الحوثيون يعرقلون سلاسل التوريد والتجارة العالمية

تحويل ممر الملاحة من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلسي

Michelle Thompson
Michelle Thompson

الحوثيون يعرقلون سلاسل التوريد والتجارة العالمية

يتزايد عدد شركات الشحن البحري العالمية التي أعلنت تغيير مسارها، وتجنب المرور من باب المندب في البحر الأحمر، تفاديا للتحرشات العسكرية والرشق بالصواريخ والمسيّرات الانتحارية التي تنفذها "جماعات الحوثي" المدعومة من إيران، ضد السفن التجارية العابرة مضيق خليج عدن، في طريقها بين المحيط الهندي وقناة السويس، وهي الطرق المختصرة التي تؤمّن 40 في المئة من التجارة العالمية للسلع، و12 في المئة من إمدادات النفط المنقول بحرا، و8 في المئة من تجارة الغاز المسال، وفق الغرفة الدولية للملاحة للتجارية "ICS التي توقعت تضرر 30 في المئة من الإمدادات العالمية من السلع بسبب الأوضاع الأمنية في الشرق الأوسط.

الخروج من البحر إلى المحيط

وأعلنت شركة "ميرسك" الدانماركية التي تسيطر على 12 في المئة من نشاط الحاويات والشحن الدولي، أن أسطولها البحري قرر وقف كل رحلاته عبر باب المندب، بالنسبة إلى السفن المتجهة من قناة السويس واليها، وتغيير الطريق البحري في اتجاه السواحل الأطلسية الجنوبية. وقالت إن الهجمات التي تنفذها "جماعات الحوثي" تهدد امن السفن والعاملين في المنطقة.

وانضمت شركات أوروبية فرنسية وألمانية وبريطانية ونروجية مثل MSC ،Hapag-Lloyd ،CMA CGM، "أكوينور" النروجية، وشركة "بريتيش بتروليوم" إلى قائمة من متجنبي المياه اليمنية الخطيرة. وهي قررت تغيير المسار في اتجاه رأس الرجاء الصالح والمرور عبر المحيط الأطلسي جنوبا، والالتفاف على طول غرب القارة الأفريقية، وصولا إلى مضيق جبل طارق بين المغرب واسبانيا، وهي طريق بحري طويل، لكنه أكثر أمانا. في المقابل يتوقع أن تزيد مدة الإبحار من 4 إلى 11 يوما، وتُرفع تكلفة الشحن والتأمين، وربما تغيير بعض مواعيد التسليم، وفق مكتب الاستشارة رادولف ساعدي. وطلبت شركات الشحن من عملائها تفهم الأوضاع الاستثنائية.

وقالت "إنه قرار جيد ويكتسي أهمية بالغة لأمن التجارة العالمية" على الرغم من أن طول المسافة ستزيد 40 في المئة، ومعها تكلفة الوقود وأجور العاملين فوق السفن. وعلى سبيل المقارنة ستزيد رحلة سفينة تجارية من 6 إلى 12 يوما من ميناء سنغافورة إلى ميناء روتردام في بحر الشمال، بينما تعرج البواخر المتجهة إلى جنوب أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، في شبه دورة

يظن بعض الحوثيين الخارجين عن القانون ومعهم إيران، أن تحويل مسار بعض شركات الملاحة البحرية في باب المندب "انتصار تجاري وهمي" على القوى الكبرى العالمية، وهي رسالة خاطئة

ارتفاع التكلفة والتأمين

وقالت "ستاندرد أند بورز" إن التكلفة الإضافية للشحن تقدّر 100 دولار على كل حاوية. وارتفع سعر استئجار باخرة تجارية بأكثر من 25 في المئة في أسبوع واحد سوق لندن.ومنذ 19 نوفمبر/تشرين الثاني لوحظ تزايد عدد البواخر التجارية التي أصبحت تستعمل المحيط الأطلسي لربط القارتين الأوروبية والآسيوية، ومنها شركة "زيم" الإسرائيلية التي قالت إنها تفضل تغيير الاتجاه على الرغم من طوله وارتفاع مصاريف الشحن (على مواجهة عسكرية مباشرة مع الحوثيين).

