البحر الأحمر ومخاطر الذهاب إلى حرب إقليمية

هل تؤدي الضربات إلى تأجيج صراع إقليمي أوسع؟

DPA
DPA
طائرة بريطانية من طراز "تايفون" تنطلق من قاعدة أكروتيري في قبرص للمشاركة في قصف مواقع حوثية في اليمن في 11 يناير

البحر الأحمر ومخاطر الذهاب إلى حرب إقليمية

تصدر البحر الأحمر المشهد الإقليمي بعد الضربات التي نفذتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في الثاني عشر من الشهر الجاري على مواقع الحوثيين في اليمن، في محاولة لإجبارهم على وقف الهجمات المستمرة منذ أشهر في البحر الأحمر. وفي اليوم التالي، نفذت الولايات المتحدة من جانب واحد ضربات جديدة استهدفت منشأة رادارية لتوجيه المسيرات.

العملية الأنجلو-أميركية التي أعلن عنها كل من الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، أتت غداة قرار لمجلس الأمن الدولي، ندد بهجمات الحوثيين ودعا للتوقف عنها فورا مع منح الدول الحق في الدفاع عن مصالحها ضد التهديدات.

بحسب واشنطن ولندن، أتت الضربات كردٍ على هجمات حوثية بلغ عددها 27 هجوما منذ 19 نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، تأثرت بها أكثر من 50 دولة واستهدفت سفن الشحن والسفن العسكرية في البحر الأحمر، بما في ذلك قرصنة السفينة الدولية "غالاكسي ليدر" واحتجاز طاقمها وتحويلها إلى مزار لأتباع الجماعة قبالة سواحل الحديدة، مع التأكيد على شن ضربات مماثلة إذا استمر التهديد الحوثي لأحد أهم ممرات التجارة العالمية.

القصف أميركي بريطاني بقيادة أميركية، هذا ما أكده الرئيس جو بايدن في بيانه: "بتوجيه مني، نفذت القوات العسكرية الأميركية، بالتعاون مع بريطانيا وبدعم من أستراليا والبحرين وكندا وهولندا، ضربات ناجحة ضد عدد من الأهداف في اليمن يستخدمها الحوثيون لتعريض حرية الملاحة للخطر في أحد الممرات المائية الأكثر حيوية في العالم".

وبالفعل فقد استهدفت الضربات قاعدة "الديلمي" الجوية الملاصقة لمطار صنعاء، ومطارات وقواعد في محافظات الحُديدة وتعز وحجة، ومواقع مرتبطة بالطائرات بلا طيار التابعة للحوثيين والصواريخ البالستية وصواريخ كروز وقدرات رادارية ساحلية ومراقبة جوية. هذا وقد حمل قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل كوريلا طهران مسؤولية الهجمات غير القانونية والعشوائية والمتهورة على الشحن الدولي.

فهل تؤدي الضربات إلى تأجيج صراع إقليمي أوسع يبدو أن كلا من الولايات المتحدة وداعمي الحوثيين في إيران لا يريدونه؟

توفر الضربات الأميركية أكثر من ذريعة للحوثيين لصرف الانتباه عن أزمات اليمن الداخلية وتعزز من فرص اكتسابهم المزيد من المصداقية ضمن المحور الذي تقوده إيران

البحر الأحمر وحدود المغامرة الإيرانية 

تؤكد الهجمات الأنجلو-أميركية ضد مواقع الحوثيين على "سوء الإدارة الدولية" المزمن للصراع في اليمن، وربما بهذا المعنى يقول جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأميركية الأسبق: "إن هذه الضربات مناسبة جدا للتهديد الذي يشكله الحوثيون، وأعتقد أنها أتت متأخرة، لكن التخلي عن الحيرة المرتبطة بالرد على هجمات الحوثيين المستمرة هو الطريقة الفضلى لاستعادة قوة الردع".
لقد شكل البحر الأحمر ما يمكن اعتباره "الجبهة الثالثة" للصراع الدائر بين إسرائيل وحركة حماس بعد قطاع غزة والحدود الإسرائيلية اللبنانية، ويقدم مع اليمن مسرحا لتصعيد يمكن أن ينشر الحرب إلى ما هو أبعد من الحدود الإقليمية لا سيما بعد الهجمات الليلية للولايات المتحدة والمملكة المتحدة على العشرات من مواقع المتمردين الموالين لإيران. 
أجل، لقد دخل "حزب الله" في مواجهات يومية مع القوات الإسرائيلية على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية منذ اليوم الثاني لعملية "طوفان الأقصى" في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول، وشنت القوات المدعومة من إيران عشرات الهجمات التي استهدفت المواقع العسكرية الأميركية في العراق وسوريا، مما أدى إلى عدد من المواجهات. وانضم الحوثيون منذ 19 نوفمبر/تشرين الثاني إلى الميدان عبر سلسلة هجمات على السفن التجارية والسفن العسكرية الغربية في البحر الأحمر الشريان الرئيس للتجارة الدولية. 
هذا وقد أجمعت الجبهات الثلاث على هدف واحد وهو التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة كسبيل لوقف الهجمات التي أدت إلى حصيلة مذهلة من القتلى المدنيين ودمار واسع النطاق شكل أكثر من قرينة لادعاء جنوب أفريقيا على إسرائيل أمام المحكمة الدولية بجريمة ارتكاب الإبادة الجماعية.
تدفع طهران بأذرعها المسلحة على الجبهات الثلاث لخوض مغامرة منخفضة الوتيرة ومحفوفة بالمخاطر في الوقت عينه حيث تدفع كل منها أثمانا باهظة بشكل يومي؛ حيث خسر "حزب الله" أكثر من 200 مقاتل منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول، وبالتزامن، وجهت قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة ضربات قوية للبنية التحتية في العراق وسوريا للفصائل المختلفة المدعومة من إيران. 

