البحر الأحمر بالأرقام... اقتصاد العالم خط أحمر

50 دولة متضررة و40% تراجع ايرادات قناة السويس وتوقف إنتاج سيارات تيسلا في مصانع ألمانيا

Al Majalla
Al Majalla

البحر الأحمر بالأرقام... اقتصاد العالم خط أحمر

ضاق الاقتصاد العالمي ذرعا باعتداءات القراصنة الحوثيين المتواصلة على سفن التجارة العالمية في البحر الأحمر، إثر تراجع خطير لنشاط ملاحة الحاويات عبر خليج عدن وباب المندب وقناة السويس، نتيجة قرار أكثر من 18 شركة شحن دولية تغيير الطريق التجارية نحو رأس الرجاء الصالح، (وآخرها اليوم تعليق عملاقة الشحن اليابانية "إن. واي. كي" الملاحة عبر البحر الأحمر لكل سفنها وتغيير مسارها)، وهذا التحول لشركات النقل البحري رفع تكلفة الشحن 4 أضعاف بسبب طول المسافة على الساحل الافريقي.

وأشعرت شركات تصنيع السيارات في أوروبا وخصوصا ألمانيا عملاءها بحدوث اضطراب في سلاسل الإمداد من الصين وتايوان ودول أخرى في شرق آسيا بسبب تأخر وصول بعض المكوّنات الصناعية والتكنولوجية. وغيّرت 30 في المئة من الناقلات طريقها التقليدية من خليج عدن وقناة السويس في الاتجاهين. وكانت تمر عبرها نحو 20 ألف سفينة شحن سنويا، من إجمالي أسطول الشحن العالمي الذي يتألف من 105 آلاف سفينة ذات حمولة فردية تبلغ 100 طن فأكثر. وهي نقلت في عام 2020 نحو 11 مليار طن من السلع والمواد المختلفة عبر البحار.

ويعمل في التجارة البحرية 1,3 مليون شخص فوق البواخر وعلى الرصيف. وكلما كان هناك نزاعات زادت مسافات الشحن البحري والتكلفة كما حدث في حرب أوكرانيا وأزمة إمدادات القمح.

وقالت "أونكتاد" (UNCTAD) إن النفط الخام والمنتجات المكررة قطعت مسافات طويلة عام 2023، لأن روسيا تبحث عن أسواق بديلة بعيدة. ويبحث الاتحاد الأوروبي عن موردين بديلين للطاقة من مسافات طويلة. وكانت مسافات الشحن تراجعت عام 2020 خلال أزمة "كوفيد-19"، لكنها عادت بقوة العام المنصرم، حيث قطعت شحنات الحبوب مسافات طويلة بفضل مبادرة البحر الأسود، كما زادت تجارة الحاويات المحملة مواد صناعية من دول شرق آسيا ضمن سلاسل القيمة العالمية. وأدى التغير المناخي إلى توريد منتجات غذائية من البرازيل وأميركا اللاتينية إلى شمال أفريقيا والشرق الأوسط.

30 % من الناقلات طريقها التقليدية من خليج عدن وقناة السويس في الاتجاهين. تمر عبرها نحو 20 ألف سفينة شحن سنويا، من إجمالي أسطول الشحن العالمي الذي يضم 105 آلاف سفينة

لكن الأسطول العالمي يعاني من شيخوخة في النقل البحري مما يهدد المضائق والممرات والموانئ والإحياء المائية، كما حدث في قناة السويس عام 2021 عندما جنحت ناقلة "إيفرغيفن" (Ever Given) التابعة لشركة "إيفرغرين مارين" التايوانية، وأغلقت القناة التي تؤمن 12 في المئة من حركة التجارة البحرية الدولية، وتدر على مصر عائدات بالعملة الأجنبية تزيد على 8 مليارات دولار، وهي أطول قناة في العالم، 193 كيلومتر، تربط بين البحرين الأبيض والأحمر، ويمر عبرها 15 في المئة من التجارة العالمية للسلع، و30 في المئة من الحاويات، و8 في المئة من النفط الخام.

