الهجوم الأميركي على حركة "النجباء" العراقية يكشف اتساع الخلافات

AFP
AFP

الهجوم الأميركي على حركة "النجباء" العراقية يكشف اتساع الخلافات

بغداد- قال المتحدث باسم حركة "حزب الله النجباء" في عام 2016، إن فصيله العراقي المسلح و"حزب الله" اللبناني هما "توأم مقاومة لا يمكن فكهما أو فصلهما على الإطلاق".

ويعد "حزب الله" أقوى فصيل أجنبي تدعمه إيران كجزء من "محور المقاومة" ضد إسرائيل والولايات المتحدة. وعمل كل من "حزب الله" و"النجباء" بشكل وثيق في سوريا ضد قوات المعارضة المسلحة المحلية، ومنذ تأسيسه عام 2013، كان الهدف الواضح لهذا الفصيل العراقي المسلح هو دعم "حزب الله"، حليف قوات نظام بشار الأسد.

وقد كانت الابتسامات ظاهرة على الوجه المستدير والطفولي لقائد حركة "النجباء"، الشيخ أكرم الكعبي بعمامته البيضاء، والوجه السمين ولكن الأشيب لحسن نصرالله زعيم "حزب الله"، وهو يرتدي نظارة طبية، في صورة ظهرت على مواقع الفصائل المسلحة احتفالا بهذا البيان. ويظهر في الصورة قائدا "المقاومة" متشابكي الأيدي بطريقة محببة نموذجية للأيقونات العامة للفصائل الجهادية الشيعية المماثلة.

ولا يزال قائدا المقاومة الشهيران و"الشهيدان" أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني- وكلاهما رجلان تظهر ملامحهما وإطاراتهما بشكل متكرر في ساحات القتال- حاضرين في كل مكان على اللوحات الإعلانية في جميع أنحاء العراق بعد فترة طويلة من "اغتيالهما" على يد الولايات المتحدة خارج مطار بغداد مطلع يناير/كانون الثاني 2020. وغالبا ما يُصوَّر الرجلان وهما يتعانقان أو يمسكان بأيدي بعضهما البعض.

وبعد ثلاث سنوات، وخاصة في ضوء الحرب الإسرائيلية المستمرة في غزة، تراقب الولايات المتحدة وإسرائيل كلّا من حركة "النجباء" و"حزب الله" بحذر.

أميركا تراقب اتساع الفجوة في "المقاومة"

استمرت الهجمات بالصواريخ والقذائف والطائرات المسيرة على منشآت في العراق وسوريا منذ أوائل ديسمبر/كانون الأول، وسط رد فعل ضئيل حتى الآن من الولايات المتحدة، التي تستهدف الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران قواتها.

وفي ساعات الصباح الباكر من يوم 8 ديسمبر/كانون الأول الحالي، نُفّذ هجوم آخر على السفارة الأميركية في بغداد.

لم يكن قتل الولايات المتحدة لبعض المسلحين العراقيين المرتبطين بإيران في الأراضي العراقية في الأسابيع الأخيرة بمثابة "رادع" كاف لإيران بالنسبة لكثير من معارضي الإدارة الأميركية الحالية

لم يكن قتل الولايات المتحدة لبعض المسلحين العراقيين المرتبطين بإيران في الأراضي العراقية في الأسابيع الأخيرة بمثابة "رادع" كاف لإيران بالنسبة لكثير من معارضي الإدارة الأميركية الحالية.
وفي الوقت نفسه، أدت ردود الفعل الصامتة إلى حد كبير داخل العراق على عمليات القتل- بما في ذلك خمسة من مقاتلي "النجباء" العراقيين في محافظة كركوك يوم 3 ديسمبر إلى تفاقم الانقسام بين فصائل "محور المقاومة" التي تقودها إيران.


