حروب اليوم تهدد طرق الملاحة التاريخية

من بحر الصين الى باب المندب

Michelle Thompson
Michelle Thompson

حروب اليوم تهدد طرق الملاحة التاريخية

يلاحظ السائر على شاطئ أي مدينة ساحلية حركة المراكب والسفن التي تتجه إلى مرفئها او التي تغادره. اتساع المرفأ او ضيقه يحدد نوع الحركة البحرية وحجمها؛ من الناقلات التجارية الكبرى المحملة النفط أو المستوعبات الحديد الى سفن الشحن ذات الشكل الهندسي المقفل التي تنقل في العادة السيارات أو السفن العاملة في نقل الحبوب والمواشي والسلع الزراعية الأخرى وأصناف من البضائع التي يحول حجمها دون ايوائها في المستوعبات. وبعدما حلّت الطائرات مكان السفن كأهم وسائل النقل البشري باتت علاقة الركّاب بالبحر تتركز في العقود الأخيرة على المجالين السياحي والترفيهي إضافة الى الرياضات المائية.

وقد تكون هذه الأخيرة هي الأقرب نسباً الى الأسلوب الذي باشر الإنسان به استكشافه ميزات التنقل البحري: السرعة وتجاوز عقبات البر وصعوباته وتجنب المرور في أراضي قبائل وممالك معادية وتحمّل نزعات الطمع والعدوانية عند زعماء غير موثوق بهم. تضاف الى ذلك، القدرة على نقل كميات أكبر من البضائع بواسطة عدد أقل من البشر خلافاً للنقل البري الذي كان يتطلب مرافقين كثراً وحيوانات صبورة ومدربة على السير مسافات طويلة.

البدايات

ليس من اتفاق على المكان الذي شهد أول عملية انتقال مائي للبشر أو ما إذا كان الصيد او البحث عن غذاء هو العلة الأولى لركوب البحر. لكن ثمة ترجيحا أنه بدأ في مكان ما في بلاد الرافدين لسفر الأفراد في المقام الأول. ويُعتقد أن التحول من السفر النهري بين المراكز السكانية الى نظيره البحري جرى في العراق الحالي لقرب مصبَّي دجلة والفرات اللذين يلتقيان في شط العرب، من مياه الخليج التي تشكل جزءا ولو صغيرا وشبه معزول مما يسمى "المحيط العالمي". في حين أن حضارات قديمة أخرى، كالحضارة الفرعونية في مصر او حضارتي وادي الإندوس ونهر يانغتسي في الهند والصين، كانت كلها تتمتع باكتفاء ذاتي في الموارد والزراعات ولم تبرز حاجاتها الى التحول من النقل النهري الى ذلك البحري سوى في مراحل متأخرة. وعلى الرغم من أن القوارب بأنواعها ووظائفها عُرفت في مصر، كالقارب الليلي للإله رع والسفن الحربية الفرعونية وتلك المخصصة لنقل المحاصيل الزراعية، إلا انها لم تغادر وادي النيل إلا نادرا.

وسائل النقل الأولى كانت أطوافا مصنوعة من جذوع أشجار أو أنواعا من القصب مجموعة إلى بعضها بحبال من ألياف نباتية ربما ساعدت الصياد على اقتناص سمكة مناسبة، قبل ان تحل القوارب المنحوتة من جذع شجرة واحدة كبيرة، ثم تلك التي تتشكل من ألواح خشبية راحت تُضمّ الى بعضها بوسائل مختلفة من الحبال والمسامير الخشبية ثم المعدنية. بعد ذلك ظهرت القوارب ذات الأرضيات المسطحة ثم المقعرة التي تسمح بوضع بضائع وسلع تحت الركاب. اختراع الشراع كان تطوراً حاسماً في عالم السفن. ثم راح البشر يكتشفون الفوارق بين الأشرعة وأهمية تعديل اتجاهاتها وأشكالها لتحسين قدرتها على التقاط الريح، من دون ان يختفي الدفع بالمجاذيف الذي ترافق مع الشراع على مدى ألفيات عدة من السنين قبل ان ينتهي التجذيف من النقل البحري ويبقى في مجال الرياضة.

