خليفة الوقيان: للجماعات الأصولية دور كبير في تدمير البنية الثقافية الكويتية

التحدّي الأكبر جاء مع ما سمي بـ"الصحوة الإسلامية"

 Barry Falls
Barry Falls

خليفة الوقيان: للجماعات الأصولية دور كبير في تدمير البنية الثقافية الكويتية

يعدّ الناقد والشاعر الكويتي د. خليفة الوقيان واحدا من الرموز الإبداعية في الكويت والعالم العربي، فالوقيان المولود عام 1941 ساهم في تأسيس عدد من الصروح الثقافية والفكرية مثل "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب" وشغل فيه منصب الأمين العام ومن ثم مستشارا، كما شغل منصب الأمين العام في رابطة الأدباء من 1988 إلى 1990. ومثل الكويت في اجتماعات وكلاء وزارات الثقافة. وشغل أيضا عضوية الكثير من الجهات النشرية المهمة من بينها عضو اللجنة التحضيرية للموسوعة العربية - جامعة الدول العربية. ونائب المشرف العام لسلسلة كتب "عالم المعرفة".

أصدر د. الوقيان العديد من المؤلفات في مجالات مختلفة من بينها مجموعات شعرية مثل "المبحرون مع الرياح" و"حصاد الريح" وكتب نقدية مثل "القضية العربية في الشعر الكويتي" و"شعر البحتري، دراسة فنية". هنا حوار معه.

  • كيف تنظر إلى الحراك الثقافي في الكويت بعد عقود من العمل الثقافي والإبداعي فيه؟

الحراك الثقافي مستمر، ولكن هناك تراجع لفكر الاستنارة، أو الإصلاح على أقل تقدير، وتقدم لفكر الغلو الديني، والانغلاق والسير خلاف منطق العصر. في مطلع القرن العشرين كان الكويتيون مواكبين لاتجاهات الإصلاح الديني، ومتأثرين بقادة الإصلاح مثل محمد عبده، وقد شهدت تلك المرحلة صراعا حادا بين غالبية مستنيرة وأقلية متشدّدة، وانتهت تلك المعركة بانحسار الاتجاه المتشدّد وانتصار فكر الانفتاح والتطور، وقد وثّق الشعر الكويتي تلك المعركة.

في منتصف القرن العشرين كانت الكويت تستضيف صفوة المفكرين العرب الممثلين للاتجاهات الفكرية كافة من خلال ما يسمّى بالموسم الثقافي، كما كانت مؤسسات المجتمع المدني تقوم بدور إصلاحي وتنويري منذ عشرينات القرن العشرين، مثل المكتبة الأهلية 1922، النادي الأدبي 1924، نادي كلية الشباب الوطني 1938، وصولا إلى المؤسسات الأخرى التي قامت في منتصف القرن العشرين مثل نادي المعلمين 1951، النادي الأهلي 1951، النادي الثقافي القومي 1952، نادي المتخرجين 1954.

هناك تراجع لفكر الاستنارة، أو الإصلاح على أقل تقدير، وتقدم لفكر الغلو الديني، والانغلاق والسير خلاف منطق العصر

  • لم يسر هذا الحراك بطريقة تصاعدية، فما طبيعة التحديات التي واجهته؟

 سار هذا الحراك بخط تصاعدي حتى منتصف خمسينات القرن الماضي، حين استقبلت الكويت ودول خليجية أخرى الكثير من ممثلي القوى الأصولية المتشدّدة الذين حرصوا على التغلغل في المؤسسة التعليمية، وهي أخطر المؤسسات المؤثرة في صياغة الاتجاهات الفكرية لدى النشء. وكان لهذه الجماعات الأصولية دور كبير في تدمير البنية الثقافية الكويتية القائمة على الانفتاح على الآخر، والأخذ بأسباب التطور والإيمان بالتعايش بين مكوّنات المجتمع.

أما التحدّي الأكبر فقد جاء مع ما سمي بـ"الصحوة الإسلامية" إذ وجدت تيارات الغلو في الكويت منبرا مهما للإعلام وخزينة ثرية للتمويل في ظل غيبوبة تامة لمؤسسات الدولة في مواجهة تلك التيارات، إن لم نقل إن بعض المؤسسات الرسمية أصبحت حاضنة لها.

ثقافة نشطة

  • ساهمت في تأسيس "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب"، كما انضممت إلى رابطة الأدباء في الكويت، بعد تأسيسها بسنتين، ما أكثر شيء عملت على تحقيقه من خلالهما؟

أعتقد أن الجيل الذي أنتمي إليه كان متأثرا بالفكر العروبي التقدّمي لذلك كان نشاطنا من خلال الموسم الثقافي في الرابطة، ومن خلال مجلة "البيان" يسير في اتجاه تجديد ثقافة مواكبة العصر والبعد عن الغلو والتفكير في مستقبل الأمة.

