البحر الأحمر بين القدرات وكلفة المواجهة

AFP
AFP
المدمرة الاميركية "كارني" تطلق صاروخا على مسيرة في البحر الاحمر في اكتوبر

البحر الأحمر بين القدرات وكلفة المواجهة

بعد أسبوع واحد من إطلاق الولايات المتحدة تحالفا لحماية البحر الأحمر ضد هجمات الحوثيين على السفن الإسرائيلية، لم يعد أعضاء التحالف يريدون الارتباط به علنا أو على الإطلاق. وأصدر اثنان من الحلفاء الأوروبيين الذين تم إدراجهم كمساهمين في عملية "حارس الازدهار"- إيطاليا وإسبانيا- بيانات نأي عن القوة البحرية. كذلك أحجمت أستراليا عن المشاركة، وتمنعت حليفتا الولايات المتحدة الآسيويتان اللتان تمتلكان أكبر القوات البحرية والمصالح الخاصة في التجارة البحرية، اليابان وكوريا الجنوبية. كما أتى غياب الهند عن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة مخيبا للآمال نظرا لقرب الهند النسبي وثقلها البحري.

فرنسا بدورها قالت إن سفنها ستبقى تحت القيادة الفرنسية حيث تعمل الفرقاطة "لانغدوك" (Languedoc) في البحر الأحمر، في حين قالت إيطاليا إنها سترسل الفرقاطة "فيرجينيو فاسان" (Virginio Fasan) لحماية مصالحها الوطنية.

بريطانيا كانت أكثر المتجاوبين مع الدعوة الأميركية؛ إذ أرسلت المدمرة "إتش إم إس دياموند" (HMS Diamond) إلى البحر الأحمر لتنضم إلى الفرقاطة "إتش إم إس لانكستر" (HMS Lancaster) التي انتشرت العام الماضي بالإضافة إلى ثلاث كاسحات ألغام وسفينة دعم.

هذا وتنتشر في المنطقة القوة البحرية 153 وهي تحالف دولي من 39 دولة وتتولى الولايات المتحدة قيادتها منذ يونيو/حزيران 2023 وتعمل في تأمين سلامة السفن ومنع الاعتداءات لا سيما في منطقة باب المندب وهي تضم المدمرة اليابانية "جي دي إس أكيبونو"، والمدمرة الكورية الجنوبية "روكس يانغ مان تشون".

البحر الأحمر هل يتحول بحرا أميركيا

بعد أشهر من الخدمة الإضافية في البحر الأحمر لمنع توسّع رقعة الحرب في غزة، عادت المجموعة الهجومية لحاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد آر فورد"، في اليوم الأول من عام 2024، إلى الولايات المتحدة حسبما أعلنت القيادة البحرية للأسطول السادس المتمركزة في أوروبا والمسؤولة عن السفن التي تبحر في البحر الأبيض المتوسط. واستبدلت "فورد" بالسفينة الهجومية البرمائية "يو إس إس باتان" والسفن الحربية المرافقة لها، "يو إس إس ميسا فيردي"، و"يو إس إس كارتر هول" التي كانت تبحر بين البحر الأحمر وشرق البحر الأبيض المتوسط خلال الأيام القليلة الماضية، ولتنضم إلى حاملة الطائرات "يو إس إس دوايت دي آيزنهاور التي كانت تقوم بدوريات قرب خليج عدن حيث تعرضت سفن كثيرة للهجوم في الأسابيع الأخيرة.

قدرات السفن الأميركية العاملة في البحر الأحمر

يمكن للسفينة "باتان" حمل ودعم الطائرات المقاتلة ذات الإقلاع العمودي من طراز "F-35" التابعة لسلاح مشاة البحرية، كما تحمل السفينة "ميسا فيردي" وهي سفينة رصيف (transport dock ship) نقل ما يقرب من 2000 من مشاة البحرية من وحدة المشاة البحرية السادسة والعشرين وهي "قوات قادرة على أداء مجموعة واسعة من المهام"، وفق قيادة الأسطول السادس الأميركي .

