قلق في إيران... هل تندلع الحرب مع أميركا؟

دعوات لتنشيط "الديبلوماسية السرية"

EPA
EPA
مسؤولون إيرانيون يستعرضون المسيرة "كرار" التي دخلت إلى الخدمة أثناء احتفال بطهران في 10 ديسمبر 2023

قلق في إيران... هل تندلع الحرب مع أميركا؟

حاز الهجوم بطائرة مسيرة على "البرج 22" في الجزء الأردني من "قاعدة التنف" الأميركية على الحدود الأردنية السورية العراقية في 28 يناير/كانون الثاني، وأدى إلى مقتل ثلاثة جنود أميركيين وإصابة نحو 30 آخرين، على اهتمام الصحافة الإيرانية التي تناولت الحدث من زاويا مختلفة، لعل أبرزها تقدير ما إذا كان الرد العسكري الأميركي سيحصل داخل الأراضي الإيرانية أم لا؟ وما إذا كان هذا الرد سيؤدي إلى اندلاع حرب مباشرة بين أميركا وإيران؟ مع الإشارة إلى أن الشارع الإيراني قلق من احتمال نشوب الحرب بين البلدين.

لكن التوجه الغالب في المقالات الإيرانية عن هذا الهجوم وتداعياته المحتملة هو أن كلا البلدين لا يريدان الحرب، مع التركيز على الضغوط التي يواجهها الرئيس الأميركي جو بايدن داخل مجلس الشيوخ من قبل الجمهوريين للرد بقوة على إيران وصولا إلى إعلان الحرب ضدها، مستبعدة أن يلجأ الأخير إلى مثل هذا الخيار لأنه "لا يريد أن يدخل في حرب لا مع إيران ولا مع دول أخرى في المنطقة لما لذلك من أثر سلبي على تنافسه مع الصين وروسيا". وفي المقابل تشيد بعض المقالات المنشورة بقرار المرشد الإيراني علي خامنئي عدم توريط بلاده في أي حرب منذ 35 عاما، واصفة إياه بالعقلاني. كما يقترح بعض الكتاب الإيرانيين إجراء مفاوضات مباشرة بين واشنطن وطهران لـ"احتواء التصعيد".

كذلك تكرر الصحافة الإيرانية كلام السلطات في طهران عن أن الميليشيات الموالية لإيران لا تأخذ أوامرها منها، لكنها تحذر في المقابل من أن أي رد عسكري أميركي داخل الأراضي الإيرانية سيجعل هذه الميليشيات تواصل هجماتها ضد القوات الأميركية في المنطقة.

ونشرت وكالة أنباء "رجا نيوز" التابعة للتيار الأصولي المتشدد تقريرا حول الهجوم على قاعدة "البرج 22" الأميركية قرب الحدود الأردنية السورية يوم ، ومقتل 3 جنود أميركيين وإصابة نحو 30 آخرين.

ولفت التقرير المنشور يوم 29 يناير إلى إن "الهجوم على الأردن أرسل رسالة قوية إلى الولايات المتحدة مفادها أن العالم بعد (طوفان الأقصى) بات مختلفا تماما عن ذي قبل، إذ ستصبح فيه مفاهيم على غرار الهيمنة، والقوى العظمى، في مهب الريح"، معتبرا أن "الولايات المتحدة لا تستطيع أن تكون مثلما كانت في العراق وأفغانستان وفيتنام".

وإذ أشار إلى أن الجمهوريين يمارسون ضغوطا على الإدارة الديمقراطية من أجل الرد الانتقامي والصارم والمباشر ضد إيران، اعتبر أن "الولايات المتحدة لا تستطيع الدخول في حرب شاملة مع إيران بسبب ظروف أميركا في الشرق الأوسط ومكانة إيران والتحديات الكبيرة التي ستنتج بعد المواجهة المباشرة والمنافسة مع الصين وروسيا والانتخابات الأميركية القادمة".

