قفاز حرير ليد إيران الثقيلة

شعار "وحدة الساحات" لم يكن إلا معركة منفصلة

قفاز حرير ليد إيران الثقيلة

بعيد عملية "طوفان الأقصى" وبدء حرب إسرائيل الهمجية على قطاع غزة، كتبت على صفحات "المجلة" أن "إيران تريد أن تفاوض على جميع الملفات، وأن تكون على جميع الطاولات، لتتفرغ لما بعد فلسطين في مشروعها الخطير". واليوم يبدو أن إيران قد بدأت تستعد لقطف ثمار انتصارها، وليس انتصار فلسطين، مما حل في غزة.

إيران التي شنت أذرعها العديدة هجمات على القوات الأميركية ومصالح غربية في العالم العربي بذريعة دعم غزة، لم تؤثر هذه الهجمات على سير المعارك في غزة ولم تثنِ إسرائيل عن ارتكاب أي من جرائمها بحق الفلسطينيين العزل في القطاع الفلسطيني المحاصر.

في سوريا شنت ميليشيات موالية لإيران نحو 100 هجوم على قواعد أميركية منذ بدء الحرب على غزة، وما يقارب 40 هجوما في العراق، لم تتعرض هذه القواعد لأي أضرار تذكر ولم يسقط أي ضحايا من الجنود الأميركيين، بل سقط سوريون وعراقيون.

ليتسرب في الإعلام قبل أيام أن واشنطن لم تعد مهتمة بالبقاء في سوريا، فيعود البيت الأبيض وينفي الخبر ويعلن أن إدارة الرئيس جو بايدن لا تفكر في الانسحاب من سوريا.

جوهر الوجود الأميركي في سوريا هو محاربة "داعش" لا محاربة ميليشيات إيران

هي ليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن نية انسحاب الجنود الأميركيين والذين لا يبلغ عددهم الألف من سوريا، وإن كان هذا الوجود سينتهي عاجلا أم آجلا، إلا أن أمامه ترتيبات واستعدادت لم تستكمل بعد، وخصوصا أن جوهر الوجود الأميركي هو محاربة "داعش"، لا محاربة ميليشيات إيران التي وسعت من وجودها ونشاطها في السنوات الأخيرة في مناطق شرق سوريا حيث الوجود الأميركي.
وإن كان خبر الانسحاب من سوريا الآن قد تم نفيه، فإن خبر الانسحاب من العراق تم تأكيده، حيث أعربت الولايات المتحدة للحكومة العراقية عن استعدادها للبدء في محادثات حول إنهاء مهمة التحالف الدولي ضد "داعش" في العراق، وانسحاب قواتها من هناك.
وذكرت "رويترز" أن السفيرة الأميركية في العراق ألينا رومانوسكي، وجهت رسالة لوزير الخارجية العراقي فؤاد حسين حول انسحاب قوات "التحالف الدولي" وإطلاق آلية لرسم العلاقات الثنائية.
قد يستغرق الانسحاب سنوات، ولكن لا يمكن رؤية الانسحابات الأميركية سياسيا وعسكريا من المنطقة إلا كانتصار جديد لإيران، فالدول التي تصارع الطرفان فيها وتفاوضا عليها أصبحت دولا فاشلة، والكلمة الفصل فيها هي لإيران وأتباعها.

ترافقت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مع حرب إعلامية بدأت منذ اللحظة الأولى ضد كل ما له علاقة بمفهوم الدولة في العالم العربي، والأصح ضد كل ما هو عربي

في لبنان أيضا، وبعد أن أصبح فشل سياسييه أمرا اعتياديا، إن بوقف الانهيار الاقتصادي الحاصل منذ أكثر من أربع سنوات، أو بإنهاء الفراغ الرئاسي الذي تحول إلى أمر روتيني عند نهاية ولاية كل رئيس، صار الحديث أكثر فأكثر عن أن قرار انتخاب رئيس من عدمه، واختيار اسم الرئيس موجود في ضاحية بيروت الجنوبية، معقل ميليشيا "حزب الله"، الذراع اليمنى لإيران في المنطقة.
أما في اليمن، ومع استمرار ميليشيا "أنصار الله" في شن هجماتها على السفن، وأيضا بذريعة دعم غزة، فإن المتضرر ليس فقط التجارة العالمية التي تمر من البحر الأحمر، بل سيتكشف مع الأيام حجم الخسائر المصرية جراء تراجع عائدات قناة السويس، مصر الغارقة أساسا في أزمات مالية واقتصادية لا تنتهي.
ترافقت الحرب الإسرائيلية الهمجية على قطاع غزة، مع حرب إعلامية بدأت منذ اللحظة الأولى ضد كل ما له علاقة بمفهوم الدولة في العالم العربي، والأصح ضد كل ما هو عربي، وتم نشر كميات هائلة من المعلومات الخاطئة حتى تحولت مع تكرارها عند الكثيرين إلى حقائق لا تقبل الشك. في الوقت نفسه وبحملة إعلامية لا تقل شراسة نشرت إيران وأبواقها أن كل ما تقوم به ميليشياتها هو في سبيل دعم غزة، شيء ما يشبه تدمير حلب والموصل تحت راية "طريق القدس"، والنتيجة أن المدن العربية تدمرت واحدة تلو الأخرى، ولم تعرف بوصلة إيران طريقها إلى القدس، واليوم دمرت غزة واستشهد عشرات الآلاف من أهلها، وشعار "وحدة الساحات" لم يكن إلا معركة منفصلة اتخذت من غزة ذريعة لتثبت أقدام الاحتلال الإيراني في المنطقة، ولتقبض في النهاية إيران ثمن عدم تدخلها في الحرب على غزة.

font change