كيف يقرأ الأردن "بيان الأسف" السوري... وقيادة إيران لشبكة المخدرات

عمّان تكشف سبب "البيان الاستباقي" من دمشق

Reuters
Reuters
صورة من الأرشيف لطائرة "أف 16" أردنية

كيف يقرأ الأردن "بيان الأسف" السوري... وقيادة إيران لشبكة المخدرات

لا يختلف بيان "الأسف السوري" الصادر من وزارة الخارجية في دمشق عن محتوى خطاب الرئيس السوري بشار الأسد في أغسطس/آب من العام الماضي، والذي حمل في سطرين منه جملة اعترافات من ضمنها إقرار صريح بحضور تجارة المخدرات في سوريا كــ"عبور واستيطان"، وأنها "موجودة لم تتوقف". ومضي الأسد مقرا بضعف الدولة التي يترأسها واضعا هذا الضعف كسبب موجب لازدهار تجارة المخدرات.

المدهش في تصريحات الرئيس السوري، استطراده على كل ما قاله بقوله: "إن هذا شيء طبيعي"، ثم يضيف اللازمة التي اقتبسها بيان الخارجية السورية الأخير ليقول: "لكن من يتحمل المسؤولية في هذه الحالة هي الدول التي ساهمت في خلق الفوضى في سوريا وليست الدولة السورية".

بيان الخارجية السورية الذي حمل استهلاله "الأسف الشديد" على ضربات جوية وجهها سلاح الجو الأردني إلى قرى ومناطق في الداخل السوري. حمل أيضا اتهامات صريحة فاجأت الأردن، مفادها عدم "استجابة الجانب الأردني" لمبادرة دمشق باتخاذ خطوات عملية من أجل ضبط الحدود. بل أضاف بيان خارجية دمشق أن رسائل سوريا تم تجاهلها أردنيا دون أي رد من عمّان.

دهشة في عمان

هذه الجزئية غالبا، أثارت استفزاز– كما دهشة- عمّان، فردت ببيان من خارجيتها على "بيان الأسف" السوري، تؤكد فيه شكوى الأردن المستمرة والمتكررة منذ أعوام من تجاهل دمشق لكل رسائل الأردن المطالبة بالتعاون لا في موضوع الحدود والتهريب فقط، بل في محاور عديدة. الجواب كان دائما "الصمت" والتجاهل وعدم الرد وهو روتين دمشق في الرد.

الضربات الأردنية الأخيرة لمعاقل التهريب "المدعومة والمجهزة بأحدث التقنيات" كان من نتائجها اعتقال مهربين من العمق السوري، وهم اليوم في قبضة الأجهزة الأردنية

وحسب مصدر أردني مطلع، فإن "التجاهل ظل مستمرا لمطالب أردنية بأن تفرض دمشق سيادتها على الحدود الجنوبية". وهو ما يعكس حالة الفوضى في تلك البقة الجغرافية الشاسعة والتشابكات الإجرامية والإرهابية المعقدة التي تدير المشهد في ظل تلك الفوضى على خطوط تماس مع الأردن الذي بالضرورة لا يسعى إلى تصعيد– أي تصعيد- ينعكس على استقراره وهو يعاني أساسا من تحديات محلية وإقليمية مختلفة.

AFP
صورة من الأرشيف لجنود أردنيين يحرسون معبر نصيب عند الحدود مع سوريا

كان بيان الخارجية السورية مثيرا في توقيته هذه المرة. حملنا السؤال إلى مصادر أردنية عن سر "المنطوق السوري" بعد صمت طويل، ليتبين أن هناك محاولة تغطية سورية مسبقة لقادم الأيام حيث إن الضربات الأردنية الأخيرة لمعاقل التهريب "المدعومة والمجهزة بأحدث التقنيات" كان من نتائجها اعتقال مهربين من العمق السوري، وهم اليوم في قبضة الأجهزة الأردنية، وأن "اعترافاتهم ستكشف معلومات قيمة وخطيرة ومحرجة".

هجمات منظمة... وأسلحة

حجم عمليات التهريب المتصاعد نوعيا لم يتوقف عند تهريب المخدرات التي أغرقت الشارع الأردني وصارت تشكل أزمة اجتماعية خطيرة لتوفر تلك المواد في السوق، "بل تجاوزها إلى تهريب متفجرات وأسلحة إلى الداخل الأردني لتمريرها إلى الطرف الآخر غرب النهر في محاولة لتثوير الساحات بدعم إيراني واضح وتواطؤ ميليشيات مسلحة وكارتيل التهريب"، حسب المصادر. وقالت إن هذا "الكارتيل" المنظم "أضاف إلى قائمة نشاطاته تهريب البشر وتجارة الأعضاء البشرية في سوق إقليمية باذخة الدفع".

Suwayda 24 via REUTERS
أنقاض مبنى قصفته طائرات يعتقد أنها أردنية في منطقة السويداء السورية في 18 يناير

وحسب مصادر أمنية أردنية، فإن هجمات التهريب منظمة إلى حد وصول بعضها في الأيام الأخيرة قبل الضربات الأردنية إلى ما مجمله مائتا مهرب في مرة واحدة. وأفادت بأن عدم التجاوب السوري قديم "ومعهود، بل إن دمشق لم ترد على أبسط الحقوق باستلام جثث قتلى تابعين لها ولا تزال جثثهم محفوظة في الأردن لحين تسليمها".
والهدف– كما يبدو لعمّان- من "بيان الأسف" السوري هو "التشويش على من تم اعتقالهم من جهة، وركوب موجة الغضب الشعبي السوري في مناطق الجنوب، وهو غضب متنامٍ على كل حالة التهريب والمهربين الذين أصبحوا ظاهرة متنامية بكل ما تحمله من سطوة إجرامية تخترق المجتمعات المحلية، وهو ما يفسر بيان العشائر السورية ضد المهربين".

