مودي في انتخابات 2024... إطعام الفقراء واستعادة "الفخر الهندوسي"

Eduardo Ramon
Eduardo Ramon

مودي في انتخابات 2024... إطعام الفقراء واستعادة "الفخر الهندوسي"

أعلن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، في تجمع حاشد وسط الهند، يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني، استمرار برنامج المساعدات الغذائية الذي يطعم قرابة 60 في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة؛ فضمان الأمن الغذائي في أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وخامس أكبر اقتصاد، أمر بالغ الأهمية لبقاء مودي السياسي واستمرار حزبه (بهاراتيا جاناتا) في الحكم.

والحقيقة أن الهند لا تزال من بين أفقر دول العالم من حيث متوسط دخل الفرد، على الرغم من أن ناتجها المحلي الإجمالي كبير نسبيا.

يقدر الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في الهند بنحو 3.7 تريليون دولار أميركي، أي إن نصيب الفرد من الدخل، أو متوسط الدخل الذي يكسبه كل شخص، حوالي 2600 دولار أميركي. وإذا قارنا ذلك ببلد مثل بنغلاديش لرأينا أن متوسط دخل الفرد في بنغلاديش أعلى منه قليلا، وإذا قارناه ببلد كالمملكة العربية السعودية، فسنجد أن متوسط دخل الفرد هناك كان في عام 2022 أعلى بـ13 ضعفا. وتغدو مشكلة الفقر أكثر حدة عندما نأخذ التفاوت الصارخ في توزيع الثروة في الحسبان.

ضمان مودي

في تقريرها لعام 2023 سلطت "أوكسفام"، المنظمة غير الربحية، الضوء على هذا التفاوت بعبارات صارخة. فقد امتلك 1 في المئة من الأكثر ثراء في الهند أكثر من 40.5 في المئة من إجمالي الثروة عام 2021، بينما بلغت حصة 50 في المئة من السكان الأشد فقرا حوالي 3 في المئة من إجمالي الثروة. وأشارت منظمة "أوكسفام" إلى الهند في تقريرها المعنون بـ"بقاء الأغنياء: قصة الهند"، إلى ارتفاع عدد أصحاب المليارات في البلاد من 102 عام 2020 إلى 166 عام 2022.

التحدي الكبير القادم أمام مودي هو الانتخابات الوطنية عام 2024، كما أن الإعلان عن مواصلة برنامج المساعدات الغذائية لرعاية الحبوب الغذائية للفقراء، يمكن اعتباره خطوة قوية

كما سلطت الضوء على "الأزمات المتعددة" مثل الجوع والبطالة والتضخم والكوارث الصحية، وأوضحت أن الفقراء غير قادرين على تحمل حتى نفقات الضروريات الأساسية للبقاء على قيد الحياة. وقد يكون وضع كهذا متفجرا اجتماعيا وسياسيا، ويدرك الحزب الحاكم في الهند أن السخط الخطير بين الفقراء قد يضع حدا لطموحاته الطويلة الأمد في الهيمنة على الحياة السياسة في البلاد.
وإذا أبقينا في الذهن أن التحدي الكبير القادم أمام مودي وحزب بهاراتيا جاناتا هو الانتخابات الوطنية عام 2024، فإن الإعلان عن مواصلة برنامج المساعدات الغذائية المعروف باسم خطة رئيس الوزراء لرعاية الحبوب الغذائية للفقراء، يمكن اعتباره خطوة قوية.
وقال مودي، متحدثا في تجمع انتخابي إقليمي بولاية تشهاتيسجاره: "لقد قررت أن تمدد حكومة حزب بهاراتيا جاناتا خطة توفير الحبوب الغذائية المجانية لـ800 مليون فقير طيلة السنوات الخمس المقبلة". وأضاف: "ليس هذا وعدا سياسيا، هذا ضمان مودي"، مما يجعل الأمر شخصيا على نحو كبير.
أصبح مودي رئيسا للوزراء عام 2014 وحصل على ولاية ثانية في مايو/أيار 2019. وسيطر طيلة هذه السنوات على المشهد السياسي في الهند، مع وجود معارضة منقسمة غير قادرة على مواجهة حزب بهاراتيا جاناتا ذي السياسة الشعبوية. ويعود فوزه بهاتين الدورتين إلى سياسات الحزب الرئيسة في بعث الهندوسية والوعد بـ"التنمية".


