العام الجديد وخطر اتساع الصراع إلى بغداد وبيروت والبحر الأحمر

الحرب المباشرة ليست أمرا مؤكدا

DPA
DPA
خلال تشييع عنصرين من "الحشد الشعبي" قُتلا في غارة جوية أميركية، في 4 يناير

العام الجديد وخطر اتساع الصراع إلى بغداد وبيروت والبحر الأحمر

جاء العام الجديد حاملا معه زيادة خطر اتساع نطاق الصراع في غزة. ومن بغداد إلى بيروت إلى البحر الأحمر، تكثفت تهديدات الميليشيات التابعة لإيران، والتي كان قد جرى احتواؤها من قبل.

منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل و"حماس"، استخدمت واشنطن في المقام الأول عمليات الانتشار البحري القوية لردع هؤلاء الوكلاء عن المشاركة في الصراع. ومع ذلك، بعد ثلاثة أشهر من القتال في غزة، أدى تصعيد الأعمال من قبل كل من الميليشيات وإسرائيل إلى زيادة حادة في التوترات الإقليمية.

وفي الفترة من أكتوبر/تشرين الأول إلى يناير/كانون الثاني، مارست إدارة بايدن قدرا كبيرا من ضبط النفس في ردها على استفزازات الميليشيات. في المقابل، وعلى الرغم من موقفها التهديدي، توخت الميليشيات المدعومة من إيران في لبنان والعراق الحذر أيضاً. ورغم تكبُّد "حزب الله" خسائر فادحة، فهو لم يمد هجماته أبعد من شمال إسرائيل، بهدف منع نشوب حرب واسعة النطاق. وفي العراق، استهدفت وحدات "الحشد الشعبي"، أفرادا أميركيين، ولكن على ما يبدو بطريقة مصممة لتقليل الخسائر الأميركية. ومن جانبها، خففت إسرائيل من ردود أفعالها على هجمات "حزب الله" غير المبررة على طول الحدود اللبنانية، بينما واصلت عملياتها الجوية الروتينية في سوريا.

وكان الحوثيون في اليمن الاستثناء بين هؤلاء الوكلاء، حين أطلقوا العديد من الصواريخ والطائرات من دون طيار على إسرائيل واستهدفوا العشرات من سفن الحاويات في المياه الدولية، ما تسبب في تعطيل التجارة العالمية. وكان رد الفعل الأميركي هنا أيضا منضبطا نسبيا. وبدلا من الانتقام المباشر ضد ميليشيا الحوثي، تبنت الولايات المتحدة موقفا دفاعيا، ونشرت قوات بحرية لاعتراض المقذوفات الموجهة نحو إسرائيل وشكلت تحالف "حارس الازدهار" مع أكثر من 20 دولة لحماية ممرات الشحن.

ربما يكون النهج المدروس الذي اتبعته الولايات المتحدة قد ساعد في إبقاء الحرب تحت السيطرة مؤقتا. ومع ذلك، تشير التطورات الأخيرة إلى تصعيد في العراق ولبنان والبحر الأحمر. وفي حين أن الحرب المباشرة ليست أمراً مؤكدا، إلا أن النشاط العسكري المتزايد في هذه المناطق خارج غزة يبدو الآن أكثر احتمالا.

لا شك أن اغتيال العاروري، وهو في حماية "حزب الله" في الضاحية الجنوبية لبيروت، كان مصدر إحراج لنصر الله

منذ أكتوبر/تشرين الأول، جرى استهداف الموظفين العسكريين والدبلوماسيين الأميركيين في العراق بأكثر من 120 هجوما من قبل "الحشد الشعبي". ولم يكن من المستغرب أن الحكومة العراقية – وهي شريكة في التحالف مع العديد من هذه الميليشيات – لم تتخذ أي خطوات لحماية الدبلوماسيين الأميركيين أو القوات العسكرية الموجودة في العراق كجزء من التحالف الدولي ضد "داعش" بدعوة من الحكومة. وحتى وقت قريب، وفي محاولة لتهدئة التصعيد، قامت الولايات المتحدة عموما بالانتقام من هذه الميليشيات في سوريا بدلا من العراق.
ومن الممكن أيضاً أن يتصاعد الصراع متوسط الحدة الدائر على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية. وفي أعقاب هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وعد المسؤولون الإسرائيليون علناً بـ "ملاحقة" كل عضو مسؤول عن هذا الهجوم. ولكن على الرغم من مرور ثلاثة أشهر من الحرب في غزة، لم تتمكن قوات الدفاع الإسرائيلية بعد من أسر أو قتل أي من كبار قادة "حماس". ومع ذلك، في 2 يناير/كانون الثاني، شنت إسرائيل غارة بطائرة من دون طيار في بيروت، واغتالت نائب رئيس المكتب السياسي في "حماس" صالح العاروري. وقد تجاوز هذا الإجراء الحدود التي وضعها حسن نصر الله، زعيم "حزب الله"، ضد استهداف قيادات "المقاومة" في لبنان.