من مدغشقر الى نيوزيلندا

لا يمكن الحديث عن المسيرة البشرية من دون تناول الجانب الذي كانت البحار والمحيطات ساحته الرئيسة. واحدة من المغامرات المذهلة التي قام البشر بها هي تلك التي دشنتها الشعوب المعروفة اليوم بالشعوب الأسترونيزية التي انطقلت من جزيرة تايوان قبل الميلاد بخمسة عشر قرناً لتصل الى جزيرة مدغشقر جنوب المحيط الهندي غرباً وجزيرة الفصح في شرق المحيط الهادئ غربا. ومن جزر هاواي في الشمال الى نيوزيلندا في الجنوب. لم تكن التجارة هدف هجرات الشعوب هذه لكن مجرد الانتقال عبر المسافات اللانهائية للمحيطين الهندي والهادئ على متن قوارب خشبية واستناداً الى معارف متوارثة حول مواقع النجوم والاجرام السماوية، أمور تبعث على التأمل في خلفيات ودوافع لم يصل العلم الحديث بعد الى فك طلاسمها كلها.

واحدة من المغامرات المذهلة التي قام البشر بها هي تلك التي دشنتها الشعوب المعروفة اليوم بالشعوب الأسترونيزية التي انطقلت من جزيرة تايوان قبل الميلاد بخمسة عشر قرناً لتصل إلى جزيرة مدغشقر وجزيرة الفصح في المحيط الهادئ غربا

باستثناء الشعوب التي استقرت في مناطق اندونيسيا وماليزيا والفيليبين الحالية، لم تكن التجارة جزءاً مهما من نشاطات الشعوب الاسترونيزية التي تابعت في جزر جنوب المحيط الهادئ انماط حياة تقوم على الصيد وبعض الزراعات المحدودة. 
من جهة ثانية، كانت مغامرة كبيرة تنطلق على مسافة لا تقل عن نصف العالم. إذ كان الفينيقيون، سكان الساحل الشرقي للمتوسط، ينقلون تجارتهم بحرا الى مستوطنات توزعت بين تونس التي ستحتضن امبراطورية قرطاج "البونيقية" (الفينيقية) كما سيطلق الرومان عليها، وسواحل شبه جزيرة أيبيريا. اللافت هنا ان الفينيقيين فضلوا الانتقال بحراً الى المواقع التي تاجروا معها واستقروا فيها مع علمهم بوجود الطرق البرية، للأسباب التي سلفت الاشارة اليها من ابتعاد عن اعداء محتملين واستغلال سرعة الانتقال بحرا. 

المتوسط والفينيقيون

البحر المتوسط سيكون حاضنة الرحلة الفينيقية التي ستشمل التبادل مع قدامى اليونانيين والمصريين وسكان شمال افريقيا وجنوب أوروبا. بيد أن النجاح التجاري لم يحل دون الوقوع تحت النفوذ السياسي والعسكري لممالك برية قوية مثل أشور ومصر، ما يفسر انتقال الثقل الفينيقي من صور على وجه التحديد، خصوصا بعد تدميرها على يد الاسكندر المقدوني، الى قرطاج. 
وعلى الرغم من أن دليلا علميا لم يظهر على ما زعمه المؤرخ اليوناني هيرودوت عن تكليف الفرعون نخاو الثاني بحّارة فينيقيين الالتفاف حول افريقيا، إلا ان الرواية بذاتها تكفي للإشارة الى السمعة الطيبة التي تمتع بها الفينيقيون كشعب يضم بحّارين معتبرين. غني عن البيان ان الاستغلال الإيديولوجي المعاصر ومحاولات توظيف المنجز التاريخي في صراعات الحاضر قد أعاق دراسة هذا الشعب دراسة موضوعية خصوصا في شرق المتوسط حيث موطنه القديم. لكن هذا لا ينفي أن هؤلاء الناس كانوا من أوائل التجار الذين ركزوا نشاطهم على النقل البحري. 