القاعدة السعيدة


ركزت البرامج السياسية والاقتصادية الكبرى لحزب بهاراتيا جاناتا طيلة عقد على إبقاء قاعدته الانتخابية الأساسية هندوتفا (القومية الهندوسية) سعيدة باتخاذه خطوات مثل إلغاء الوضع الخاص لمنطقة جامو وكشمير ذات الغالبية المسلمة وبناء معبد ضخم مكان مسجد بابري المهدم الذي يعود بناؤه إلى القرن السادس عشر في ولاية أوتار براديش، مع عدم السماح للمعارضة بأن تقوض قبضته على سلطة المؤسسات المجتمعية.

سرعت حكومة مودي الإنفاق على البنية التحتية لإنشاء الطرق السريعة والمطارات والسكك الحديدية والموانئ والمناطق التجارية وغيرها من مرافق البنية التحتية

أُطلق برنامج المساعدات الغذائية عام 2020 في أعقاب جائحة "كوفيد-19"، الذي يمنح 5 كيلوغرامات من الحبوب شهريا مجانا للفئات الأكثر ضعفا، ومدد على مراحل قصيرة. وبلغت التكلفة المالية للحكومة في مراحلها السبع حتى ديسمبر/كانون الأول 2022 أكثر من 3.9 تريليون روبية (نحو 47 مليار دولار)، بحسب الأرقام الرسمية.
ومن المؤكد أن تمديد برنامج المساعدات خمس سنوات سيشجع كثيرا من الهنود على التصويت لصالح مودي أملا في أن يؤدي فوز حزب بهاراتيا جاناتا إلى مزيد من تدابير الرعاية الاجتماعية. ومع ذلك، فإن هذا يسلط الضوء أيضا على القضايا المهمة المتعلقة بالجوع وسوء التغذية في الهند، وهي دولة غالبا ما ينظر إليها المستثمرون الدوليون على أنها سوق استهلاكية رئيسة. وعلى أقل تقدير فإن مثل هذه التدابير مفيدة في تخفيف الاضطرابات الاجتماعية، وخصوصا خلال فترة تصاعد البطالة داخل الاقتصاد الهندي. وتزيد المخاوف بشأن ارتفاع التضخم من هذه التحديات.
لقد سرعت حكومة مودي الإنفاق على البنية التحتية لإنشاء الطرق السريعة والمطارات والسكك الحديدية والموانئ والمناطق التجارية وغيرها من مرافق البنية التحتية. وتساعد فورة الإنفاق هذه في تعزيز قصة النمو الاقتصادي في الهند، وهي تحظى بدعم واسع النطاق في أوساط مجتمع الأعمال المؤيد لحزب بهاراتيا جاناتا. ومع ذلك فشل الإنفاق الضخم على البنية التحتية وخطط تحرير الاقتصاد في خلق ما يكفي من فرص العمل.
لا شك أن سوق الأوراق المالية الهندية مزدهرة، لكن الاستثمار في المحافظ المالية ليس بالأمر الذي يوفر ملايين الوظائف التي تحتاجها الهند. كما أن أسعار الأسهم الحالية مرتفعة أيضا، حسب تقرير "بلومبرغ" في 21 نوفمبر/تشرين الثاني، الذي جاء فيه: "يقوم مديرو الشركات في الهند ببيع أسهمهم بسرعة فائقة، إذ باعوا 12 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من هذا العام. وهذه علامة واضحة، حسب قواعد الاستثمار 101، على أن هذه السوق مُبالغ في تقدير قيمتها".

Eduardo Ramon

وأيا كان ما يحدث في سوق الأوراق المالية، فلا بد للاقتصاد الحقيقي من أن يوفر فرص العمل للصفوف المتزايدة من الشباب الساخط، الذي يأتي جزء كبير منه من الطبقات الطموحة التي ترغب في المزيد من مطالب النزعة الاستهلاكية وأنماط الحياة الحديثة. ومن الواضح أن المطالب المادية لهذه الطبقة أكبر من مطالب الفقراء الذين يكتفون بالقليل من المساعدات الغذائية.
وبعد أن يحصل قطاع الشباب هذا على التعليم الجامعي، فإن أهم ما يريده هو الوظائف ذات الأجر الجيد والسكن والرعاية الصحية والسيارات الخاصة والضمان الاجتماعي. كما يطمح الكثير منهم إلى الهجرة بحثا عن حياة مستقرة في الدول الغربية وأخصها الناطقة بالإنكليزية أو العثور على وظائف في الاقتصادات المزدهرة في منطقة الخليج.