ويقدر طول الرحلة الأطلسية نحو 16 ألف كلم وهي طريق بحري قديم كان مستعملا لقرون، قبل حملة نابليون بونابرت على مصر نهاية القرن الثامن عشر، وتشييد "شركة سويس ممر بحري"، يربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر للوصول إلى السودان واليمن. ومنذ نهاية القرن التاسع عشر واكتشاف المحركات البخارية غدت قناة السويس الطريق البحري الأمثل للتجارة والملاحة العالمية بنسبة 30 في المئة من مجموع الحاويات. واعتُبر تأميم القناة ثم إغلاق باب المندب في وجه التجارة نحو إسرائيل، من الأسباب المباشرة لحرب يونيو/حزيران 1967. وتعتبر قناة السويس موردا مهما لمصر من العملات الأجنبية، وطريقاً سلساً للتجارة العالمية، وهي تمثل 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد المصري وشريانا تجاريا عالميا لا غنى عنه. 

تحالف دولي ضد القرصنة

قد يفهم بعض الحوثيين الخارجين عن القانون ومعهم إيران، أن تحويل مسار بعض شركات الملاحة البحرية في باب المندب "انتصار تجاري وهمي" على القوى الكبرى العالمية، وهي رسالة خاطئة،ولا أحد يتبناها أو يوافق عليها بين الحلفاء. لذلك سارعت واشنطن إلى إعلان قيام تحالف عسكري جديد لمواجهة التهديدات التي تمارسها هذه الجماعات ضد التجارة العالمية في البحر الأحمر. 

وانضمت نحو 10 دول حتى الآن إلى دعوة وزير الدفاع الأميركي لويد اوستن إلى إنشاء تحالف بحري في المنطقة لتأمين انسياب التجارة وحماية السفن في البحر الأحمر، هي إضافة الى الولايات المتحدة الأميركية، البحرين وكندا والمملكة المتحدة وايطاليا وهولندا ونروج، واسبانيا، وجزر سيشل، وفرنسا. وترغب باريس في تشكيل تحالف أوسع يضم دولا عربية نافذة في المنطقة، لإضفاء مزيد من القوة على التحالف خاصة أن أي تغيير كبير في مسار طريق التجارة قد يكون له تأثير اقتصادي سلبي على دول مجاورة بحسب صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية.

للمزيد إقرأ: عسكرة البحر الأحمر... وتقاطعات جيوسياسية في الأمن والاقتصاد

وهناك بعض الحذر لدى دول أوروبية أخرى، تعتقد أن كل تصعيد أمنى جديد في غير صالح الأمن الإقليمي، خاصة أن قوى كبرى موجودة على ضفاف البحر الأحمر والقرن الأفريقي، قد لا تكون متفقة على صيغة التعامل العسكري الأميركي، أو متخوفة من اتساع الصراع، ومواجهة مباشرة مع إيران المتهمة الأولى بعرقلة الملاحة الدولية. وتتهم هذه الدول طهران بالوقوف وراء جماعات إجرامية تمارس أفعال القراصنة وتمدهم بالمسيرات والصواريخ لفعل ذلك. وهي المرة الأولى في البحر الأحمر التي يتم فيها استهداف بواخر تجارية بصواريخ باليستية (من تسليح إيراني).

تتزامن الأوضاع في غزة والبحر الأحمر مع ظروف اقتصادية عالمية غير مساعدة تماما، وتسجيل تباطؤ في النمو الاقتصاد العالمي إلى معدل يقل عن 3 في المئة

الصين والهند من أكبر المتضررين

وتتزامن الأوضاع في غزة والبحر الأحمر مع ظروف اقتصادية عالمية غير مساعدة تماما، وتسجيل تباطؤ في النمو الاقتصاد العالميإلى معدل يقل عن 3 في المئة، في أحسن تقدير بحسب صندوق النقد الدولي. وتتخوف دول أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا وايطاليا واسبانيا من موجة تضخم جديدة في حال تواصلت حركات تعطيل التجارة والإمدادات. وحقق الاقتصاد الأوروبي نموا ضعيفا من 0،7 في المئة وهو يراهن على الوصول الى 1 في المئة عام 2024 لتفادي انكماش اقتصادي كما حصل في ألمانيا خلال الربعين الثاني والثالث. وهي المتضرر الأول من وقف تدفق النفط الروسي بسبب العقوبات الاقتصادية جراء حرب أوكرانيا. ولا يتحمل الاقتصاد الألماني ارتفاعا جديدا في أسعار الطاقة أو أزمة إمدادات صناعية.