عدم الثقة وقضية المطالب


وفي داخل العراق، يعبّر كل من السنة والشيعة عن عدم ثقتهم بالولايات المتحدة. وكان شيخ من عشائر الدليم في مدينة الفلوجة غربي الأنبار صرح لـ"المجلة" في مقابلة أجريت معه أوائل ديسمبر: "إذا أرادت أميركا طرد إيران من العراق، فيمكنها فعل ذلك خلال 24 ساعة. إنها لا تريد ذلك. إنهما يعملان معا".
إن فكرة تعاون الولايات المتحدة وإيران "لإبقاء العراق في حالة من الفوضى" كثيرا ما يتم التصريح عنها في المناطق ذات الأغلبية السنية في البلاد؛ بينما يعد استمرار الوجود الأميركي في البلاد هو السبيل الوحيد للاحتفاظ بنوع من التوازن أيضا.
"وما دامت إيران تسيطر على الكثير من الساحات في العراق، فنحن بحاجة إلى الولايات المتحدة. ويجب على هذه الدولة أن لا تغادر إلا بعد تمكنها من إخراج الإيرانيين". هكذا قال الشيخ، دون أن يوضح كيفية حصول ذلك.
وعلى العكس من ذلك، ظلت الفصائل الشيعية السياسية والمسلحة المرتبطة بإيران تحث منذ عقود على الانسحاب "الفوري" للقوات الأميركية، التي بقيت حاليا بصفة مستشارين ومدربين عسكريين في البلاد فقط.

فكرة تعاون الولايات المتحدة وإيران "لإبقاء العراق في حالة من الفوضى" كثيرا ما يتم التصريح عنها في المناطق ذات الأغلبية السنية في البلاد.

ومنذ 17 أكتوبر/تشرين الأول إلى 8 ديسمبر/كانون الأول، تعرضت "الولايات المتحدة وقوات التحالف للهجوم 84 مرة على الأقل حتى الآن. كان 41 هجوما منفصلا في العراق، و43 هجوما في سوريا، عبر استخدام الطائرات الهجومية المسيرة والصواريخ الباليستية قريبة المدى".
وفيما تُشير مصادر أخرى، من وسائل الإعلام وغيرها، إلى أرقام أعلى من ذلك، ربما أكثر من 100 هجوم، فإن المشتبه بالتنفيذ هو هذه الفصائل المرتبطة بإيران دوما. 

Shelly Kittleson
مناصرو لحركة "النجباء" في بغداد في 4 ينانير 2020


وهذا ما قاله كثير من المسؤولين الأميركيين، بأنهم يعتبرون أن إيران هي من تقف، بطريقة ما، وراء الهجمات، حتى لو لم تكن هي من تنفذها بالضرورة. هذا فيما ادعى مبعوث إيران لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إرافاني، في وقت سابق من هذا الشهر أن إيران لم تشارك في أي من الأعمال أو الهجمات ضد الولايات المتحدة.


إطلاق صواريخ على السفارة الأميركية


في صباح يوم 8 ديسمبر/كانون الأول، قال مسؤول عسكري أميركي، فضل عدم الكشف عن هويته، إنه "تم إطلاق هجوم متعدد الصواريخ على القوات الأميركية وقوات التحالف في محيط الاتحاد الثالث ومجمع سفارة بغداد. لم يبلغ عن وقوع إصابات أو أضرار في البنية التحتية".
 

رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أكد أن "استهداف البعثات الدبلوماسية أمر غير مبرر وغير مقبول تحت أي ظرف من الظروف، بغض النظر عن الادعاءات أو الأوهام التي تقف وراء مثل هذه الأعمال المشينة"

ويأتي الهجوم بعد أقل من 24 ساعة من تشييع جنازة أحد مقاتلي "كتائب حزب الله" في اليوم السابق، والذي أصيب في هجوم أميركي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، وأدى إلى مقتل عدة أشخاص آخرين في محافظة بابل جنوب بغداد. و"كتائب حزب الله" هي فصيل عراقي مسلح آخر يشكل جزءا من "محور المقاومة" الذي تقوده إيران.

وذكر بيان رسمي أن "القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أصدر تعليماته للقادة الأمنيين في مختلف الأجهزة بالقبض على المسؤولين عن الهجوم الصاروخي الذي استهدف السفارة الأميركية في العراق ومحاكمتهم". وأضاف البيان أن السوداني "أكد أن استهداف البعثات الدبلوماسية أمر غير مبرر وغير مقبول تحت أي ظرف من الظروف، بغض النظر عن الادعاءات أو الأوهام التي تقف وراء مثل هذه الأعمال المشينة".

ونُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور لما يُزعم أنها الصواريخ المستخدمة في الهجوم، تظهر سيقان وأيدي رجال بزي عسكري يرتدون قفازات زرقاء وأحذية لامعة مصقولة جيدا، بينما يعرضون الذخائر أمام الكاميرا. وكانت الخلفية من ألوان زهور وردية وأرجوانية عبارة عن حديقة في شارع أبو نواس ببغداد.

ويقع شارع وحديقة أبو نواس على الجهة المقابلة من نهر دجلة من المنطقة الخضراء، على مقربة من السفارة الفرنسية والمركز الثقافي بالقرب من الطريق على الجانب نفسه.

أصول "النجباء" والقتال في سوريا


وفي موكب جنازة مقاتلي "النجباء" في الرابع من ديسمبر، احتضن رجال يعتمرون عمائم وآخرون يرتدون قبعات بيسبول بعضهم البعض، وهم ينتحبون ويقبلون صور الرجال الخمسة الذين قتلوا، وهي موضوعة على جوانب سيارات نقل الموتى.
وفي حديثه لـ"المجلة،" نفى أحد أفراد قوات الأمن المحلية القريبة من منطقة الدبس في محافظة كركوك العراقية، حيث قُتل المقاتلون، أن يكون الموقع المستهدف قاعدة فعلية لوحدات الحشد الشعبي الرسمية في البلاد.

تشكلت حركة "النجباء" عام 2013 للقتال عبر الحدود ضد المعارضة المسلحة لحكومة بشار الأسد في سوريا

ومنذ فترة طويلة يعتبر فصيل "النجباء"، الفصيل العراقي المرتبط بإيران، والذي استهدف مقاتلوه في الضربة الأميركية "للدفاع عن النفس" في كركوك في 3 ديسمبر/كانون الأول، يعتبر أحد أكثر الفصائل تشددا داخل "المقاومة" التي تقودها إيران؛ ففي عام 2015 ذكر قائده بأنه سيتبع تعليمات المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي حتى لو أمر بالإطاحة بالحكومة العراقية.
وتشكلت حركة "النجباء" عام 2013 للقتال عبر الحدود ضد المعارضة المسلحة لحكومة بشار الأسد في سوريا، وأدت دورا رئيسا في استعادة أجزاء كبيرة من العاصمة الصناعية السورية حلب، بالإضافة إلى مناطق أخرى في البلاد، كانت تحت سيطرة جماعات المعارضة المسلحة المحلية.

AFP
مقاتلون من "النجباء" اثناء جنازة خمسة من نظرائهم في 4 ديسمبر قتلوا في ضربة اميركية قرب كركوك

وكان قائد حركة النجباء، الكعبي، منخرطا، منذ فترة طويلة، في "المقاومة" ضد الغرب لكن شهرته اتسعت بعد تشكيله حركة "النجباء" إثر "خلافات" مع قائد فصيل "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي.
وكشف أعضاء عراقيون من فصيل "النجباء" الذين تحدثت كاتبة المقال معهم في موكب جنازة ومظاهرة في بغداد، في الأيام التي تلت تصفية الولايات المتحدة للمهندس وسليماني في يناير/كانون الثاني 2020، عن أنهم ذهبوا مع الجماعة العراقية المسلحة للقتال في سوريا كمراهقين.
وقالوا إنهم يشعرون بالفخر لكونهم قاتلوا إلى جانب "الحاج قاسم" هناك، لكنهم يتلقون الآن رواتب من الحكومة العراقية كجزء من وحدات الحشد الشعبي.
و"النجباء"، على وجه الخصوص، هو فصيل "المقاومة" العراقي المرتبط بإيران، الذي أعلن مسؤوليته عن هجوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني على ميناء إيلات الإسرائيلي. حينها زعم الجيش الإسرائيلي، بعد الهجوم، أن "منظمة في سوريا" أطلقت الطائرة المسيرة التي أصابت مدرسة في مدينة إيلات جنوبي إسرائيل.
ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية (إيرنا) عن زعيم ومؤسس حركة "النجباء" الشيخ أكرم الكعبي قوله إن "قوات المجاهد العلوي الباسلة في المقاومة الإسلامية في العراق نجحت، بفضل الله، في استهداف ميناء إيلات في فلسطين المحتلة، وفشل عملاء الصهاينة المجرمون في اعتراضها".
وأشار الكعبي بشكل مباشر إلى "الكيان الصهيوني" والولايات المتحدة، متعهدا بإلحاق المزيد من الضرر بهما.


