كيف أحيا العراق يوم الجيش وذكرى "المهندس"؟

قتل بغارة أميركية مع قاسم سليماني

Shelly Kittleson
Shelly Kittleson
ابو مهدي المهندس وقاسم سليماني على لافتة في وسط العاصمة العراقية بغداد

كيف أحيا العراق يوم الجيش وذكرى "المهندس"؟

بغداد- في سماء العاصمة العراقية بغداد، حلقت طائرات مقاتلة، ومرت الدبابات تحت قوس النصر، يوم 6 يناير/كانون الثاني، احتفالا بيوم الجيش. وفي الوقت نفسه، في إيران، عرضت سفينة حربية يمكنها "تجنب الرادار"، استغرق إعدادها خمسة عشر شهرا. وجرى عرضها في احتفال أقيم في ميناء بندر عباس الجنوبي، بينما كان المحتفلون يحيون الذكرى الرابعة لمقتل أبي مهدي المهندس في 3 يناير/كانون الثاني 2020.

وقد ظهر الفريق عبد الأمير يار الله، رئيس أركان الجيش العراقي، في مقطع فيديو بأحد هذه الاحتفالات، وهو يسير فوق العلم الأميركي، لكي يظهر عدم احترامه للولايات المتحدة. ومن المعروف أن يار الله، الذي سبق له أن زار الولايات المتحدة لإجراء مناقشات أمنية، كثيرا ما عبر عن شديد إعجابه بالمهندس.

قُتل "المهندس"، النائب السابق لقائد قوات "الحشد الشعبي" العراقي، برفقة الجنرال في "الحرس الثوري الإيراني" قاسم سليماني، في غارة أميركية بطائرة دون طيار، وأثار هذا الحدث وقتها احتجاجات ومناقشات كبيرة حول السيادة العراقية. ولكن ذلك لم يؤثر على وجود القوات الأميركية في العراق كجزء من التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، ولكن قادة وحدات الحشد الشعبي يطالبون على الدوام بإزالتها.

وفي يوم العرض العسكري في بغداد، أقام "الحرس الثوري الإيراني" ووحدات "الحشد الشعبي" عرضا عسكريا مشتركا في البصرة، لاستعراض علاقاتهما القوية. وكان هذا الحدث جزءا من المناقشات الإقليمية الأوسع حول الاستراتيجيات الجيوسياسية.

وكانت إيران قد كشفت في وقت سابق عن صواريخ كروز البحرية "أبو مهدي المهندس" في منتصف عام 2023، وهي تدعي أن الصواريخ هذه قادرة على تجنب الرادارات. وبحسب ما ورد فقد جرى تسليم العشرات منها إلى الجيش و"الحرس الثوري" الإيرانيين مع تزايد انتشار القوات الأميركية في الخليج.

وفي 7 يناير/كانون الثاني، أعلنت جماعة مسلحة تطلق على نفسها اسم "المقاومة الإسلامية في العراق" أنها أطلقت صاروخ كروز بعيد المدى على مدينة حيفا الساحلية الإسرائيلية. ولم يتضح على الفور متى جرى ذلك ولا ما إذا كان قد أصاب هدفه أم لا، كما لم يعرف من أين تم إطلاقه بالضبط.

وأعلنت الجماعة نفسها منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول مسؤوليتها عن شن أكثر من 100 هجوم على منشآت تتمركز فيها قوات أميركية في العراق وسوريا، وذلك كما قالت بسبب الدعم الأميركي المعلن لإسرائيل في حربها على غزة. ويقول مراقبون إن المجموعة مرتبطة ببعض الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران، ولها ألوية مدمجة في قوات الحشد الشعبي التي تتقاضى رواتبها من الحكومة.

