينية العملاقة المصنعة للبطاريات. ومن شأنه أيضاً أن يعرض الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى تهديدات سيبرانية خطيرة، على غرار الطريقة التي مهد بها توسع شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة "هواوي" الطريق أمام الصين للوصول إلى شبكات الاتصالات الغربية الحيوية.

كان المخططون المركزيون الصينيون متقدمين على الغرب، في تطوير إنتاج البطاريات المتقدمة لتشغيل ثورة التكنولوجيا الفائقة في الغد. فالخطة الخمسية الصينية الـ13، التي حكمت استثمارات البلاد الصناعية بين عامي 2016 و2020، سلطت الضوء على الطريقة التي يمكن بها، للتحكم في سلاسل إمداد البطاريات والمركبات الكهربائية، بما في ذلك المعادن الأرضية النادرة المهمة، ما يمنح بكين ميزات تنافسية على الولايات المتحدة ودول أخرى. وتذهب خطة الصين الخمسية الحالية إلى ما هو أبعد من ذلك، فتربط الاختراقات في هذين المجالين ببروز الصين باعتبارها "قوة علمية وتكنولوجية".

النظام الأساسي لشركة "سي إيه تي إل"، الذي يحكم عملياتها، يشير صراحة إلى أن "الشركة يجب أن تنشئ منظمة للحزب الشيوعي [داخلياً] وتنفذ أنشطة حزبية"

شركتان عملاقتان صينيتان تهيمنان

تهيمن شركتان عملاقتان صينيتان في الصناعة، وهما "سي إيه تي إل" و"بي واي دي"، الآن على أسواق السيارات الكهربائية والبطاريات العالمية. "سي إيه تي إل"، التي تُربَط في كثير من الأحيان بالعمل القسري للأويغور، تنتج واحدة من كل ثلاث بطاريات للسيارات الكهربائية، وتُعَدّ "بي واي دي" في طريقها لتصبح أكبر جهة بائعة للسيارات الكهربائية في العالم. وتدين كلتا الشركتين بصعودهما إلى الإعانات الصينية الضخمة بالإضافة إلى علاقاتهما البنيوية مع مؤسسات الحزب الشيوعي الصيني القوية. وتعمل هذه الروابط وغيرها كقنوات منظمة يمارس من خلالها الحزب الشيوعي الصيني سيطرة مباشرة وغير مباشرة على الحوكمة الداخلية لكل شركة وعملياتها وتوظيفها، مع تداعيات خطيرة على سلاسل إمداد البطاريات.

في حالة "سي إيه تي إل"، أمضى مؤسسها ورئيسها التنفيذي، تسنغ يوتشون، العقد الماضي في العمل كمندوب للعلوم والتكنولوجيا في المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، وهو الجهة الأعلى رتبة التي تشرف على الجبهة المتحدة في الصين – التي تُعَدّ شبكة معقدة من المنظمات والأفراد الذين يعملون على تعميق سيطرة الحزب الشيوعي الصيني على الصناعة والمجتمع المدني الصينيين. كذلك توجه الجبهة المتحدة برامج توظيف المواهب الصينية في الخارج، ووفق مكتب التحقيقات الفيديرالي (إف بي آي) وتوجيهات الحكومة الصينية المسربة، تسهل هذه البرامج عمليات نقل التكنولوجيا الأجنبية في شكل غير قانوني وسرقة الملكية الفكرية. ويشغل تسنغ في الوقت نفسه منصب نائب رئيس اتحاد عموم الصين للصناعة والتجارة، وهو أكبر جمعية أعمال في البلاد، وتنص قوانينه الداخليةعلى أنه خاضع إلى "قيادة" الحزب الشيوعي الصيني ومسؤول عن "التنفيذ الكامل" لأجندة الرئيس الصيني شي جين بينغ.

 EPA
مصنع BYD للسيارات الكهربائية في تشانغتشو، مقاطعة جيانغسو، الصين، 14 نوفمبر 2023.

الحزب الشيوعي المسيطر على الشركات

تتجاوز صلات الحزب الشيوعي الصيني الوثيقة بـ"سي إيه تي إل" مجرد الانتماءات السياسية. تماشياً مع القواعد الصادرة عن لجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية عام 2018 للشركات المدرجة في البورصة كلها، فإن النظام الأساسي لشركة "سي إيه تي إل"، الذي يحكم عملياتها، يشير صراحة إلى أن "الشركة يجب أن تنشئ منظمة للحزب الشيوعي [داخلياً] وتنفذ أنشطة حزبية". توفر هذه الخلايا الحزبية والروابط الأخرى بين الشركة والحزب-الدولة للحزب الشيوعي الصيني وصولاً غير مقيد تقريباً إلى تكنولوجيات "سي إيه تي إل" الخاصة وبيانات السوق الاستراتيجية، مما قد يمنح الجهات الصينية الأخرى ميزة تنافسية ويقوض مواقف الشركات الأميركية والأوروبية في الأسواق العالمية. 