مسافات بعيدة... وتكاليف كبيرة

سيفرض الوضع المتأزم تجارة بحرية بمسافات طويلة غالية التكلفة بعيدة عن مناطق النزاع. وهناك مخاوف أوروبية من أزمة إمدادات وعودة التضخم في الأسعار إذا طال أمد النزاع في البحر الأحمر لشهور مقبلة.

عشرات ملايين الحاويات تمر سنويا عبر البحر الأحمر

وتراجعت التجارة 13 في المئة (في شهرين) عبر هذه الطريق التجارية الأقرب بين آسيا وأوروبا منذ 150 سنة. وقرر الاتحاد الأوروبي إيفاد سفن حربية لمراقبة ضمان حرية حركة التجارة في خليج عدن ومضيق هرمز والبحر الأحمر، وربما للمشاركة في الضربات العسكرية التي تنفذها قوات تحالف "حارس الازدهار" بقيادة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن "لا تسامح مع معترضي حرية الملاحة الدولية وتدفق التجارة البحرية". وتضررت 50 دولة من تعطيل التجارة في البحر الأحمر، كما تضررت اقتصادات دول المنطقة حيث تراجعت إيرادات قناة السويس 40 في المئة.

الاقتصاد العالمي يسجل أضعف نمو

لا يستبعد البنك الدولي تسجيل أضرار تجارية جديدة تطال الاقتصاد العالمي، قد تكبده تراجعا في النمو هو الأضعف منذ ثلاثين سنة، وقد لا يتجاوز معدل 2,4 في المئة نهاية السنة الجارية، بعدما كانت توقعات الخريف الماضي تتحدث عن نمو في نحو 2,9 في  المئة، مما يعني خسائر بقيمة نصف نقطة من نمو الاقتصاد العالمي، أغلبها في الدول الصناعية التي تتوقع معدلات نمو بـ 1,2 في المئة في أحسن الأحوال، مع تحسن بسيط متوقع في الاقتصادات الصاعدة والنامية تصل 3,9 في المئة. وتسجل الصين أبطأ نمو منذ عام 1990 بمعدل يقارب 4,5 في المئة عام 2024. وقد يتراجع إلى 4,3 في المئة عام 2025. بينما لن يتجاوز النمو الأميركي 1,7 في المئة، في سنة حاسمة في أكثر من قضية، تنتظرها انتخابات رئاسية قد يكون لها تأثير على أكثر من صراع إقليمي ودولي.

للمزيد عن الأخطار الراهنة في المنطقة أقرأ: البحر الأحمر ومخاطر الذهاب إلى حرب إقليمية

ويمكن اعتبار شبح التضخم أحد أكبر التحديات التي تخيف حكومات العالم على السواء، وبدأت الأسعار في الارتفاع من جديد منذ نهاية العام المنصرم، بعد جهود حثيثة لكبح جماح التضخم، والاستنجاد برفع أسعار الفائدة التي يبدو أنها رفعت تكلفة الاستثمار والقروض، دون أن تؤدي إلى عودة الأسعار إلى ما قبل الجائحة.

أوروبا قلقة على أسعار الطاقة

ويتخوف القادة الأوروبيون من أي تصعيد أو توسع محتمل في حروب الشرق الأوسط، بسبب تداعياتها السياسية والاقتصادية غير المحسوبة العواقب، ومنها احتمال ارتفاع أسعار الطاقة، كما حدث عام 1973. هناك حذر من الاندفاع الأميركي وجر أوروبا إلى مواجهة قد تكون مباشرة مع إيران، التي تصفها بالداعم الحقيقي للحوثيين في اليمن و"حزب الله" في لبنان.

رويترز
سفينة شحن تعبر قناة السويس

ولا تزال اقتصادات الاتحاد الأوروبي تعاني من تكلفة الحرب الروسية في أوكرانيا، التي تتملص منها واشنطن تدريجيا، بعد اعتراض نواب أميركيين على إرسال مزيد من المساعدات إلى كييف دون تحقيق أهداف على الأرض. وهي الحرب التي يمكن أن تميل تكلفة تحمل أعبائها الى الجانب الأوروبي، في حال تغيير الإدارة الأميركية نهاية العام.