Getty Images
البحار البرتغالي فرديناند ماجيلان قاد اول رحلة بحرية للدوران حول العالم

لم يتأخر الجناح الغربي للفينيقيين في قرطاج عن الخضوع لامتحان قاس في مواجهة قوة صاعدة وطموحة هي الجمهورية الرومانية التي حاولت انتزاع صقلية في البداية قبل أن تؤدي "الحروب البونيقية" الثلاث الى تدمير امبراطورية قرطاج في مأساة شهدت بروز شخصيات من نوع هنيبعل الذي حاصر روما بعدما عبَرَ جبال الألب وسكيبو الافريقي، القائد الروماني الذي أصر على هدم قرطاج حجرا حجرا وحرث أرضها بالملح حتى لا تعود ولو بمثابة مزرعة. بديهي أن ترِث روما طرق التجارة البحرية القديمة والسابقة عليها ليصبح البحر المتوسط بحيرة رومانية بكل تجارته وثرواته التي تشمل العاج والذهب والحيوانات الضارية المستخدمة في الألعاب الرومانية ناهيك بالعبيد، إضافة الى احتلاله الموقع الواصل بين "طريق الحرير" الآتي من الصين وبين أوروبا. 

طريق الحرير البحري

في الواقع، ثمة طريقا حرير، بري وبحري. ولئن نال الأول اهتمام الرحّالة وشغل الخيال الأدبي وحب المغامرة التي وصلت الى القارئ المعاصر عبر مؤلفات على غرار رحلة ماركو بولو، إلا ان الطريق البحري قد يكون اكثر إثارة للاهتمام بفضل قدرة السفن التي كانت تعمل على ذلك الخط، على نقل كميات كبيرة من البضائع. فالسفن التي كانت تنطلق من موانئ الصين الجنوبية مروراً ببحر الصين ومضائق ملقا، كانت تصل الى الخليج العربي محملة الخزف والمنسوجات الحريرية وغيرها، إضافة الى سلع أقل فخامة. ومن الخليج كانت تتابع سيرها إما برا مع القوافل، الى العراق – بغداد- الموصل – حلب، او بحرا الى مصر ومن هناك الى أوروبا. ومعلوم ان بغداد وحلب كانتا من المراكز التي تلتقي فيها قوافل طريق الحرير البري ايضا، قبل ان تبدأ رحلتها الى أوروبا سواء عبر اراضي الامبراطورية البيزنطية او من مرفأ طرابلس في لبنان حاليا. 

في الواقع، ثمة طريقا حرير، بري وبحري. ولئن نال الأول اهتمام الرحّالة وشغل الخيال الأدبي وحب المغامرة التي وصلت إلى القارئ المعاصر عبر مؤلفات على غرار رحلة ماركو بولو، إلا أن الطريق البحري قد يكون أكثر إثارة للاهتمام

تقدم سفينة بيليتونغ التي اكتشفت قرب الشواطئ الاندونيسية سنة 1998م نموذجا رائعا لما كانت عليه التجارة على "طريق الحرير" البحري. فالسفينة العربية من النوع المعروف بـ"الداو" الذي صمد حتى اليوم في العديد من مرافئ الخليج، استُخرجت منها اكثرية البضائع التي كانت تحملها، وكانت على ما يبدو في رحلة من جنوب الصين الى عُمان وغرقت وظلت في المكان الذي عثر فيه عليها حوالى الالف عام. وساعدت طبيعة البيئة البحرية في الحفاظ على السفينة وشحنتها. وتظهر السلع التي أُنقذت خزفيات واواني ذهبية من عصر سلالة تانغ الصينية التي حكمت بين القرنين السابع والعاشر للميلاد. وعلى الرغم من غياب أي إثبات على ما كانت السفينة تحمله في رحلتها من الخليج الى الصين، إلا ان الباحثين يعتقدون أن حمولة السفينة في رحلة الذهاب كانت من البضائع التي اشتهرت بها الجزيرة العربية منذ ازمان سحيقة في القدم كالمِرّ وأصناف البخور والجلود. يساهم ذلك في فهم خلفيات الفئات الاجتماعية التي كانت تخدمها هذه التجارة. وهو ما سيتكرس في القرون اللاحقة قبل ان يطرأ عليه تطور كبير ابتداء من القرن الثامن عشر. 

