محمد خضر: أنقلب على نفسي للوصول إلى قصيدة تشبهني

الشعر العربي فضاء متّصل بمختلف أشكاله

Barry Falls
Barry Falls

محمد خضر: أنقلب على نفسي للوصول إلى قصيدة تشبهني

يركّز الشاعر والروائي السعودي محمد خضر على التقاط التفاصيل الصغيرة، ليبرهن أن الوجود مليء بالشعر، ولا يحتاج منا سوى إمعان النظر بالأشكال وما خلفها أحيانا، وتتجلّى هذه الرؤية العميقة في مجموعاته الشعرية المتعددة، ومنها "مؤقتا تحت غيمة" و"أقل من الضياع" و"المشي بنصف سعادة" و"تماما كما كنت أظن" و"تحميض"، وكان آخرها "سيرة ذاتية لغيمة".

كتب خضر الذي حصل على جائزة توليولا الإيطالية العالمية عام 2022. عن مجموعته "فراغ في طابور طويل". الرواية أيضا فأصدر "السماء ليست في كل مكان" التي قادته إلى مساحات وآفاق جديدة في عالم الكتابة.

  • منذ بداياتك، بحثت في الشعر عن معنى مختلف يلامس الإنسان، كيف ترجمت هذا البحث في قصائدك؟

لا بدّ من أن يحمل الشاعر رؤيته وفلسفته الخاصة عن الشعر، أن يمضي نحو علاقته باللغة حتى يصل إلى شكله وتصوره الخاصين، وهذا ما يجعل قصيدته إضافة حقيقية في كل مرة، إضافة تجعلنا نغير حتى فكرتنا الرتيبة عن الشعر، نعود وقد خاننا التوقع في ما سنقرأ، وقد قادتنا القصيدة إلى تلك الفتنة في علاقتنا بالأشياء من حولنا.

 وجدت في قصيدة النثر المتحررة أفقا أوسع وأقرب في شكلها من حياتنا ويومياتنا وزمننا، قصيدة التفاصيل والمعيش، التي يمكن مصادفتها في كل مكان، والتي قادتني لاكتشاف مدى امتلاء وجودنا بالشعر

البحث عن أسئلة

  • حرصت في قصائدك على ألا تكرّر عوالم الماضي، فما الأسس التي تستند عليها في كل جديد شعري؟

أكثر ما يجعل الشاعر في أزمة هو أنه يظل مشدودا وقادما من الذاكرة الشعرية، من الإرث الشعري الكبير دون أن يضيف إليه، دون أن يأخذ النص إلى حياته اليوم، بكل ما فيها من مفردات وحيوات وتفاصيل جديدة، بل يظل رهينا لما أسميه النموذج أو الدرس الشعري ودون أن ينتبه إلى أن ذلك لا يقدّم شعرا يشبهه ويشبه حياته في نهاية الأمر.

كان الشاعر القديم يستخدم مفردات زمنه، وفي قصيدته تتجلى قضاياه وإشكالاته ويومياته وأحلامه وتلك الفضاءات التي لم يعد عالمنا بأسئلته الجديدة يحتملها ولا يحتفي بها، عالمنا الإلكتروني والتقني، وعالم الانفجار المعلوماتي والسيبراني إلى آخر مظاهر حياتنا الجديدة.

  • لماذا اخترت قصيدة النثر على وجه التحديد؟

وجدت في قصيدة النثر المتحررة أفقا أوسع وأقرب في شكلها من حياتنا ويومياتنا وزمننا، قصيدة التفاصيل والمعيش، التي يمكن مصادفتها في كل مكان، والتي قادتني لاكتشاف مدى امتلاء وجودنا بالشعر، من أصغر الأشياء حولنا، إلى ما لا نهاية، وفي تجربتي كنت في قلق دائم لمحاولة الوصول إلى قصيدة تشبهني ذات بصمة واضحة ومختلفة، حتى بين تجربة وأخرى لي، أحاول أن أنقلب على نفسي في كل مرة من خلال البحث عن أسئلة جديدة. 

  • أصدرت "30 حاسة جديدة - مختارات قصيدة النثر السعودية" كيف قمت بعملية الاختيار؟

ضم الكتاب مجموعة مختارة من القصائد التي اخترتها من ضمن مشروع قصيدة النثر على "فيسبوك"، لذا لم تشمل المختارات كثيرا من التجارب المهمة أيضا، بل جمعت بعض التجارب في هذه القصيدة الجديدة منذ جيل السبعينات والثمانينات وحتى السنوات العشر الأخيرة.

  • هل تعتقد أن لتجربة قصيدة النثر السعودية خصوصية معينة؟

 لحظة العالم الشعرية متشابهة اليوم، بفضل هذه القرية الكونية التي نعيش بين أزقتها الإلكترونية. قد تتشابه مع شاعر صيني أو برازيلي وتتقاطع معه في الموقف من حدث أو شعور ما، فهي لحظة كونية واحدة، وهموم مشتركة تسود العالم في لحظة إلكترونية وتقنية واحدة، وأحيانا في أزمة صحية كما حدث خلال أزمة كوفيد19. لذا أجد أن البحث عن قصيدة سعودية أو مغربية أو مصرية، لم يعد مما يشغل الشعر على الأقل في وقتنا الراهن.  