ما كادت تحل مراسم إحياء ذكرى سليماني والمهندس في بغداد يوم 3 يناير/كانون الثاني، في الذكرى الرابعة لمقتلهما، حتى قتل أحد المقربين منهما وسط بغداد

استهداف قيادات "المقاومة" في عدة دول


بعد تجاوز العدد الرسمي للقتلى الفلسطينيين في الحرب على غزة 20 ألف قتيل، لا يزال استمرار دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في إثارة الغضب، ويبدو أن الكثير من الفصائل المسلحة تسعى إلى بناء قوتها العسكرية واستعراضها.
ويعمل "محور المقاومة" الذي تقوده إيران، والذي يضم فصائل مثل "حماس"، و"حزب الله"، بنشاط لمواجهة نفوذ إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة. ويتميز هذا التحالف، الذي كان يضم في السابق شخصيات مثل سليماني والمهندس، بمعارضته المشتركة لوجود هاتين الدولتين في الشرق الأوسط.
وتسلط مقابلة أجرتها كاتبة هذه السطور، في شهر سبتمبر/أيلول 2022، مع يزن الجبوري، أحد تلاميذ المهندس من الطائفة السنية، الضوء على المقاربات الاستراتيجية مقابل المقاربات التكتيكية داخل هذه الجماعات. وتوضح تصريحاته التحول في الديناميكيات العملياتية بعد فقدان قادة رئيسين مثل المهندس.
وقال الجبوري: "مع أبو مهدي كان لدينا شخص يخطط بشكل استراتيجي للأمور. معظم الأشخاص الذين لدينا الآن يفكرون بشكل تكتيكي فقط".
ومعروف أن جماعة "حماس" الفلسطينية المسلحة و"حزب الله" اللبناني هما أيضا جزء من "محور المقاومة". وقد جرى استهداف الكثير من القادة في الأيام الأخيرة في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك نائب رئيس الجناح السياسي لحركة "حماس"، صالح العاروري، في غارة إسرائيلية على معقل "حزب الله" في العاصمة اللبنانية.
وما كادت تحل مراسم إحياء ذكرى سليماني والمهندس في بغداد يوم 3 يناير/كانون الثاني، في الذكرى الرابعة لمقتلهما، حتى قتل أحد المقربين منهما وسط بغداد؛ ففي ضربة نهارية جرت يوم 4 يناير/كانون الثاني في منطقة ليست بعيدة عن مجمع وزارة الداخلية في شارع فلسطين، قُتل مشتاق طالب السعيدي "أبو تقوى"، الذي ينتمي إلى "حركة النجباء"، وكان نائب قائد قوات "الحشد" فيما يعرف بـ"حزام بغداد"، وخاصة المناطق الريفية المحيطة بالعاصمة.
وأدى الحادث الذي وقع في بغداد والذي تضمن هجوما بطائرة دون طيار على مقر أمني إلى تصعيد التوترات بشكل كبير. ووصف اللواء يحيى رسول، المتحدث باسم القوات المسلحة العراقية، الهجوم بأنه "عمل إرهابي وانتهاك صارخ لسيادة العراق". وحمّل قوات التحالف الدولي المسؤولية بشكل مباشر عن هذا الاعتداء غير المبرر على كيان أمني عراقي، مؤكدا أنه يتعارض مع الاتفاقات القائمة بين القوات المسلحة العراقية والتحالف الدولي.
واعترفت وزارة الدفاع الأميركية في وقت لاحق، على لسان السكرتير الصحافي لوزارة الدفاع الأميركية في مؤتمر صحافي، بتورط قوات التحالف، مؤكدة أن  أبو تقوى قد قتل في الغارة ومعه عضو آخر في "حركة النجباء". ودافعت الولايات المتحدة عن تصرفاتها باعتبارها دفاعا عن النفس، مؤكدة عدم تعرض أي مدنيين أو بنية تحتية للأذى.
وزاد الطين بلة وصول الشيخ محمد حسين الكوثراني، ممثل "حزب الله" اللبناني في العراق، إلى بغداد بعد وقت قصير من الحادث. وبحسب موقع "أمواج"، فإن الكوثراني، الذي يعتبر رجل دين شيعيا متوسط الرتبة، يقوم بزيارة مطولة إلى بغداد، هي الأولى له منذ عامين. إن وجوده في بغداد جدير بالانتباه، نظرا لأن وزارة الخزانة الأميركية صنفته في عام 2013 باعتباره إرهابيا عالميا. وفي عام 2020، عرض برنامج المكافآت من أجل العدالة التابع لوزارة الخارجية الأميركية مكافأة كبيرة مقابل معلومات حول أنشطته وعلاقاته.
وتشير التقارير إلى أن الكوثراني زار شبل الزيدي، قائد "كتائب الإمام علي"، في مقر إقامته المحمي بمنطقة الجادرية الراقية في بغداد. 