وإذ أشار إلى أنّ "هناك تكهنات عديدة بشأن الانتقام الأميركي القادم"، لفت إلى أن "وسائل إعلام عديدة اعتبرت أن إيران ستكون هدف هذا الانتقام بسبب تصريحات عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي الجمهوريين الداعية إلى الحرب مع إيران".

الضربة العسكرية على إيران تدفع طهران إلى تسريع برنامجها النووي بشكل كبير وهذا أمر لا ترغب فيه الولايات المتحدة

وكالة "رجا نيوز"

وتابع التقرير أن "هذه التصريحات تشير إلى أن الجمهوريين يريدون أن يضعوا إدارة بايدن في مفترق طرق صعب واستغلال هذه الأزمة لأهداف حزبية"، مشيرا إلى أن "بايدن يضطر في ظل هذه الظروف إما أن يعلن الحرب على إيران وهو ما يشكل انتصارا كبيرا للجمهوريين وتحديا يصعب احتواؤه لإدارة بايدن، وإما أن يختار عدم الرد وعندها يواجه انتقادات من الجمهوريين الذين سيعتبرونه جبانا وأضر بسياسة الردع الأميركية". 
وذكّر بأن إدارة ترمب لم توجه ضربة عسكرية على إيران بعد الهجوم الصاروخي المباشر على قاعدة عين الأسد (في أعقاب اغتيال قاسم سليماني)، معتبرا أن سبب ذلك هو خوف الأميركيين على حياة جنودهم. 

وتابع التقرير: "لا تريد إدارة بايدن تكرار الفشل الذي منيت به الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان،  ولذلك فهي تعتقد أنه يجب أن لا تدخل في حرب لا مع إيران ولا مع دول أخرى في المنطقة وبالتالي فإنها تبتعد عن اتخاذ قرار متعجل غير مدروس لأنها ستورط نفسها في تحديات جديدة وكبيرة، وذلك بعد أن تورطت في أوكرانيا".

 AFP
الرئيس بايدن يضع يده على قلبه وإلى جانبه عقيلته أثناء نقل جثامين الجنود الذين قتلوا في الهجوم على "البرج 22"، في قاعدة دوفر الجوية في 2 فبراير

كما أشار إلى أن أميركا تخوض منافسة حامية مع الصين وروسيا ولذلك فإن دخولها في حرب أخرى سيكون له، بحسب التقرير، أثر سلبي كبير على منافستها مع تلك القوى ويؤدي إلى تراجع دورها وسلطتها على المستوى الدولي.

ونقل عن مراقبين أميركيين قولهم إن "الضربة العسكرية على إيران تدفع طهران إلى تسريع برنامجها النووي بشكل كبير وهذا أمر لا ترغب فيه الولايات المتحدة بتاتا". كما أن الرد العسكري الأميركي في إيران سيؤدي، بحسب هؤلاء المراقبين، إلى تصعيد كبير في المنطقة، ويدفع الاتفاق المحتمل حول وقف إطلاق النار في غزة إلى الهامش، كما سيستمر الحوثيون في هجماتهم في البحر الأحمر وسيستمر وكلاء إيران في سوريا والعراق باستهداف القوات الأميركية والإسرائيلية، وسيورط "حزب الله" الحكومة الإسرائيلية في "مشاكل أكبر"، بحسب هؤلاء المراقبين.

وخصل إلى أنه "سيكون هذا هو المستنقع الكبير الذي تحاول إدارة بايدن تجنبه لأنه سيقضي على آمال بايدن بالفوز بفترة رئاسية أخرى وسيقدم عن بايدن صورة المهزوم أكثر فأكثر".