AP
الرئيس الاميركي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك اثناء مشاركتهما في اجتماع لحلف "الناتو" في فيلنيوس، ليتوانيا في 11 يوليو

أما في اليمن، فلم تتضح بعد الأضرار التي أحدثتها الضربات، لكن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تقولان إنهما استهدفتا مواقع يستخدمها الحوثيون لشن هجمات على البحر الأحمر، مما قد يضعف قبضة الجماعة على طريق الشحن. لقد أدى الصراع على الجبهات الثلاث إلى إشكالية إيرانية أميركية، ففي حين تفاقم الجبهات معضلات تواجه الرئيس الأميركي جو بايدن وتهدد تحالفاته الإقليمية، تسعى إيران من خلال اشتباكها الإقليمي إلى الحفاظ على توازن بين مكاسب عسكرية تكتيكية وتجنب مخاطر الانزلاق إلى حرب إقليمية.

تصاعد المواجهات المنخفضة الوتيرة نسبيا قد يؤدي في نهاية المطاف إلى مواجهة شاملة مع الولايات المتحدة وحلفائها، وهذا من شأنه أن يعرض نفوذ إيران المتنامي في المنطقة للخطر

مخاطر عدم وقف إطلاق النار

لقد أكد البيت الأبيض أن "الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراع مع إيران"، وأنه "لا يوجد سبب للتصعيد"، بحسب ما قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، في مقابلة مع "إم إس إن بي سي". لكن استمرار الهجوم الدولي من شأنه أن يزيد الدعم المحلي للحوثيين، نظرا لمعارضة التدخل الأجنبي وتزايد المشاعر المعادية للولايات المتحدة في جميع أنحاء المنطقة، وبالتالي فإن البحر الأحمر وخليج عدن مقبلان على مزيد من العسكرة، وتعزيز الانتشار البحري الغربي. 
من جهة أخرى توفر الضربات الأميركية أكثر من ذريعة للحوثيين لصرف الانتباه عن أزمات اليمن الداخلية وتعزز من فرص اكتسابهم المزيد من المصداقية ضمن المحور الذي تقوده إيران للظهور كلاعب إقليمي مهم تحاول الولايات المتحدة تحييده.

EPA
مسلحون حوثيون في العاصمة اليمنية صنعاء في 11 يناير

لا شك أن عدم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة سيؤدي إلى مزيد من التصعيد في كل محاور المنطقة؛ إذ تكمن المغامرة الأميركية في محاولة إدارة بايدن المحافظة على توازن دقيق بين تعظيم قدرة إسرائيل على المناورة دون أن يؤدي ذلك إلى حرب إقليمية، لكن الإمعان في استمرار الحرب على غزة سيشكل دافعا لمزيد من هجمات الحوثيين وسواها من الميليشيات، فضلا عن اتساع التوترات بين لبنان وإسرائيل.
يؤشر تقدير الموقف الراهن إلى مزيد من التصعيد، رغم سعي كل من الولايات المتحدة والميليشيات الفاعلة المدعومة من إيران إلى ضبط وتيرة مواجهاتها. صحيح أن استمرار الاشتباكات سيؤدي إلى منح طهران مزيدا من النفوذ كما يتضح من الضربات الجوية في اليمن، لكن تأجيج التوترات قد لا يكون في مصلحة طهران على المدى البعيد. 
إن تصاعد المواجهات المنخفضة الوتيرة نسبيا قد يؤدي في نهاية المطاف إلى مواجهة شاملة مع الولايات المتحدة وحلفائها، وهذا من شأنه أن يعرض نفوذ إيران المتنامي في المنطقة للخطر، ويوجه ضربة قاسمة لسياستها الخارجية، كما قد يثير المشاكل في الداخل، حيث لا يزال النظام يعاني من الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد قبل عام واحد.
إن التحدي الاستراتيجي الكبير أمام الولايات المتحدة يتمثل في قدرتها على استعادة حرية الملاحة وتأمين التجارة الدولية في البحر الأحمر وتجنب السقوط في الفخ الإيراني مع تحول الجبهات الأخرى إلى حرب حقيقية.

font change

مقالات ذات صلة