حرب المخدرات 

حرب المخدرات تجاوزت مفهومها الأمني إلى مفهوم استراتيجي عسكري تطلب تدخل القوات المسلحة الأردنية على طول 378 كيلومترا من الحدود، بل وتطلب إعلان الحرب من طرف رأس الدولة الأردنية الملك عبدالله الثاني في فبراير/شباط من عام 2022 حين أعلن من جبهته الشمالية وبكامل لباسه العسكري الميداني "العين الحمراء" على تجارة المخدرات والتهريب عبر الحدود.

بعض المهربين "المحترفين" من الجنوب السوري إلى الشمال الأردني اعترفوا بتلقيهم أوامر من ضباط "الفرقة الرابعة" في الجيش السوري

المعلومات المخابراتية والاستخباراتية الأردنية، وصلت إلى قناعة حاسمة بإدارة إيرانية لمشروع ترويج المخدرات في الإقليم عبر الأردن ومن خلاله. ولتوضيح البذخ الإيراني "المباشر" في ترويج المخدرات كهدف سياسي لا كمؤسسة ربحية وحسب، فإن مصدرا أمنيا رفيع المستوى في العاصمة الأردنية، أوضح لي في لقاء سابق قبل عامين، بما يملكونه من وثائق وأدلة أن بعضا من المهربين "المحترفين" من الجنوب السوري إلى الشمال الأردني اعترفوا بتلقيهم أوامر من ضباط "الفرقة الرابعة" في الجيش السوري التي يقودها اللواء ماهر شقيق الرئيس بشار الأسد، وبحضور إيرانيين، بأن يرموا البضائع المليونية التي يحملونها في الطريق حال إحساسهم بالخطر.
رمي تلك البضاعة في الطريق مع تعويض المهرب بمثلها، يعني استهدافا منهجيا لإدخال المخدرات إلى العمق العربي في الجزيرة العربية عبر البوابة الأردنية التي ما زالت حتى اللحظة قادرة "بمشقة" على دفع الضرر الأكبر، ومع ذلك، فالمخدرات تملأ السوق الأردنية بسهولة ورخص في السعر أكثر من شراء علبة سجائر عادية.
حبة الكبتاغون في السوق الأردنية تساوي عشرة قروش، وعبوة الجوكر التي يمكن تصنيع ثلاثين سيجارة منها تكلف ثلاثة دنانير، ومادة الكريستال هي الأغلى سعرا فالغرام الواحد منها يصل إلى مائة دولار، ومع ذلك تم العثور على جيوب توزيع في الأردن تقوم ببيعها بأقل من سعر تكلفتها الحقيقية وهي مادة منتشرة لدى الفئة القادرة على شرائها عموما.

تحالف بقيادة إيرانية 

لقد وجد النظام السوري ضالته الاقتصادية بإنعاش نفسه وبمعية وشراكة بين "الفرقة الرابعة"، و"حزب الله"، وبرعاية إيرانية مباشرة في مجال التكنولوجيا والدعم اللوجستي التقني، من خلال تعظيم صناعة المخدرات على الأراضي السورية، وذلك بدءا من عام 2013، حيث بدأت خطة تصدير المخدرات إلى ثلاث جهات مستهدفة: الجزيرة العربية، وشمال أفريقيا، وسواحل أوروبا.

القوات المسلحة الاردنية
حبوب مخدرة ضبطها الجيش الأردني عند الحدود مع سوريا

وحسب دراسة أعدتها وحدة الدراسات والأبحاث في "مركز الحوار السوري"، يُقدر حجم اقتصاد المخدرات السوري– خاصة قيمة تجارة حبوب الكبتاغون– في البلاد بما يقارب 16 مليار دولار أميركي سنويا، وهو ما يعادل 3 أضعاف ميزانية الحكومة السورية لعام 2022.

وتضيف الدراسة ذاتها أن مجمل ما صادرته السلطات في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بصورة رئيسة كان في مجموعه لا يقل عن 173 مليون حبة كبتاغون (34.6 طن) و12.1 طن من الحشيش المصدرة من سوريا عام 2020، مقدرا القيمة السوقية لهذه الكمية المصادرة من حبوب الكبتاغون بما يقارب 3.46 مليار دولار أميركي.

حين أعلن الجيش الأردني "تغيير قواعد الاشتباك" قبل عامين، كانت تلك لهجة تخفف حدة الوصف الحقيقي للحالة: الحرب.

وهي حرب التقطها الجيش الأردني بمعلومات استخبارية لا التباسات فيها، واستخبارات الجيش الأردني معروفة بانضباطيتها وتميزها عن باقي الأجهزة "الأمنية" في الأردن بأنها لا تنشغل بالسياسة ومهتمة بعقيدتها العسكرية الواضحة والمحددة بحماية الحدود واستقرار مؤسسات الدولة. انتهى تراكم المعلومات المتسارع والدقيق بالجيش إلى تغيير "قواعد الاشتباك" نحو حرب معلنة على عدو غير معلن، حرب باسم الإقليم وبتفويض "الضرورة" الواضح لا بمزاجية القرار السياسي الملتبس، حسب المعلومات.

font change

مقالات ذات صلة