إذا اتخذت أميركا قرارا بالحرب على إيران فذلك سيحرق المنطقة بأسرها

موقع "نامة نيوز"

من جهته يشير علي بيغدلي، المحلل المختص في شؤون السياسة الخارجية، خلال حوار مع "نامة نيوز" الموقع الإخباري التحليلي في 31 يناير إلى أن "إيران أعلنت أن محور المقاومة لا يأخذ أوامر من طهران". وإذ اعتبر أن "الأميركيين لم يقبلوا هذا الكلام"، اقترح أن تنشّط بلاده "الدبلوماسية السرية"، وتجري مفاوضات مع الأميركيين من خلال وسطاء على غرار قطر لمنع أميركا من شن هجوم عسكري على إيران"، قائلا: "نمر بمنعطف خطير وغير مسبوق". 
وأضاف بيغدلي: "بايدن على مفترق طرق فهو لا يستطيع أن يتجاهل مقتل 3 جنود أميركيين من جهة كما أنه غير واثق بشأن طبيعة الرد الأميركي من جهة أخرى. كما أنه يواجه الانتخابات الرئاسية وقد يؤثر هذا الرد على مصيره في الانتخابات".
وأردف: "ستقوم الولايات المتحدة بالرد غير أن إيران وأميركا لا تريدان توسيع رقعة الصراع"، معتبرا أنه "إذا اتخذت الولايات المتحدة قرارا بالحرب على إيران فتلك الحرب ستحرق المنطقة بأسرها".
 وخلص إلى القول إن "المشكلة الأخرى هي استمرار هذه الموجة من الأفعال وردود الفعل والتي قد تؤدي إلى حرب مباشرة بين طهران وواشنطن".

"وكلاء مستقلون"

وفي مقال بعنوان "تطورات المنطقة تحت ضوء ابتكارات المقاومة" في 30 يناير، اعتبر سعد الله زارعي، أن الهجوم على "البرج 22" الأميركي يشكل تطورا جديدا ومهما. وأشار إلى أن وكلاء إيران في المنطقة كانوا يأخذون أمورا كثيرة في الحسبان خلال استهدافهم للقواعد الأميركية، ولكن مقتل القيادي بالحشد الشعبي مشتاق طالب السعيدي خلط الأوراق.

ولفت إلى هؤلاء الوكلاء لا يبادرون إلى التصعيد إلا إذا كانوا مضطرين، وذلك مرهون، برأيه، بالسياسة العسكرية الأميركية الراهنة في دعم إسرائيل.

بدوره كتب رضا صدر الحسيني في الموقع الإلكتروني لصحيفة "جام جم" مقالا بعنوان "مؤشرات تراجع النفوذ الأميركي في المنطقة" في 31 يناير، بدأه بالقول إن تراجع النفوذ الأميركي في المنطقة جعل المسؤولين الأميركيين يقومون بزيارات مستمرة إلى المنطقة لفرض مواقفهم على دولها، معتبرا أن ذلك دليل على أن الولايات المتحدة عاجزة عن استخدام نفوذها في المنطقة.
 
ودافع الكاتب عن قرار "كتائب حزب الله" في العراق بتعليق هجماتها ضد القوات الأميركية، مكررا كلام السلطات في إيران عن أن "هذا القرار يؤكد على استقلالية القرار العراقي". وإذ علل القرار بأن "حزب الله العراقي قد اتجه إلى مقاربة أخرى لدعم غزة"، قال أنه لا يجب تفسير هذا القرار بأنه تحول استراتيجي في مواقف الجماعة الموالية لإيران.

التصعيد المباشر بين إيران والولايات المتحدة يصب في مصلحة إسرائيل

صحيفة "اعتماد"