يعد ميناء الفاو أساسيا لمشروع طريق التنمية، وهو شبكة طرق وسكك حديدية تخطط لربط البصرة وميناء الفاو الكبير بالحدود التركية ومن ثم عبر الطرق المؤدية إلى ميناء مرسين التركي وأوروبا

 "الحشد الشعبي" و"الحرس الثوري" يستعرضان قوتهما  


وفي أوائل يناير/كانون الثاني، نظم "الحرس الثوري" الإيراني ووحدات "الحشد الشعبي" عرضا عسكريا مشتركا في ميناء الفاو جنوبي العراق، تكريما لذكرى "استشهاد" الزعيمين الشيعيين.
وفيما يعتبر أولئك الذين يخشون من تزايد "السيطرة" الإيرانية على العراق العرض العسكري المشترك إشارة أخرى إلى خسارة معركتهم لمنع مثل هذا النفوذ غير المبرر، يرى آخرون أن العلاقات الودية مع إيران ضرورية لأمن العراق، نظرا للحدود الطويلة بين البلدين.
ويعد ميناء الفاو أساسيا لمشروع طريق التنمية، وهو شبكة طرق وسكك حديدية تخطط لربط البصرة وميناء الفاو الكبير بالحدود التركية ومن ثم عبر الطرق المؤدية إلى ميناء مرسين التركي وأوروبا.
وقد وصف رئيس الوزراء العراقي المشروع بأنه "شريان حياة اقتصادي وفرصة واعدة لتقارب المصالح والتاريخ والثقافات".


قدامى المحاربين في الحروب من مختلف الجوانب

ولد المهندس لأب عراقي وأم إيرانية في محافظة البصرة، حيث لا تزال العلاقات بين البلدين الجارين قوية ومعقدة.
ولا يزال الضباط والجنود يتذكرون الحرب الإيرانية-العراقية بين عامي 1980 و1988، التي شاركوا فيها وفقدوا فيها أقاربهم الذكور. ويشير البعض إلى أن كثيرا من القادة العراقيين في فصائل المقاومة التي تقودها إيران قاتلوا إلى جانب إيران خلال تلك الحرب، وبالتالي يعتبرونهم "خونة".
وبالإضافة إلى مئات الآلاف من القتلى والمختفين في تلك السنوات، لا يزال العراقيون يعانون من ندوب جسدية بسبب المخاطر الناجمة عن مخلفات الحرب.
إن مسألة الألغام الأرضية في العراق، وخاصة في البصرة، تمثل تحديا كبيرا وطويل الأمد. وكما أفادت مديرية وزارة البيئة التي تركز على الألغام في شهر مارس/آذار من العام الماضي، فإن البصرة تتميز بكونها المدينة الأكثر امتلاء بالألغام في العالم. وهذا الوضع هو إرث الصراع الذي طال أمده بين إيران والعراق من عام 1980 إلى عام 1988، والذي تم خلاله زرع الكثير من الألغام الأرضية على طول حدودهما.

يتمتع جيل الشباب في العراق، وخاصة أولئك الذين انضموا إلى وحدات الحشد الشعبي خلال صراع 2014-2017، بمنظور وتجربة مختلفة للحرب. فقد ولدوا بعد سنوات من انتهاء الحرب الإيرانية العراقية، وتختلف دوافعهم للانضمام إلى هذه الجماعات المسلحة

وقد قدرت دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام أن إزالة جميع الألغام الأرضية في العراق قد تستغرق ما لا يقل عن 20 عاما. وهذه المهمة شاقة وتسلط الضوء على العواقب الطويلة الأجل للحروب، حيث تظل المخاطر قائمة لفترة طويلة بعد توقف الأعمال العدائية.
ويتمتع جيل الشباب في العراق، وخاصة أولئك الذين انضموا إلى وحدات "الحشد الشعبي" خلال صراع 2014-2017، بمنظور وتجربة مختلفة للحرب. فقد ولدوا بعد سنوات من انتهاء الحرب الإيرانية العراقية، وتختلف دوافعهم للانضمام إلى هذه الجماعات المسلحة. وبالنسبة للبعض، يُنظر إلى هذه الميليشيات التي يقودها الشيعة على أنها أكثر أخلاقية أو طريقا للبطولة، مما يسمح لهم بالانخراط فيما يعتبرونه جهادا أو خدمة لبلادهم والقضية التي يؤمنون بها.