ورقة المعابد


يفخر كثير من هندوس الطبقة العليا بآيديولوجيا الهندوتفا، القومية الهندوسية، التي يتبناها حزب بهاراتيا جاناتا. وهم لا يشكلون قاعدة انتخابية كبيرة فحسب، بل يتمتعون أيضا بصوت عالٍ ويهيمنون على قطاع الشركات ووسائل الإعلام والحكومة. ومن المهم جدا لحزب بهاراتيا جاناتا أن يبقيهم إلى جانبه.

رغم التذمر السائد في أوساط الشباب بسبب الافتقار إلى الفرص الكافية، فمن المؤكد أن مشروع معبد رام في مدينة أيوديا سيعزز الدعم لحزب بهاراتيا جاناتا في الانتخابات العامة المقبلة

وعلى الرغم من التذمر السائد في أوساط الشباب بسبب الافتقار إلى الفرص الكافية، فمن المؤكد أن مشروع معبد رام في مدينة أيوديا سيعزز الدعم لحزب بهاراتيا جاناتا في الانتخابات العامة المقبلة. وقد تقدمت أعمال البناء في المعبد في الموقع الذي كان يوجد فيه مسجد بابري ذات يوم، تقدما سريعا منذ أن قضت المحكمة العليا في الهند بمنح المكان للهندوس عام 2019. وكان المتعصبون الهندوس قد هدموا المسجد في 6 ديسمبر/ كانون الأول عام 1992 عندما كان حزب المؤتمر في السلطة. ومع أن المسلمين غير راضين عن الظلم الناجم عن عدم استعادة الموقع، إلا أنهم قبلوا الحكم.
وسيشارك مودي في مراسم المعبد الكبير في أيوديا في يناير/كانون الثاني. ومن المتوقع أن يحظى هذا الحدث بتغطية إعلامية كبيرة قبل الانتخابات البرلمانية المقررة قبل مايو/أيار عام 2024. وسيحمل رئيس الوزراء الهندي تمثال الإله رام في مشهد من المتوقع أن يعزز أوراق اعتماده الهندوسية بين الجماهير الهندية وكذلك بين الهندوس في مجتمعات الشتات. ومن المتوقع أن يجتمع الآلاف من الكهنة والمهنيين وأباطرة الأعمال والسياسيين في أيوديا. وتشير التقارير إلى أن بعض القادة الأجانب سيدعون أيضا لحضور الحدث الرئيس المقرر عقده يوم 22 يناير/كانون الثاني.
وتمتلك ولاية أوتار براديش 80 مقعدا من أصل 543 مقعدا في البرلمان، مما يجعلها جائزة كبيرة لأي حزب يأمل في حكم الهند. ويشكل المسلمون نحو 20 في المئة من عدد سكانها البالغ 240 مليون نسمة.
وقد ساعد الاستقطاب الطائفي والعنف بشأن قضية المعبد حزب بهاراتيا جاناتا على الصعود السياسي منذ الانتخابات العامة عام 1984 عندما فاز بمقعدين فقط على مستوى البلاد.
ومع اختفاء مسجد بابري، بقي لدى حزب بهاراتيا جاناتا وأنصاره قضية مسجدين تاريخيين آخرين- مسجد جيانفابي في فاراناسي، ومسجد شاهي إدجاه في ماثورا- يمكنهم الاعتماد عليهما إذا تطلبت سياساتهم ذلك. كما يُبقي الحزب مجموعة من القضايا الأخرى المتعلقة بالإسلاموفوبيا في حالة غليان للاستغلال السياسي.


وعود "العصر الذهبي"


ولا يمتلك حزب المؤتمر، الحزب المعارض الرئيس، قضية مماثلة يواجه بها حزب بهاراتيا جاناتا في الانتخابات المقبلة، وهو من ترعرعت حركة هندوتفا بسرعة تحت حكمه. وسبق للمستوى الثاني من زعماء حزب بهاراتيا جاناتا المتشددين أن وجه ضربات منظمة إلى حزب المؤتمر في هذه القضية، وينسبون إليهم الفضل في تحقيق هدف المعبد واستعادة "الفخر الهندوسي". بل إنهم لا يعترفون بأنه لولا "الهندوتفا الناعمة" التي تمتع بها حزب المؤتمر ومهاراته الدبلوماسية في إدارة الضجة الدولية التي أعقبت هدم مسجد بابري، ما كان من الممكن أن تنشأ الهندوتفا المتشددة.