أوروبا وعصر الاستكشافات

التغيرات التي شهدتها أوروبا ونهوض قوى برية جديدة والتهديدات التي حملتها الحروب المتفاقمة وتبلور تبدلات اجتماعية وسياسية كانت القارة القديمة حبلى بها، حملت عددا من الملوك والامراء الاوربيين على استجابة ضغوط تجار وبحارة بالبحث عن ممرات بحرية جديدة، ما أطلق "عصر الاستكشافات" الشهير. فالإمبراطورية العثمانية التي اصبح جناحها الغربي "الروملي" يحتل قسما كبيرا من اوروبا فيما تعيق بحريتها بقيادة الاخوين خير الدين وعروج بربروس حركة النقل التقليدية في البحر المتوسط، إضافة الى الضرائب الباهظة التي راحت تفرضها دولة المماليك في الشام ومصر- قبل ان يقضي العثمانيون عليها- واضطراب الاوضاع في فارس مع الحروب التي درات بين الصفويين ومنافسيهم في الشرق والغرب، جعلت الأوروبيين يقتنعون أكثر بأهمية البحث عن بدائل من الخطوط البحرية والبرية المستخدمة منذ زمن بعيد. فالطريق البحري بين سواحل غرب الهند وحضرموت في اليمن حاليا، قديم وسابق على الكثير من الممرات المشابهة. ومن الهند الى حضرموت كان يأتي الحديد الذي تصنع منه السيوف الحضرمية واليمانية الشهيرة. 
يضاف الى ذلك أن القارة الاوروبية كانت على مشارف عصر النهضة وبروز طبقة جديدة من التجار والصناعيين والحرفيين الذين سيعرفون بالبورجوازية الباحثة عن موضع في السلطة والمجتمع يؤكد تميزها عن العامة من جهة، وتشبهها بالاريستوقراطية العليا من جهة ثانية من طريق اللباس والمظهر والطعام واقتناء السلع الفاخرة والنادرة. وهذه كلها كانت تأتي من الشرق عبر طرق باتت غير مستقرة ويكلف عبورها مبالغ باهظة. 
كريستوفر كولومبس كان يريد الوصول الى الهند من الغرب لتجنب الممرات البحرية والبرية التقليدية. فاسكو دي غاما الذي باشر رحلته للوصول الى الهند بالالتفاف حول افريقيا بعد سبع سنوات من رحلة كولومبوس، كان يسعى إلى تأسيس ممر جديد للتجارة البحرية. كذلك الأمر مع ماجيلان الذي قُتل اثناء رحلته حول العالم التي اكملها مساعده إيلكانو. وبغض النظر عن النتائج المباشرة لرحلات هؤلاء المستكشفين، إلا ان غايتهم المباشرة كانت وضع أسس طرق بحرية جديدة للتجارة الدولية بما يعكس حاجة الدول الاوروبية الى البضائع المعروفة وتطلبها في المقابل أسواقا لمنتجاتها الصناعية. 

Getty Images
سفينة تعبر قناة بنما في العقد الاول من القرن الماضي

غير أن البحر الذي لا يعمل في خدمة هدف وحيد، كان ايضا الطريق الذي سلكته لغات وأديان وثقافات وطموحات سياسية ومشاريع استعمارية شتى. فاسكو دي غاما، على سبيل المثل، الذي عرف الكثير عن التجارة بين الهند والجزيرة العربية وطمع بالحصول على جزء من ارباحها، نال الإذن الأول الذي يحظى به اوروبي بتأسيس محطة تجارية في جنوب الهند. كانت هذه "خطوة كبيرة للبشرية" على ما سيقول مستكشف آخر هو نيل ارمسترونغ عندما ستطأ قدمه سطح القمر بعد مئات الأعوام. خطوة لا تزال موضع جدال عنيف وصاخب في شأن الكوارث التي دشنها عصر الاستكشافات وجلبها للشعوب التي ستخضع للاستعمار مقابل الازدهار والثروات والتقدم الذي سيحققه الغرب. 