AFP
سفينة Galaxy Leader (L) التي تم الاستيلاء عليها مؤخرًا والراسية قبالة شاطئ الصليف باليمن، مع وجود سفينة دعم متمركزة في مكان قريب.

وكتبت صحف فرنسية أن مفاوضات سرية تجري بين واشنطن وبكين لإبقاء طريق التجارة والملاحة البحرية، والضغط على إيران لوقف الهجمات الإرهابية وتجنب الاقتصاد العالمي مزيدا من الخسائر. وتعتبر الصين إلى جانب الهند من أكبر المتضررين من تعطيل التجارة في البحر الأحمر. كما تتخوف الصناعات الأميركية من أزمة إمدادات محتملة من أي تصعيد عسكري مفتوح في المنطقة. 

حوار عربي روسي في مراكش

وحضرت الحرب الإسرائيلية على غزة، وعرقلة الحوثيين للتجارة العالمية في البحر الأحمر، في اجتماع الدورة السادسة لمنتدى التعاون العربي الروسي في مراكش، في حضور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ووزراء خارجية الدول العربية والجامعة العربية. وقالت مصادر إن المؤتمر تطرق الى العديد من القضايا المختلفة الإقليمية والدولية التي تشكل موضع اهتمام لدى الجانبين العربي والروسي في المجالات السياسية، والاقتصادية والتجارية وغيرها. وقال بوريطة رئيس المؤتمر "إننا نصبو إلى الرقي بهذا المنتدى إلى مستوى حوار استراتيجي عربي روسي يخدم مصالح الطرفين... ويساهم في امن المنطقة العربية واستقرارها".

ويشكل موضوع الأمن والاستقرار شبه إجماع عربي (في غياب الجزائر وسوريا) لتجنيب المنطقة مزيدا من الصراعات، أو السقوط في أجندات أطراف أخرى إقليمية أو دولية لها حساباتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والجيواستراتيجية غير المتوافقة إقليميا، وحتى مناوئة للمصالح العربية.

وقال لافروف في كلمته إن مواقف روسيا والدول العربية متطابقة إزاء حل النزاع في الشرق الأوسط، وكشفت وسائل إعلام روسية أن موسكو تواصل بذل الجهود لنقل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى القنوات الديبلوماسية.

هناك اعتقاد متزايد داخل الدول الأوروبية مفاده أن "وقف الحرب في غزة مدخل مهم لوقف تهديد التجارة، ونزع أي مبرر عسكري لاستخدام العنف ضد المدنيين"

الأمن والاستقرار

هناك اعتقاد متزايد داخل الدول الأوروبية مفاده أن "وقف الحرب في غزة مدخل مهم لوقف تهديد التجارة، ونزع أي مبرر عسكري لاستخدام العنف ضد المدنيين"، وهناك ضغط من الرأي العام الداخلي في اتجاه التوصل إلى هدنة دائمة، تسمح بوصول الإمدادات إلى المدنيين، وتخفيف أجواء الصراع، بما يخدم شروط الأمن والاستقرار في كل منطقة الشرق الأوسط، وتغليب لغة الحوار على لغة الحرب من الأطراف كافة. وتجد غالبية الحكومات الغربية نفسها في حرج أمام مواطنيها بعدما كانت متحمسة للحرب بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، ثم تبين لاحقا أن الحرب ليست خيارا صائبا، بعدما تحول الإعلام المحلي للحديث عن مخاوف من تضخم جديد ونقص في الإمدادات بسبب تعطل التجارة العالمية في طريقها عبر بحار الشرق الأوسط.

قبل عشرين سنة قال الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك "إن امن الشرق الأوسط واستقراره يضمن امن أوروباوازدهارها".التاريخ يعيد نفسه.

font change

مقالات ذات صلة