من المؤكد أن الاستقطاب الديني في الهند سيتصاعد في الفترة الممتدة حتى مراسم المعبد وانتخابات عام 2024

ومن المؤكد أن الاستقطاب الديني في الهند سيتصاعد في الفترة الممتدة حتى مراسم المعبد وانتخابات عام 2024.
إن محو التاريخ، ومحو أجزاء من الماضي التي تشكل تهديدا لأساطير الهندوتفا وأوهامها، أمر أساسي لتعزيز وعود حزب بهاراتيا جاناتا بـ"مستقبل مجيد" متجذر في "العصر الذهبي" الماضي. في حين أن هناك حماسة لمثل هذه القومية بين الطبقات العليا، فقد أنشأت الرابطة الوطنية للمتطوعين، وهي الأم الآيديولوجية لحزب بهاراتيا جاناتا، مجموعات تهدف إلى تجنيد الطبقات المتخلفة والدنيا أيضا. ومن بين أنصاره فإن ميليشيا مجموعة الشباب المتشددة باجرانج دال تجتذب عددا كبيرا من أعضائها من الطبقات الدنيا. وقد اتُهمت جماعة باجرانج دال بالتورط في عدد من عمليات القتل الغوغائية للمسلمين والهجمات التي يشنها "حراس البقر". أما عالم السياسة الفرنسي كريستوف جافريلوت في كتابه "هند مودي: القومية الهندوسية وصعود الديمقراطية العرقية" فقد أطلق على أعضائها اسم "الغوغاء".


2047 ... "الهند الجديدة"


إن وضع الهند الحالي كدولة منخفضة الدخل لا يعني أنها لا تستطيع أن تكون طموحة في السباق الجيوسياسي كحال الدول ذات الدخل المرتفع. وثمة حديث يدور اليوم حول عدد من الأهداف الاقتصادية والسياسية خلال فترة السنوات الخمس والعشرين المقبلة، المعروفة باسم "أمريت كال"، وتمتد حتى عام 2047، عام الذكرى المئوية لاستقلال الهند عن بريطانيا. وأعلن مودي في كلمة ألقاها بمناسبة عيد الاستقلال في 15 أغسطس/آب العام الماضي: "علينا أن نحول الهند إلى دولة متقدمة في السنوات الخمس والعشرين المقبلة".

يثابر مودي على الحديث عن خروج الهند من "عقلية العبودية"، و"العقلية الاستعمارية"، بغية تعزيز المشاعر القومية. ويعمل حزب بهاراتيا جاناتا على إطالة أمد حكمه إلى ما بعد الخمس سنوات التي يتوقع أن يفوز بها العام المقبل

ثمة إدراك حاد بأن قيام "الهند الجديدة" لن يكون ممكنا من دون تحقيق الأهداف الاقتصادية الطموحة. وتتوقع الحكومة أن تتفوق الهند في ناتجها المحلي الإجمالي على كل من اليابان وألمانيا لتصبح بذلك ثالث أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2027. ويواصل هذا الموضوع ظهوره في البيانات الرسمية ومناقشات مراكز الأبحاث الاستراتيجية.