أما في "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب" فأحسب أنه قام بدور وزارة ثقافة نشطة ومؤثرة على المستوى العربي؛ ندوات فكرية ثرية، مطبوعات مهمة لها شهرتها، مثل سلسلة كتب "عالم المعرفة" الشهرية، التي يُطبع منها خمسون ألف نسخة توزع دون مرتجعات وتُباع بسعر رمزي زهيد، وهي إما مؤلفة أو مترجمة، وكذلك مجلة "الثقافة العالمية" التي تتيح لمن لا يجيد القراءة باللغات الأجنبية الاطلاع على أحدث ما يصدر في الدوريات الأجنبية، وسلسلة كتب التراث العربي التي تُعنى بنشر التراث العلمي العربي الإسلامي.

للمجلس اهتمامات وإنجازات عديدة يطول الحديث عنها وتتعلق بتشجيع المؤلف المحلي، ومنحه إجازات التفرغ والجوائز التشجيعية والتقديرية والاهتمام بالمسرح والفنون التشكيلية والفنون الموسيقية وغير ذلك.

هناك إصدارات هزيلة ما كان ينبغي لها أن تصدر، بل إن بعض دور النشر التجارية أصبحت تستثمر أسماء مشاهير الميديا وغيرهم من طالبي الشهرة

  • ما الهاجس الدائم الذي يحركك لكتابة الشعر؟

 أحسب أن مرحلة اكتشاف الذات لدى الإنسان تدفعه –دون شعور منه- أو إرادة، إلى السعي للتعبير عن مكنونات نفسه، وأحلامه وأوجاعه. من خلال شكل من أشكال الإبداع: شعر، رواية، تشكيل، موسيقى... وفي ما يتعلق بي كان الشعر هو الجنس الأدبي الذي اتجهت إليه دون إرادة مني للتعبير عما يختلج في النفس من أحلام وهموم.

التزام

  • إلى أي مدى انعكس التزامك الإنساني في طرحك الكثير من القضايا عبر قصائدك التي حضر فيها الهم العربي، أو القضايا الإنسانية العميقة؟

- هل هناك مشكلة في توصيل رسالة المبدع، خاصة الشاعر، دون إخلال بشروط الشعرية؟

أنا إنسان ملتزم قضايا أمتي العربية من جهة، وكل ما يتعلق بالإنسان ومعاناته من جهة أخرى، والشعر له شروطه وجمالياته التي لا ينبغي تجاوزها.

كيف تأتي بمضمون فكري ضمن إطار فني جيد، تلك هي المعادلة الصعبة التي سعيت الى تجاوزها. أعتقد أن المبدع بصفة عامة، الشاعر، الروائي، المسرحي، والتشكيلي، مطالب بأن يكون له رأي في التصدي للباطل والدفاع عن الحق. أما التخلي عن المسؤولية، واللعب على خيال اللغة فذلك أمر يسير، والشاعر الذي يمتلك الثقة بالنفس لا يلتفت إلى ما يقوله من لا يملكون شجاعة الرأي والقدرة على تحمل تلك الشجاعة.

وكنت قد عبرت عن تلك المشكلة في مقدمة ديواني الثاني، "تحولات الأزمنة"، الصادر عام 1983 إذ قلت إن الأزمنة الحالية تتسم بشيوع الاضطراب في المقاييس النقدية، ولعل من المحزن حقا أن ذلك الاضطراب هو الذي يحكم تقويم التجارب الفنية، ويقود من ثم إلى ممارسة قدر من الإرهاب أو الابتزاز الفني. وبالنظر إلى سطوة النقد الصحافي خاصة يلجأ كثير من المبدعين إلى تطويع تجاربهم الفنية لتتفق مع كل صرعة تحظى بالمباركة، الأمر الذي يقود إلى تطابق الأنماط، وسد منافذ التنوع والخصوصية، ولذلك أصبحنا نقرأ تجارب مكرورة يقل فيها الجيد أو المُبتدع، ويكثر فيها الرديء أو المسخ، وأمست القصيدة تُغني عن المجموعة الشعرية، والمجموعة الشعرية تُغني عن المجموعات...

رؤية نقدية

  • أصدرت ديوان "أوشال" شعر أحمد مشاري العدواني، جمع وقراءة واختيار، بالاشتراك مع د. سالم عباس، وأحمد السقاف -حياته ومختارات، فما الذي أردت تقديمه الى القارئ؟

 تعاونت مع زميلي د.عباس في جمع ديوانين للشاعر الكويتي الكبير أحمد العوداني، الذي تعانق تجربته الشعرية كبار الشعراء العرب، ولكن لا يهتم بإعلان نفسه أو جمع أشعاره ونشرها. وكان ديوانه الأول "أجنحة العاصفة" قد صدر بجهود زميلين هما خالد سعود الزيد، رحمه الله، والدكتور سليمان الشطي، وصدر ذلك الديوان في حياته. أما الديوانان الآخران، "أوشال" و"صور وسوانح"، فقد نشرناهما د. سالم وأنا بعد وفاته. ومن المؤكد أن نشر المجموعات الشعرية لمشاهير الشعراء أمر بالغ الأهمية.  