مساحات مختلفة

  • أسست قبل سنوات ملتقى "مدد" على الإنترنت، فهل اعتبرته بديلا عن المنتدى الأدبي والثقافي؟

تجربة ملتقى "مدد" تجربة ثرية وممتعة ومن خلالها وبرفقة أصدقاء الإبداع تفتحت نوافذ فسيحة على المعرفة والجديد في عالم الإبداع طيلة ما يقارب عقدا من الزمن، هذا امتداد خلق تراكما مبهرا وأفكارا جديدة على الدوام، أولا بوجوده ضمن قالب جديد ومع مبدعين يعون تلك اللحظة الإلكترونية الفارقة، وثانيا لأنه كان مشروعا للجميع، وهذا حقق في ما بعد انطلاق ملتقى مدد على أرض الواقع، ولا أنسى أن وجوده وغيره من الملتقيات على الإنترنت، احترم رغبة المبدع وسقفه العالي في ظل عدم وجود ذلك في قنوات الإبداع الأخرى.

ألغت المنتديات الأدبية بشكل عام فكرة المركز والأطراف في الثقافة والإبداع، وبالتالي ألغت فرضية التأثر بآداب الآخرين مثلما كانت مطروحة في أزمنة ما قبل المنتديات، فضلا عن كون المنتديات الأدبية السعودية كانت الأكثر شهرة واستمرارية، كان المنتدى يقوم على انضمام عدد من الأعضاء الراغبين في الكتابة الأدبية أو التفاعل النقدي أو القراءة، وغالبا ما كان الأعضاء من البلدان العربية كافة، وصولا إلى أوروبا وآسيا. ولعل فكرة "مدد" تعود في شكل آخر يوما ما.  

ظل الشعر العربي مؤثرا في وجدان المثقف والشاعر السعودي بما يحمله من قيم وأمكنة وتعبيرات، وذلك الامتداد لم يمنعه من تجديد القصيدة وتحديثها وتنويع أشكالها

  •  بعد العديد من المجموعات الشعرية أصدرت روايتك الأولى والوحيدة "السماء ليست في كل مكان" ما الذي دفعك إلى خوض تجربة الرواية؟

دائما ما كنت أتساءل هل الأدب مجموعة من التقاليد التي ينبغي أن نسير ونحن نتمسّك بها، أم هو أن نبتكر شكلنا وطريقتنا الخاصة في التعبير عن أفكارنا وفلسفتنا في الحياة. تجربة كتابة الرواية أخذتني نحو مساحات جديدة وهامش مختلف عن الكتابة الشعرية، والحقيقة أن ما دفعني إلى كتابتها إلحاح ذلك النص واختماره في داخلي منذ وقت طويل.

  • هل ترى بأنك ستكون متنقلا بين الرواية والشعر؟

سعدت بهذه التجربة وبما حققته من انتشار. لدي عمل روائي جديد لكن قبل ذلك لا أعرف لماذا ينتظر القارئ بشكل حتمي رواية أخرى، وكأنه يسجن هذا الكاتب في مسار يحدّده.

  • هل أفدت من التجربة الشعرية في كتابة الرواية؟   

حرصت أن تكتب هذه الرواية بعيدا عن لغة الشعر ونجحت في ذلك غالبا، لكن يبدو أن علاقتي طيلة تجربتي الشعرية مع العبارة المقتصدة والمختزلة والمكثفة وروح الشاعر تركت أثرها على الرواية، مع ذلك لا أصنفها رواية شعرية سوى في تفاصيلها التي تتطلب أحيانا اللغة الشعرية، تلك الموازية لقصة الرواية في عذابات شخوصها، وفي أحد أبطالها مثل شجرة العشرة والأصوات العديدة في الرواية وتفاصيل المكان.  

  • ما رأيك بتسمية وزارة الثقافة السعودية العام 2023 بـ "عام الشعر العربي" وكيف تنعكس هذه التسمية على أرض الواقع؟

أحببت هذه الفكرة العظيمة، فكرة تسمية الأعوام التي أطلقتها وزارة الثقافة السعودية. وأحببت أكثر أن تبدأ بالشعر، فكرة تثري المشهد الثقافي، وترفع من شأن القيم المعرفية المتصلة بالجانب الفكري والعاطفي والروحي، خاصة أن الثقافة السعودية ذات تنوع وثراء في كل المجالات، ولذلك لدينا الكثير من التسميات المنتظرة، لأن موقع البلاد الجغرافي وتاريخها العريق مُترَعٌ بما يعزز هذا التوجه، فها نحن نحتفي بعام الشعر العربي، وأمامنا مظاهر ومسميات سنجد جذورها في ثقافتنا كالأزياء، والفنون الأدائية، والفن التشكيلي، والقصة، والموسيقى والعمارة. 

وقد ظل الشعر العربي مؤثرا في وجدان المثقف والشاعر السعودي بما يحمله الشعر القديم من قيم وأمكنة وتعبيرات، وقد قرأت لشعراء معاصرين لقّبوا أنفسهم بأسماء شعراء قدماء عاشوا في المكان، مثل الشنفرى، وذلك الامتداد لم يمنعه من تجديد القصيدة وتحديثها وتنويع أشكالها، فظهرت الأشكال الجديدة للشعر في التفعيلة وقصيدة النثر، وبقي الشعر متعلقا بالإرث الشعري الهائل ليمنحه حياة جديدة مرتبطة بالواقع والمتغير الذي يعبر عن إنسانه وثقافته.

جاء عام الشعر العربي ليعزز حضور الشعر في الوجدان العربي ويدعم الحالة الشعرية العربية من خلال ما نشهده منذ بداية العام من فعاليات وأمسيات ومبادرات مدهشة.  

font change

مقالات ذات صلة