مع ذلك، في خطوة تذكّرنا باندفاع "هواوي" للسيطرة على قطاعي الجيل الخامس والهواتف الذكية، تسلط"سي إيه تي إل" و"بي واي دي" أنظارهما بالفعل على التحكم في الصناعات المجاورة لصناعة البطاريات. وتشمل شبكات شحن المركبات الكهربائية وأنظمة تخزين طاقة البطاريات الضرورية لتخزين الطاقة في المرافق.

يُعَدّ الانتقال إلى شحن المركبات الكهربائية خطوة منطقية لكلتا الشركتين، لكن أنظمة تخزين طاقة البطاريات توسع حدود تأثيرهما. تسخر هذه الأنظمة الطاقة من مصادر مختلفة وتخزنها وتطلق تلك الطاقة عبر خطوط النقل الحالية أثناء نقص الكهرباء أو ككهرباء احتياطية خلال فترات الهدوء الحتمية في طاقة الرياح والطاقة الشمسية. لكن هناك مشكلة: يجب توصيل هذه البطاريات الصينية بالشبكات الكهربائية للبلدان المضيفة، على الرغم من أنها لا تخضع حالياً إلى مراجعة أو رقابة صارمة في الولايات المتحدة أو أوروبا. كذلك لا يُطلَب من شركات الطاقة الأميركية الكشف عن أي تفاصيل حول شراكاتها مع شركات البطاريات الصينية.

ان الأطراف الفاعلين الخبيثين "في وضع جيد" بالفعل لاختراق أنظمة الطاقة الموزعة، بما في ذلك أنظمة تخزين طاقة البطاريات

تقرير لوزارة الطاقة الأميركية في 2022

أخطار البطاريات الصينية

بسبب هذه الثغر في الشفافية، لا يزال التوصل إلى محاسبة كاملة لمشاريع أنظمة تخزين طاقة البطاريات الصينية الجارية والمخطط لها في الولايات المتحدة بعيد المنال؛ مع ذلك، انطلق العديد من هذه المشاريع في فلوريدا وفيرجينيا وتكساس ونيفادا. من المثير للقلق أن بطاريات "سي إيه تي إل" يُقَال إنها رُكِّبت في قاعدة مشاة البحرية الأميركية الواقعة في معسكر ليجون، التي تضم وحدة عمليات خاصة مكلفة إجلاء غير المقاتلين من تايوان إذا غزت بكين الجزيرة. على نحو مماثل، سوّقت"سي إيه تي إل" بحزم أنظمة تخزين طاقة البطاريات في العواصم الأوروبية، مع مشاريع جارية بالفعل في المملكةالمتحدة والمجر وأماكن أخرى.

تماماً كما هي الحال مع "هواوي"، فإن الأخطار التي تشكلها أنظمة تخزين طاقة البطاريات الصينية تُعتبر فورية ولا يمكن إنكارها. يكشف بحث أجرته شركة إدارة الأخطار البريطانية "أون" أن أوجه القصور المنتشرة في الأمن السيبراني المرتبطة بأنظمة التحكم في أنظمة تخزين طاقة البطاريات، يمكن أن تسمح للأطراف الفاعلين الخبيثين بإحداث انقطاع للتيار الكهربائي على نطاق واسع.

EPA
مصنع BYD للسيارات الكهربائية في تشانغتشو، مقاطعة جيانغسو، الصين، 14 نوفمبر 2023.

وأوضح تقرير لوزارة الطاقة الأميركية في عام 2022 أن الأطراف الفاعلين الخبيثين "في وضع جيد" بالفعل لاختراق أنظمة الطاقة الموزعة، بما في ذلك أنظمة تخزين طاقة البطاريات، في الولايات المتحدة. تسلط الهجمات السيبرانية الصينية المشتبه بها على شبكة الكهرباء الهندية عامي 2021 و2022 الضوء على استعداد بكين لاستهداف البنية التحتية الحيوية.

ويؤكد تدافع إدارة بايدن المزعوم للكشف عن الأطراف الفاعلين السيبرانيين الصينيين الكامنين في شبكات البنية التحتية الأميركية، التهديد في شكل أكبر.