تقاتل السفن الحربية الأميركية في البحر الأحمر عددا متزايدا من الأسلحة التي أطلقتها قوات الحوثي في اليمن خلال الأسابيع القليلة الماضية، بما في ذلك 17 طائرة دون طيار وصواريخ خلال فترة 10 ساعات يوم الثلاثاء وحده

دخلت المدمرة "يو إس إس لابون" (USS Laboon- DDG-58) البحر الأحمر في منتصف ديسمبركانون الأول 2023 لتنضم إلى "يو إس إس ماسون" (USS Mason)، و"يو إس إس كارني"
(USS Carney)، وسط الهجمات المستمرة التي يشنها الحوثيون المدعومون من إيران على الشحن الدولي.
السفينة "لابون" هي مدمرة من طراز "Arleigh Burke" ضمن فريق العمل الذي ترأسه حاملة الطائرات "دوايت دي آيزنهاور" والتي تم إرسالها إلى الشرق الأوسط مع اندلاع الحرب بين إسرائيل و"حماس" في أكتوبر/تشرين الأول. كما تقوم حاملتا الطائرات "يو إس إس ماسون"، و"كارني" بدوريات في البحر الأحمر منذ أكثر من شهر وقد اعترضتا عشرات الطائرات دون طيار والصواريخ التي أطلقتها قوات الحوثي من اليمن.
تقاتل السفن الحربية الأميركية في البحر الأحمر عددا متزايدا من الأسلحة التي أطلقتها قوات الحوثي في اليمن خلال الأسابيع القليلة الماضية، بما في ذلك 17 طائرة دون طيار وصواريخ خلال فترة 10 ساعات يوم الثلاثاء وحده. وقال مسؤول عسكري أميركي كبير الأسبوع الماضي إن الحوثيين المدعومين من إيران شنوا خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني ما لا يقل عن 100 هجوم على 14 سفينة عسكرية وتجارية مختلفة في البحر الأحمر ترتبط بما لا يقل عن 44 دولة، وقد دفعت الضربات وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى الإعلان عن تشكيل تحالف يضم ما لا يقل عن 10 دول للتركيز على الأمن في البحر الأحمر.

US Navy
صواريخ "سي سبارو" الاميركية

إن المقومات الرئيسة التي تستند إليها السفن البحرية الأميركية المشاركة لمواجهة الهجمات على السفن في البحر الأحمر هي مدمرة الصواريخ الموجهة من طراز  (Arleigh class guided-missile destroyer Burke) كالمدمرة "يو إس إس لابون" التي تحمل في مخازنها :
• الصاروخ القياسي ( (SM-6، وهو سلاح متطور يمكنه إسقاط الصواريخ الباليستية المرتفعة في الغلاف الجوي، وصواريخ أخرى ذات مسار منخفض، واستهداف السفن الأخرى التي يصل مداها إلى 370 كيلومترا، وفقا لمشروع الدفاع الصاروخي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية . (CSIS) وتبلغ تكلفة كل من هذه الصواريخ أكثر من 4 ملايين دولار.
• الصاروخ القياسي (SM-2)، وهو أقل تطورا من الصاروخ "SM-6" بمدى أقصر يتراوح بين 185 إلى 370 كيلومترا، حسب الإصدار، وفقا لمركز "CSIS" وتبلغ تكلفة كل منهما حوالي 2.5 مليون دولار.
• صاروخ "Evolved Sea Sparrow" (ESSM)، المصمم لضرب صواريخ كروز المضادة للسفن والتهديدات ذات السرعة المنخفضة مثل الطائرات دون طيار أو المروحيات حتى مدى يصل إلى 50 كيلومترا، حسبما يقول مركز "CSIS" وتبلغ كلفة الصاروخ الواحد أكثر من مليون دولار.


التبعات المترتبة على الاستمرار في هذا النوع من المواجهة

 

أولا، كلفة هذه الذخائر بالنسبة للأهداف المحققة
تواجه هذه الذخائر أهدافا بخسة الكلفة والثمن إذ لا تتجاوز كلفة الطائرة المسيّرة أكثر من 100 ألف دولار، مما يعني أن استمرار هذه المواجهة لمدة طويلة سيؤدي إلى فرض ضرائب إضافية على الموارد وبالتالي على المكلف الأميركي. وفي هذا الإطار يقول "أليسيو باتالانو"، أستاذ الحرب والاستراتيجية في "كينجز كوليدج" في لندن: "هذه قدرات اعتراض جوي متقدمة تبلغ تكلفتها المتوسطة حوالي مليوني دولار، مما يجعل اعتراض الطائرات دون طيار غير فعال من حيث التكلفة".