"النجباء" في وضع جيد لقيادة "المقاومة"؟

بناء على ما جاء في تحليل تامر البدوي الذي نُشر في يناير/كانون الثاني 2020، صرّح "مستشار كبير في إحدى وسائل الإعلام المرتبطة بـ"محور المقاومة" لموقع "المونيتور"، أن ميليشيا "كتائب حزب الله" التابعة للمهندس كانت بمثابة وسيط رئيس بين الفصائل العراقية"، لكن حركة "النجباء" هي "من يؤدي هذا الدور في الآونة الأخيرة".

في مارس/آذار 2019، صنفت وزارة الخارجية الأميركية كلا من "النجباء" والكعبي ضمن قائمة "الارهابيين العالميين"

ومضى بدوي في سرد خمس "مزايا نسبية" تتمتع بها حركة "النجباء" وزعيمها الكعبي، مما مكّنها من العمل "كميسر ووسيط بين الفصائل"؛ فالفصيل "يرفض الانخراط" في السياسة، وهو "كيان متوسط الحجم يتمتع بقوة مسلحة قوية ولكنه ليس قوة مهيمنة تجعله منافسا للتجمعات المسلحة الكبرى" في وحدات الحشد الشعبي الرسمية في العراق. وينتمي الكعبي إلى قبيلة ذات نفوذ في جنوب العراق؛ وكان تلميذا لوالد رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، كما أنه "يتمتع بعلاقات قوية ومباشرة مع المستويات العليا في جمهورية إيران الإسلامية".
وفي عام 2008، عاقبت وزارة الخزانة الأميركية الكعبي "بموجب الأمر التنفيذي رقم 13438 لتخطيط وتنفيذ هجمات متعددة ضد قوات التحالف، بما في ذلك إطلاق قذائف الهاون والصواريخ على المنطقة الدولية".
وفي مارس/آذار 2019، صنفت وزارة الخارجية الأميركية كلا من "النجباء" والكعبي ضمن قائمة الارهابيين العالميين، وفقا لبيان الوزارة على موقعها الإلكتروني.


مطالبات تدعو الولايات المتحدة إلى "بذل المزيد"


وفي هذه الأثناء، تتصاعد الضغوط في الولايات المتحدة لاتخاذ إجراءات أكثر حسما ضد إيران، بما في ذلك داخل قاعات الكونغرس.
ويُشير كثير من المراقبين عن كثب لشؤون العراق، إلى أن الولايات المتحدة كانت مترددة للغاية في الرد على وابل الهجمات المستمرة، ولكن غير الفعالة إلى حد كبير، التي نفذتها الفصائل المرتبطة بإيران في الأسابيع الأخيرة، والتي أسفرت عن إصابات قليلة نسبيا في صفوف القوات الأميركية وأضرار طفيفة في المنشآت.
وكانت هناك أيضا دعوات متعددة لسحب جميع القوات الأميركية من الشرق الأوسط، لكن هذه الدعوة لم تلق موافقة الكونغرس.
وفي 7 نوفمبر/تشرين الثاني، صوت مجلس الشيوخ الأميركي ضد مشروع قانون بأغلبية 84 صوتا رافضا مقابل 13 صوتا مؤيدا، وكان من شأنه أن يلزم الرئيس الأميركي جو بايدن بسحب ما يقرب من 900 جندي متمركزين في سوريا.

font change

مقالات ذات صلة