وليست شبكات شحن المركبات الكهربائية الصينية الصنع أكثر أماناً. تظهر بطاريات المركبات الكهربائية وشواحنها المتصلة بالإنترنت، العديد من نقاط الضعف في الأمن السيبراني القابلة للاستغلال والمرتبطة عادة بخروق البيانات الواسعة النطاق، وفق دراسة بريطانية. ثمة بحث مماثل أجرته "مختبرات سانديا الوطنية" في الولايات المتحدة يوضح كيف يمكن للأطراف الفاعلين الخبيثين تثبيت برامج ضارة عن بعد على المركبات الكهربائية أثناء الشحن، مما يتيح المراقبة السرية وتعطيل المركبات. ويشير تقرير منفصل من "سانديا" إلى أن "لا نهج شاملاً حالياً للأمن السيبراني لمعدات توريد المركبات الكهربائية" في الولايات المتحدة، وأن "أفضل الممارسات المحدودة" اعتمدها بعض الأطراف الفاعلين في الصناعة فقط.

بالطبع، ليس الخطر رقمياً فقط. ثمة قوانين صينية متعددة، ولا سيما قانون الأمن القومي لعام 2017 وقانون مكافحة التجسس المعدل أخيراً، تجبر الشركات الصينية كلها على مواءمة عملياتها مع مصالح بكين الاستراتيجية. يمكن بكين، خلال السلم أو الحرب، أن تطلب من الشركات الصينية المساعدة في التجسس أو التخريب، مما يجبرها، مثلاً، على مشاركة مخططات البنية التحتية الحيوية التي جرى الحصول عليها من شراكاتها في مرافق أميركية أو أوروبية. تتفق مطالب كهذه إلى حد كبير مع الاندماج بين العسكري والمدني في الصين، وهي استراتيجية وطنية تهدف إلى كسر الحواجز بين المؤسسات المدنية والعسكرية لتعبئة الأولى في خدمة الأخيرة.

يجب على وزارة الدفاع الأميركية ووزارات الدفاع في الدول الأعضاء الأخرى في حلف شمال الأطلسي الآخرين وقف مشاريع أنظمة تخزين طاقة البطارية الصينية 

الخوف من الاختراق الصيني مثل "هواوي"

من الواضح أن واضعي السياسات على جانبي المحيط الأطلسي تأخروا في إدراك تهديد "هواوي". وعلى الرغم من مليارات الدولارات التي أنفقتها الحكومة الأميركية لنزع معدات "هواوي" واستبدال أخرى بها، لا تزال منتجات الشركة منتشرة في بنية الاتصالات في الولايات المتحدة. وينطبق الشيء نفسه على أوروبا.

قبل أن توحد "سي إيه تي إل" و"بي واي دي" ما يشبه الاحتكارات في أنحاء الأسواق الأميركية أو الأوروبية كلها، يجب على واضعي السياسات أن يأمروا بإجراء تقييم تقني فوري لشبكات شحن المركبات الكهربائية الصينية وأنظمة تخزين الطاقة لتوثيق نقاط الضعف السيبرانية المحتملة وقدرة الصين على استغلالها.

في غضون ذلك، يجب على وزارة الدفاع الأميركية ووزارات الدفاع في الدول الأعضاء الأخرى في حلف شمال الأطلسي الآخرين وقف مشاريع أنظمة تخزين طاقة البطارية الصينية المخطط لها كلها في القواعد العسكرية وفصل أي أنظمة نشطة بالفعل. 

بالإضافة إلى مجرد التحقيق في ما إذا كانت رسوم جمركية عقابية ستُفرَض على واردات السيارات الكهربائية الصينية، يجب على الحكومات الأميركية والأوروبية أيضاً التحرك بسرعة لوضع تدابير تنظيمية شاملة ورقابة صارمة على هذه القطاعات. يشمل ذلك مراجعة عمليات نقل التكنولوجيا المحتملة التي قد تفيد الحزب الشيوعي الصيني. ثمة دور يؤديه القادة على المستوى دون الوطني، مثل مطالبة شركات المرافق العاملة في المناطق الخاضعة إلى نفوذهم بالكشف عن التفاصيل المتعلقة بأي شراكات سابقة أو حالية أو مستقبلية مع شركات صينية للبطاريات.

إن التهديد الذي تشكله هيمنة بكين على البطاريات واضح. ما ليس واضحاً هو ما إذا كانت واشنطن وشركاؤها الأوروبيون سيقدمون أولوية إزالة الأثر البيئي على احتياجاتهم الأمنية الدائمة.

font change

مقالات ذات صلة