توفير دفاع جوي واسع النطاق يستلزم الاعتماد بشكل أساسي على الصواريخ المضادة للطائرات، من خلال نظام الإطلاق العمودي (VLS)

من جهة أخرى فإن نظام أسلحة فالانكس للمدى القريب/بنادق غاتلينغ  (Phalanx close in weapons system Gatling guns) الموجود على متن المدمرة القادر على إطلاق 4500 طلقة في الدقيقة جدير بالتعامل مع تهديدات الطائرات دون طيار أو الصواريخ التي تصل إلى مسافة ميل واحد من السفينة ولكنه غير قادر على حماية السفن التجارية التي تراقبها المدمرة والتي تبحر على بعد أميال منها. هذا بالإضافة إلى أن اقتراب الطائرات دون طيار إلى هذه المسافة قد يؤدي إلى خسارة حياة البحارة في حال حصول أي خطأ، كما سيؤدي إلى انسحاب السفينة لإجراء الإصلاحات في الميناء، مما يعني أن توفير دفاع جوي واسع النطاق يستلزم الاعتماد بشكل أساسي على الصواريخ المضادة للطائرات، من خلال نظام الإطلاق العمودي  (VLS).

AFP
المدمرة الاميركية "لابون" العاملة في البحر الاحمر

ثانيا، مخاطر المحافظة على استدامة القتال
يقول سلفاتوري ميركوليانو، الخبير البحري والأستاذ بجامعة كامبل في ولاية كارولينا الشمالية، إنه إذا تمكن الحوثيون من استنفاد مخزون السفينة بهجمات متتالية، فقد تجد السفينة الحربية نفسها تعاني من نقص في الذخائر اللازمة لحماية السفن التجارية التي تراقبها. وفي هذا الإطار فإن إقدام الحوثيين على مهاجمة السفن بسرب من الطائرات المسيّرة على غرار ما تفعله روسيا في أوكرانيا، فإن ذلك يعني مواجهة عشرات التهديدات في وقت واحد مما سيرهق قدرات سفينة حربية واحدة. والأهم من ذلك هو تجاوز نظام الأسلحة لضرب السفن التجارية. هذا بالإضافة إلى مواجهة مشكلة إعادة تجديد المخزون من الصواريخ.


هل ستفرض التهديدات المحتملة تبدلا في طبيعة المعركة؟


لا شك أنّ الصواريخ البالستية وصواريخ كروز المضادة للسفن تشكّل تحديا كبيرا. وقد أطلق الحوثيون في 25 ديسمبر/كانون الأول المنصرم ثلاثة صواريخ باليستية وصاروخي كروز للهجوم الأرضي وفقا لبيان القيادة المركزية الأميركية. يمكن لصواريخ كروز أن تخترق هياكل السفن فوق خط الماء وأن تغرقها، وهذا ما تسببب في إغراق كثير من السفن البريطانية خلال حرب فوكلاند وما حصل مع السفينة "يو إس إس ستارك" في الخليج العربي عام 1987. كما يمكن للصواريخ البالستية أن تشكل خطرا أكبر مما يستدعي استخدام أفضل الصواريخ لاعتراضها كصاروخ "SM-6" لإسقاطها.

ربما سيكون على الأميركيين التحول إلى الهجوم والانتقال من مرحلة الاعتراض في الجو إلى مرحلة ضرب مصدر الصواريخ لمنع استخدامها، فالقضاء على الرماة أقل كلفة من اعتراض أسهمهم

لا شك أن طهران تراقب من خلف الحوثيين الردود الأميركية والغربية على الهجمات، وربما يكون لديها ما تفعله حيال ذلك، وفي هذه الحال ربما سيكون على الأميركيين التحول إلى الهجوم والانتقال من مرحلة الاعتراض في الجو إلى مرحلة ضرب مصدر الصواريخ لمنع استخدامها، فالقضاء على الرماة أقل كلفة من اعتراض أسهمهم.

font change

مقالات ذات صلة