REUTERS
نصر الله يلقي كلمة متلفزة في حفل تأبيني لأحد شخصيات "حزب الله" في 5 يناير

ولا شك أن اغتيال العاروري، وهو في حماية "حزب الله" في الضاحية الجنوبية لبيروت، التي يفرض عليها الأخير سلطته المطبقة، كان مصدر إحراج لنصر الله. وفي خطاب ألقاه في 3 يناير/كانون الثاني، وصف الأمين العام للجماعة العملية بأنها "جريمة خطيرة". وفي حين أشار نصر الله إلى أن الضربة الإسرائيلية لن تغير نهج "حزب الله" وتؤدي إلى حرب شاملة، إلا أنه وعد بالرد. ومن المحتمل أن تمثل طبيعة هذا الرد درجة أعلى على سلم التصعيد.
ومما زاد الطين بلة أنه في اليوم التالي، في 3 يناير/كانون الثاني، قتلت الغارات الإسرائيلية تسعة من أعضاء "حزب الله" في جنوب لبنان. ومن بين القتلى قائد محلي في الناقورة أصيب في مقر قيادة التنظيم في المنقطة.
أخيرا، قد يكون الأمر الأكثر إثارة للقلق هو التطورات التي تجري في البحر الأحمر، حيث تؤثر مضايقات الحوثيين للشحن البحري تأثيرا سلبيا على الاقتصاد العالمي. وحتى الآن، هاجم الحوثيون 25 سفينة حاويات في البحر الأحمر، ما دفع 18 شركة شحن إلى تغيير مسارها حول رأس الرجاء الصالح. وكان من جراء ذلك أن ارتفعت أجور النقل في الحاويات وتأخر تسليم البضائع وعُرقلت سفن الشحن المتجهة إلى ميناء إيلات جنوب إسرائيل – الذي شهد انخفاضا في النشاط بنسبة 85 في المئة. وفوق ذلك، أدى التعطيل في الأيام الأخيرة إلى انخفاض بنسبة 28% من إيرادات قناة السويس لمصر، حليفة الولايات المتحدة التي تواجه بالفعل أزمة اقتصادية حادة.

ليس هناك شك في أن طهران تواصل تقديم الدعم والتوجيه الاستراتيجي لوكلائها لشن حرب الظل في المنطقة

وحتى الآن لم تثنِ جهود بناء تحالف أمني بحري والإسقاط المتكرر للطائرات من دون طيار والصواريخ الحوثيين عن أنشطتهم. وبسبب غضب واشنطن من إصرار الحوثيين، أغرقت القوات البحرية الأميركية في 31 ديسمبر/كانون الأول ثلاث سفن تابعة لهم وقتلت عشرة من رجال الميليشيات أثناء محاولتهم الصعود على متن سفينة حاويات ترفع علم سنغافورة لاختطافها.
وبعد بضعة أيام، في 3 يناير/كانون الثاني، أصدرت الولايات المتحدة واثنتا عشرة دولة أخرى إنذارا مكتوبا للحوثيين، جاء فيه: "سيتحمل الحوثيون مسؤولية العواقب إذا استمروا في تهديد الأرواح والاقتصاد العالمي والتدفق الحر للتجارة في الممرات المائية الحيوية في المنطقة". ولكن ذلك لا يبدو أنه يزعج الحوثيين جدا، وفي 4 يناير/كانون الثاني، أفيد عن تفجير قارب حوثي من دون طيار محملا بالمتفجرات في البحر الأحمر.

EPA
مجندون جدد في صفوف الحوثيين خلال مسيرة شعبية في محافظة عمران اليمنية في 20 ديسمبر 2023

وهكذا يبدو أن المسار مع الحوثيين يتصاعد في منحى شديد الخطورة، تماما كما هو الحال مع "الحشد الشعبي" و"حزب الله". والسؤال هو كيف ينبغي للولايات المتحدة أن تتعامل مع هذا التحدي؟ ووصف حسن نصر الله هذه الجماعات في خطابه الذي ألقاه في 3 يناير/كانون الثاني لمناسبة الذكرى الرابعة للاغتيال الأميركي لقائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، بأنها "محور المقاومة". وأشار إلى أن سليماني "كان الشخصية المحورية في هذه العلاقة"، وأنه كان وراء الارتباط العملياتي من خلال تسهيل الاجتماعات والتواصل والتعاون والتنسيق وتبادل الخبرات والآراء وامتلاك رؤية استراتيجية للمنطقة بأكملها وللصراع في المنطقة. "هذا كله كان من عمله".
وفي حين أن الدور التكتيكي اليومي لإيران مع هذه الجماعات لا يزال غامضا، فليس هناك شك في أن طهران تواصل تقديم الدعم والتوجيه الاستراتيجي لوكلائها لشن حرب الظل هذه. ولذلك إذا كانت واشنطن وشركاؤها الإقليميون والدوليون يريدون حقا احتواء هذا المحور أو دحره، فسيتعين عليهم التركيز على الراعي وليس فقط على أدواته.

font change

مقالات ذات صلة