الاقتصاد الأوروبي لا يتحمل ثمن الشحن البحري عبر طريق الرجاء الصالح بسبب تكلفته الباهظة

ويبدو التوقيت في غير صالح الأوروبيين؛ أولا، لأنهم الأقرب جغرافيا إلى العالم العربي، ومناطق النزاع. ثانيا، بسبب أخطار انتقال الصراعات المذهبية إلى شعوبهم المنقسمة حول أسباب حرب غزة ومخرجاتها، وخصوصا أن التركيبة السكانية الأوروبية تغيرت كثيرا عما كان عليه الوضع قبل 50 سنة. ثالثا، بسبب إدراك أوروبا أنها سوف تتحمل جزءا من تكلفة إعادة إعمار قطاع غزة، أيا تكون السيناريوهات على الأرض. رابعا، لأن الاقتصاد الأوروبي لا يحتمل ثمن الشحن البحري عبر طريق الرجاء الصالح بسبب تكلفته الباهظة. كما لن تتخلى باريس ولندن عن أهمية قناة السويس التي بناها الفرنسيون عام 1869 في عهد نابليون بونابرت، على الرغم من معارضة البريطانيين آنذاك، الذين كانوا يتوجسون من كل طريق بحرية جديدة تصل إلى مستعمراتهم في الهند.

AFP
فرقاطات عسكرية تحل محل ناقلات الشحن المدنية

وكتب رئيس تحرير مجلة "كونفلي" (Conflits)، جان باتيست نوي "كنا نعتقد لعقود طويلة أن حروب الآخرين لا تعنينا، لأنها بعيدة جغرافيا وثقافيا ولا تهدد مصالحنا. لكننا فوجئنا بأننا حلقة ضعيفة عسكريا تحتاج إلى غطاء أميركي  لحمايتها".

للمزيد إقرأ: البحر الأحمر منصة أميركية لإدارة الصراعات

وتشعر أوروبا بأن الاندفاع غير المحسوب من بعض رؤسائها في البداية إلى دعم إسرائيل بعد أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، كانت له مضاعفات ثقافية وسياسية واقتصادية داخلية هي في غنى عنها. وستكون لكل انغماس إضافي في حروب الشرق الأوسط بحرا أو برا أخطار كبيرة قد تعيد إحياء جروح من التاريخ البعيد. 

ستنمو التجارة العالمية 2,8% سنويا في السنوات المقبلة، لكنها ستظل أقل من نموها السابق نحو 7 % في العقد الماضي، وستظل الممرات العربية مهمة لطريق التجارة بين الشرق والغرب

تجارة المستقبل بحرية

في تحليل لـ"بوسطن كونسلتينغ غروب" أن التجارة الأميركية سوف تقوى مع دول شمال أميركا التي تضم كندا والمكسيك وتزيد مع دول آسيان جنوب شرق آسيا نحو 1200 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة، مما يجعل طريق التجارة البحرية تتجه نحو المحيط الهادئ.

للمزيد عن تداعيات الصراع في المنطقة إقرأ: غزة... لا حرب إقليمية والجميع سيخرج خاسرا

وسترتفع تجارة الصين 600 مليار دولار على الرغم من أنها قد تفقد بعضا من تنافسيتها الصناعية، لكنها ستتوسع مع دول الجنوب، في حين ستزيد تجارة الولايات المتحدة والمكسيك 300 مليار دولار. كما سيقوى الحضور الهندي في التجارة العالمية في العقد المقبل، وستسعى الهند لتعزيز حضورها في الأسواق الأوروبية، واحتمال تراجع مبادلات الصين مع أميركا، وستتراجع في الوقت نفسه مبادلات الاتحاد الأوروبي مع روسيا.

ستنمو التجارة العالمية 2,8 في المئة سنويا خلال السنوات المقبلة، لكنها ستظل أقل من نموها السابق الذي كان يقدر7 في المئة في العقد الماضي. وستظل الممرات العربية مهمة لطريق التجارة بين الشرق والغرب، وهي حلقة وصل واستقطاب وتحديات لسنوات أخرى مقبلة. وقد تتكرر حروب المضائق في أكثر من بحر، من باب المندب إلى بحر الصين وتايوان.

font change

مقالات ذات صلة