وكشف أمير دبيري مهر، في مقال بعنوان "لن يكون هناك حرب"، في صحيفة "آرمان إمروز" يوم 26 يناير، أن الهجوم على "البرج 22" أثار قلق الشارع الإيراني حول احتمال نشوب حرب بين إيران من جهة وأميركا وإسرائيل من جهة ثانية، معتبرا أنها لن تحصل لأربعة أسباب، هي: "أولا، ستستمر إسرائيل بعملياتها الإيذائية ضد إيران ولكنها لا تجرؤ وغير قادرة على مواجهة مباشرة مع إيران، وسيحصل الصراع بين الطرفين في دولة ثالثة على حد أقصى، مما يعني أن مستوى الصراع أمني وخارج الحدود الإيرانية ويتمثل الجزء الأكبر منه في الحرب النفسية. 
أما السبب الثاني فهو برأيه، أن الولايات المتحدة لن تدخل في مواجهة مباشرة مع إيران في عامها الانتخابي،  معتبرا أنها ستكف عن دعمها للحرب الإسرائيلية في غزة.

AFP
بايدن خلال نقل جثمان أحد الجنود الذين قتلوا في الهجوم على "البرج 22" في قاعدة دوفر الجوية في 2 فبراير

وأشار، ثالثا، إلى أن المرشد الإيراني لم يسمح خلال الأعوام الخمسة والثلاثين الأخيرة بتوريط إيران في الحروب بتاتا حتى في حوادث كبيرة على غرار قتل الدبلوماسيين الإيرانيين في أفغانستان وأحداث 11 سبتمبر/أيلول، لافتا إلى أن "هذه السياسة الإيرانية مستمرة بقوة". وخلص، رابعا، إلى أن مقاربة بلاده لتجنب الحروب تبدو عقلانية.

بدوره اعتبر أبو الفضل فاتح، في مقال بصحيفة "اعتماد"، في عددها الصادر يوم 31 يناير، أن "التصعيد المباشر بين إيران والولايات المتحدة يصب في مصلحة إسرائيل المتورطة في مأزق غزة". ورأى أن "إسرائيل بقيادة نتنياهو واليمين المتطرف لم تحقق أهدافها في غزة"،  قائلا إن "المواجهة العسكرية المباشرة بين إيران وأميركا ستكون نتائجها مدمرة غير أنه من شأن مفاوضات مباشرة وفورية لاحتواء التصعيد أن تؤمّن المصالح طويلة المدى للطرفين من خلال لعبة الفوز للجميع".
وأضاف: "لا تزال المفاوضات بين طهران وواشنطن أفضل خيار للطرفين وخصوصا قبل بدء المواجهة العسكرية"، مردفا: "ستكون المفاوضات بين الطرفين في مصلحة المنطقة وموازين القوى فيها والشعب في غزة والإنسانية جمعاء لأنها توفر فرصة لحصول اتفاق نسبي بين الطرفين حول الأزمات في المنطقة وستمثل ورقة ضغط على إسرائيل بهدف الوصول لاتفاق وقف إطلاق النار".

نتنياهو يحاول جر إيران إلى الحرب وإذا لم يتصد العالم له فإنه سيتجه نحو أكبر الحروب

صحيفة "توسعة إيراني"

ونشرت صحيفة "توسعة إيراني" تقريرا بقلم محبوبة ولي يوم 30 يناير بعنوان "هل يجازف بايدن بتجاوز الخط الأحمر الإيراني؟". ورأت الكاتبة أن "إيران أعلنت بأن لاصلة لها بهجمات جماعات المقاومة على الأهداف الأميركية، كما أنها أعلنت أن أي هجوم عسكري على إيران خط أحمر"، وأضافت: "بالتالي فإذا تجاوزت الولايات المتحدة هذا الخط الأحمر قد تخرج الأوضاع في المنطقة عن السيطرة". 
وأردفت: "يجب أن نتنظر لنرى هل تعمل الولايات المتحدة باعتبارها الداعم الرئيس والأكبر لإسرائيل على احتوائها وإقناعها بإنهاء الحرب في غزة لوقف قصفها من قبل معسكر المقاومة أم إنها تطلق موجة جديدة من أحجار الدومينو من خلال تبادل إطلاق النار في المنطقة، ما قد يتسبب في جر إيران إلى الحرب من غير قصد؟".

font change

مقالات ذات صلة