Shelly Kittleson
لافتة تدعو الى موت الولايات المتحدة في بغداد

وربما انضم آخرون لأسباب مختلفة، مثل فرصة المشاركة في أعمال العنف التي تجيزها الدولة أو كوسيلة للتحرر من الرتابة وانعدام الآفاق في حياتهم اليومية. 
وكان هناك رجل قد انضم إلى "كتائب حزب الله" خلال حرب العراق ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) 2014-2017، قال لـ"المجلة" في مقابلة أجريت معه أوائل عام 2023 في منطقة ميسان جنوبي العراق– المتاخمة لإيران والتي شغل رئيس الوزراء العراقي الحالي منصب المحافظ فيها سابقا– قال إنه أصيب "بخيبة أمل" من الجماعة المسلحة ولم يعد يعتبر ما فعله معهم في سوريا مصدر فخر. ومع ذلك، أضاف أنه يحتاج إلى الراتب وليس لديه حاليا سوى خيارات قليلة أخرى. وكان قد انضم إلى التنظيم عندما كان مراهقا وذهب معهم للقتال عبر الحدود في سوريا، مهملا دراسته.
ويُعتبر التوظيف الحكومي أحد الإمكانيات القليلة لنوع من الدخل المستقر للكثيرين في العراق.


دخول بغداد مملوء بالرمزية


يعد قرار مجلس الوزراء العراقي بإعادة تسمية الطريق المؤدي إلى مطار بغداد بـ"شارع الشهيد أبو مهدي المهندس" خطوة رمزية تعكس مدى تقدير البلاد لمكانة "المهندس". ويضمن هذا القانون تعريف زوار العراق على الفور بشخصية يعتبرها كثيرون بطلا داخل البلاد. 

"محور المقاومة"، الذي ينظر إلى العراق كجزء من صراع إقليمي أوسع يتجاوز الحدود الوطنية، لديه كثير من الأتباع الذين يمنحون الأولوية للولاء لقضية ما على حساب الدولة

إن وجود الجامعة الأميركية في العاصمة العراقية بغداد، بمبانيها المهيبة وبحيرتها الاصطناعية، بالقرب من هذا الطريق الذي أعيدت تسميته يقدم رمزا متناقضا. ويسلط هذا التجاور الضوء على التأثيرات المعقدة والمتضاربة في كثير من الأحيان في العراق، وهو أمة لا تزال تبحر في هويتها وولاءاتها بعد سنوات من الصراع والتدخل الأجنبي.

Shelly Kittleson
احياء ذكرى قاسم سليماني و"المهندس" من خلال اللافتات في العاصمة العراقية

كان كل من سليماني و "المهندس" مدرجين على قائمة الإرهاب الأميركية لسنوات وقت اغتيالهما في يناير/كانون الثاني 2020. وكان كلاهما مشتركا أيضا في القتال ضد"داعش" وجماعات أخرى بما في ذلك مقاتلو المعارضة السورية المحلية على جانبي الحدود العراقية السورية.
إن "محور المقاومة"، الذي ينظر إلى العراق كجزء من صراع إقليمي أوسع يتجاوز الحدود الوطنية، لديه كثير من الأتباع الذين يمنحون الأولوية للولاء لقضية ما على حساب الدولة. وتتجلى هذه الآيديولوجيا في العرض الواسع النطاق للوحات الإعلانية في وسط وجنوب العراق، والتي تظهر المهندس وسليماني وهما يتعانقان. تعمل هذه الصور بمثابة تذكير وتحذير، وترمز إلى التأثير الدائم لهذه الشخصيات في المنطقة.

font change

مقالات ذات صلة