AFP
نساء وأطفالهن اثناء دورة لتنظيم الاسرة في ولاية بيهار الهندية في ابريل

ويثابر مودي على الحديث أيضا عن خروج الهند من "عقلية العبودية"، و"العقلية الاستعمارية"، بغية تعزيز المشاعر القومية. ويعمل حزب بهاراتيا جاناتا على إطالة أمد حكمه إلى ما بعد فترة الخمس سنوات التي يتوقع أن يفوز بها العام المقبل.
وتسترشد سياسة الحزب بقاعدة الحرب حيث تعمل رابطة المتطوعين القومية وفروعها باستمرار على الترويج لفكرة "التفوق الهندوسي".
ومن بين الأهداف المحددة لحزب بهاراتيا جاناتا حصول الهند على العضوية الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وتشتمل معركة الحزب المتشعبة على امتلاك الخطاب الإعلامي وقمع الأحزاب السياسية الأخرى والأصوات المعارضة. وفيما لا يجوز للفقراء أن يحتجوا بسبب نقص الغذاء، ينبغي أن تظل الطبقة المتوسطة والطبقة المتوسطة الدنيا منشغلتين بما يكفي في لعبة الكريكت والترفيه والمساعي المهنية. وما يقلق حزب بهاراتيا جاناتا دوما هو أن تتمكن المعارضة من استغلال عامل الفقر.
وعلى الرغم من أن حزب بهاراتيا جاناتا كان قادرا على إدارة المعارضة السياسية، إلا أنه اضطر إلى التراجع المهين عام 2021 عندما أجبر احتجاج المزارعين غير المسبوق، بخاصة في البنجاب، الحكومة على سحب ثلاثة قوانين زراعية جديدة مثيرة للجدل.


أية سياسة خارجية؟


ولكي يتمكن حزب بهاراتيا جاناتا من المضي قدما في تنفيذ أجندته المحلية الطويلة الأجل، فإن تهيئة بيئة خارجية مواتية أمر بالغ الأهمية. لكن تحقيق نجاح السياسة الخارجية يعتمد على تعاون الدول الأخرى.
إلا أن انعطافات غير متوقعة يمكن أن تحدث؛ فقد عصفت أزمة بعلاقة الهند مع كندا هذا العام بعد الاتهامات الكندية بتورط عملاء الحكومة الهندية في مقتل زعيم انفصالي للسيخ في كندا.
وكانت جائحة "كوفيد-19" صدمة مفاجئة أحدثت ضائقة اقتصادية هائلة في الهند.

يمكن لمعظم الدول غير الغربية أن تعالج قضية انتهاك إسرائيل للقانون الدولي وارتكابها إبادة جماعية بحق سكان غزة، لكن الهند غير قادرة على انتقاد إسرائيل ولو بشكل معتدل

وفي يونيو/حزيران عام 2020، أودى قتال دموي بين الجنود الهنود والصينيين في منطقة لاداخ، بحياة ما لا يقل عن 20 جنديا هنديا وأربعة جنود صينيين. وأدى الاشتباك العنيف إلى تصاعد التوتر وإلى تعزيزات عسكرية مكثفة في تلك المنطقة الحدودية.
ثم جاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا عام 2022، فخلق كثيرا من عدم اليقين على الصعيدين الاقتصادي والسياسي الخارجي أمام صناع السياسات في الهند.
وتواجه مؤسسة السياسة الخارجية الهندية أوقاتا عصيبة في التعامل مع المطالب الغربية فيما يخص حرب الغرب ضد روسيا، الحليف التقليدي للهند. وفي السنوات الأخيرة اكتسب الغرب مزيدا من النفوذ على الهند، التي باتت تعتمد على نحو متزايد على الغرب بقيادة الولايات المتحدة في مجالات التكنولوجيا والتمويل والأسلحة وأسواق التصدير. والتحدي الأخير الذي يواجه السياسة الخارجية الهندية هو الحرب الإسرائيلية على غزة التي تأتي في إطار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الأوسع.
لقد نُظر إلى الهند طوال عقود من الزمن على أنها داعمة للقضية الفلسطينية، إلا أن لها الآن علاقات عسكرية وأمنية وتجارية عميقة مع إسرائيل. والنخبة الهندية مؤيدة لإسرائيل بلا خجل. وعلى الرغم من الإدانة العالمية لقتل إسرائيل آلافا من الأطفال والنساء الفلسطينيين، فإن وسائل الإعلام الهندية تتصرف وكأنها متحدث عسكري إسرائيلي.
يمكن لمعظم الدول غير الغربية أن تعالج قضية انتهاك إسرائيل للقانون الدولي وارتكابها إبادة جماعية بحق سكان غزة، لكن الهند غير قادرة على انتقاد إسرائيل ولو بشكل معتدل.
هذه السياسة قد يكون لها آثار بعيدة المدى على صورة الهند بين السكان العرب والمسلمين، فضلا عن علاقاتها الخارجية. وسيكون تأثيرها محسوسا على السياسة الداخلية في الهند أيضا.

font change

مقالات ذات صلة