الهند وبدايات الاستعمار

فالتوابل، على سبيل المثال، التي تعطي الطعام نكهة لا تقاوم، والتي لا زال العديد من الشعوب العربية يسميها باسم بلاد منشأها "بهارات" (أي الهند)، صارت من الضرورات التي تطالب بها الفئات العليا في المجتمعات الغربية والتي تأتي حصرا من طريق البحر. قبل ان تنضم اليها أطايب اخرى كالكاكاو الآتي من اميركا الوسطى والبندورة (الطماطم) والبطاطس والذرة من اميركا الجنوبية، ما احدث في حصيلته ثورة هائلة ليس في الذائقة الجمعية، بل خصوصا في قدرة الدول على سد الحاجات الغذائية من خلال نبات سهل الزراعة كالبطاطا الذي أدى دورا رئيسا في تزويد الاوروبيين مصدراً رخيصاً للسعرات الحرارية. قبل ذلك كانت المزورعات الآتية من الهند والصين كأشجار الفواكه المختلفة والحمضيات، لا تساهم سوى مساهمة محدودة في رسم الخريطة الغذائية للسكان.

البحر الذي لا يعمل في خدمة هدف وحيد، كان أيضا الطريق الذي سلكته لغات وأديان وثقافات وطموحات سياسية ومشاريع استعمارية شتى

المحطة التجارية التي أسسها دي غاما بإذن من ملك جنوب الهند، زامورين، لم تبقَ وحيدة مدة طويلة. إذ ظهرت أاخوات فرنسيات وانكليزيات وهولنديات ودنماركيات لها. في غضون ذلك، كان تدهور الامبراطورية الموغلية (او المغولية) والحروب الضارية بين امبراطوريتي ماراثا ودوراني في الشمال التي افضت الى منع قيام دولة هندية قوية، من العوامل التي ادرك مشغّلو المحطات التجارية كيف يستغلونها لتقوية نفوذهم. فالممالك الضعيفة كانت في بحث دائم عن مصادر للدعم الذي بذله الاوروبيون للملوك المتحاربين مقابل العوائد التجارية، وبالتالي السياسية الملموسة. ما مهّد لعدد لا يحصى من الحروب الاستعمارية صبت في نهاية الامر باستتباع الهند للتاج البريطاني وبقاء شبه القارة الهندية مستعمرة حتى سنة 1948. ظواهر مشابهة كانت تنبثقجري في أافريقيا وأاميركا الجنوبية حيث ترافقت الخطوط البحرية المكتشفة مع انجازات علمية ضخمة ومع مآس وإبادات لا توصف، في الآن ذاته.

سارت الطرق البحرية شمالاً لتصل الى الصين ومنها الى اليابان التي فرضت على نفسها عزلة شبه كاملة في القرن السابع عشر لمنع تسرب النفوذين الإسباني والبرتغالي والديانة المسيحية. لم تنته العزلة هذه إلا في العام 1854م على يد الكومندور الأميركي ماثيو بيري، مستهلا حقبة جديدة من الصراعات التجارية والسياسية والثقافية في اليابان التي تبنت أخيرا بعضا من التوجهات الغربية اثناء عصر ميجي.

المال والثقافة والدين والديموغرافيا والسياسة وكل ما يقع بينها، كانت تتبدل وتنتقل على متن السفن التي حملت الثمار والسلع والناس لآلاف الكيلومترات. ولم يفقد سحره ولا غرابته ذلك الدافع الذي حمل الانسان على ركوب ألواح خشبية متهالكة وخوض البحر من دون ان يعرف الى اين يتجه. لم تكن مغامرة محسوبة سلفا بل كانت امتثالا لمحرك إنساني لم يختف ولن يزول على الارجح. ليست مصادفة أن الكثير من الاسماء المستخدمة اليوم في عالم الفضاء ورحلاته، هذه المغامرة البشرية الحديثة، تجد أصولها في البحار وتاريخها.

وعندما يشاهد المارّ قرب ميناء في مدينة ما تلك الهياكل المعدنية الهائلة التي تختبئ في داخلها صنوف البضائع والسلع، سيدرك أن الرحلة البشرية لا تزال مستمرة وان التغير الدائم هو القانون الوحيد الثابت في هذا العالم وان البحر و"المحيط العالمي" من روافع التغيير ما قُدّر للإنسان ان يعيش على هذا الكوكب، على الرغم من المنافسين الجدد والقدماء في الجو والبر.

font change

مقالات ذات صلة