  • أصدرت أيضا كتاب "الثقافة في الكويت - بواكير واتجاهات"، فما الذي وثقته في هذا الإصدار؟ 

يوثق الكتاب الحركة الثقافية في الكويت منذ قيام أحد العلماء الكويتيين بنسخ مخطوطة فقهية عام 1682 إلى مشارف استقلال الكويت عام 1961. والكتاب يتناول عوامل الاهتمام المبكر بالثقافة، ومظاهر ذلك الاهتمام، وجهود النساخ الأوائل، والمطبوعات المبكرة، وتاريخ الصحافة الكويتية، ومؤسسات المجتمع المدني الثقافية منذ العام 1913. والاتجاهات الفكرية في الكويت منذ النشأة، والريادات في مجالات الإبداع كافة. صدرت ست طبعات لهذا الكتاب، وأرجو أن تتسع الصحة والطاقة لإنجاز طبعة سابعة تتضمن مزيدا من الإضافات.

  • تكثر الإصدارات العربية أكثر من أي عصر مضى، بحسب وجهة نظرك هل يعكس هذا حالة إبداعية أم محاولة لإثبات موهبة متواضعة؟

 السببان معا، فثمة إصدارات جيدة لمبدعين حقيقيين لهم قيمتهم، وفي المقابل هناك إصدارات هزيلة، ما كان ينبغي لها أن تصدر، ولكن وسائل النشر متاحة حاليا أكثر من ذي قبل بل إن بعض دور النشر التجارية أصبحت تستثمر أسماء مشاهير الميديا وغيرهم من طالبي الشهرة، وتكتب لهم بعض التفاهات، ثم تضع أسماءهم عليها، فتقبل عليها نوعية معينة من القُراء. ويضاف إلى ذلك ازدياد أعداد من أصبحوا يكتبون باللهجة العامية بسبب تدهور التعليم، ومن ثم عدم قدرتهم على الكتابة بالفصحى.

كثير من الشعراء المعروفين أسرفوا في التجريب والتعمية ففقدوا بذلك القاعدة الواسعة من المتلقين وأصبحت تجاربهم نخبوية

الرواية والشعر

  • معظم الإصدارات الأدبية يتجه إلى الرواية، هل يحزنك هذا كشاعر؟

لا تحزنني كثرة من يكتبون الرواية، إن كانوا حقا من الروائيين المبدعين، وتنوع تجاربهم إثراء للحركة الثقافية. وأحسب أن أحد أسباب اندفاع الكتاب نحو الرواية انصراف القُراء عن الشعر، الذي فقد أهم أركانه وأعني بذلك الموسيقى، فالتجارب الشعرية الحديثة تميل نحو قصيدة النثر، وقصيدة النثر ليس لها ضوابط مثل الشعر العمودي وشعر التفعيلة، الأمر الذي شجع غير المؤهلين لكتابة الشعر، فجاءت تجاربهم سيئة ومسيئة لفن الشعر. السبب الثاني هو أن كثيرا من الشعراء المعروفين أسرفوا في التجريب والتعمية ففقدوا بذلك القاعدة الواسعة من المتلقين وأصبحت تجاربهم نخبوية. السبب الثالث هو أن الشعر الحقيقي لا يتأتى لكل أحد، إذ ليس في إمكان من لا يملك الموهبة أن يصبح شاعرا.

خليفة الوقيان

  • ماذا تقرأ في هذه الفترة؟

أقرأ في مجال الدراسات المتعلقة بمراجعات الإسلاميين، ونقد الذات، وتقويم ما سُمي بـ"الصحوة الإسلامية"، وقد سررت بشيوع هذه الظاهرة الصحية، خلافا لما كانت عليه الحال قبل بضعة عقود إذ كان كثير من الإسلاميين ينظرون إلى اجتهاداتهم واجتهادات فقهائهم البشرية على أنها من المقدّسات التي لا تقبل الرد. إن كل القوى الفكرية العربية بحاجة إلى تشريح تجاربها، للتعرف إلى مواطن الخلل.

  • ما الذي تعمل عليه حاليا؟

 نشرت ديوانا لشاعر كويتي مهم، هو الشاعر عبدالله الجوعان، وأنشر ديوان شعر يضم مجموعاتي الشعرية الخمس التي أصدرتها من قبل، فضلا عن إصدار طبعة جديدة لكتاب الثقافة في الكويت.

font change

مقالات ذات صلة