الهجوم على "البرج 22" الأميركي... رهان إيران المحفوف بالمخاطر

هدف طهران طرد القوات الأميركية من سوريا والعراق

REUTERS
REUTERS
صورة عبر القمر الصناعي تظهر الموقع العسكري الأميركي، "البرج 22"، في الركبان بمنطقة الرويشد في الأردن في 12 أكتوبر 2023

الهجوم على "البرج 22" الأميركي... رهان إيران المحفوف بالمخاطر

في 28 يناير/كانون الثاني الجاري، استهدف هجوم شنته الميليشيات المتحالفة مع إيران قوات أميركية في "البرج 22" شمال شرقي الأردن، فقتل ثلاثة من أفراد الخدمة الأميركية وأصاب أكثر من 30 آخرين، ما فاقم بشكل كبير التوترات القائمة أساسا في قطاع غزة.

وسرعان ما أعلنت "المقاومة الإسلامية في العراق"، وهي مجموعة من الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا تدعمها إيران، مسؤوليتها عن الحادث. وربطت في بيانها بوضوح بين الهجوم وتصرفات إسرائيل في غزة، مما يشير إلى أن هدف إيران والميليشيات التابعة لها هو الضغط على الرئيس الأميركي جو بايدن ووضعه في مأزق، فإما أن يضغط على إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار في غزة، وإما يواجه تصعيدا إيرانيا مستمرا في العراق وسوريا بهدف طرد القوات الأميركية من كلا البلدين.

ليست الهجمات على القوات الأميركية في العراق وسوريا من قبل الميليشيات المدعومة من إيران حدثا طارئا، وقد اعترفت "المقاومة الإسلامية في العراق" بتنفيذ 178 هجوما، وهو رقم يتوافق بشكل وثيق مع البيانات التي جمعها خبراء في "معهد واشنطن". وطوال فترة الصراع في غزة، استخدمت هذه الميليشيات تكتيكات مختلفة، بما في ذلك الهجمات الصاروخية والطائرات دون طيار ضد القواعد الأميركية في العراق وسوريا. وتعتبر الصواريخ مثيرة للقلق بشكل خاص بسبب عدم دقتها، مما يزيد من احتمالية حدوث عواقب وخيمة وربما إثارة ردود فعل كبيرة من الجيش الأميركي. وفي المقابل، توفر الطائرات دون طيار قدرا أكبر من الدقة، مما يمكّن الميليشيات من استهداف القوات الأميركية مع تقليل أخطار العواقب غير المقصودة.

كان صناع السياسة الأميركيون ينظرون في السابق إلى وجود القوات الأميركية كعامل توازن ضد النفوذ الإيراني في المنطقة

بيد أن هجمات 28 يناير هذه تمثل تحولا كبيرا في جوانب عدة. أولا، تشير خطورة الهجوم، الذي تسبب في سقوط كثير من القتلى والجرحى، إلى نية متعمدة لإلحاق الأذى وليس مجرد المضايقة. ثانيا، يسلط موقع الهجوم في الأردن الضوء على توسع أنشطة الميليشيات في مناطق جديدة، مما يضع حكومة الأردن وشعبها في موقف صعب بين تحالفهم مع الولايات المتحدة في سوريا والعراق واتفاق السلام مع إسرائيل، بينما تعارض عمان بشدة هجوم إسرائيل على غزة. ثالثا، تأتي هذه الحادثة في أعقاب مناقشات داخلية داخل إدارة بايدن حول الانتشار المستقبلي للقوات الأميركية في سوريا والعراق، مما يضيف بعدا جديدا لهذا النقاش.

سمح انتشار القوات الأميركية في سوريا، بناء على طلب من الحكومة العراقية في عام 2014، بإعادة دخول القوات الأميركية إلى العراق ومشاركتها اللاحقة في سوريا. وقد أدت هذه الخطوة، التي جاءت ردا على صعود "داعش" ولم تكن مرتبطة بشكل مباشر بالانتفاضة السورية، إلى بذل جهود عسكرية كبيرة لإضعاف هذا التنظيم وهزيمته. وبعد إعلان النصر على "داعش" في سوريا عام 2019، واصلت القوات الأميركية وجودها في كل من العراق وسوريا، كجزء من جهد دولي لمنع عودة ظهور التنظيم الإرهابي في خضم القضايا السياسية التي لم ترَ طريقها للحل في الصراع السوري المستمر.
وكان صناع السياسة الأميركيون ينظرون في السابق إلى وجود القوات الأميركية كعامل توازن ضد النفوذ الإيراني في المنطقة.

AFP
جنود أميركيون يقومون بدورية في ريف الرميلان بمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، في 7 يونيو 2023

وقد تسامحت إيران وميليشياتها إلى حد ما مع هذا الوجود بسبب الهدف المشترك وقتها المتمثل في مكافحة "داعش" والتطرف السني. ومع ذلك، شهدت الأشهر التسعة الأولى من عام 2023 عددا من الهجمات التي شنتها الميليشيات الإيرانية على القوات الأميركية، بما في ذلك غارة بطائرة دون طيار أسفرت عن مقتل مقاول أميركي. ولكن على الرغم من هذه الأحداث، ظلت إدارة بايدن ترى أن بإمكانها لجم إيران وأن الوضع يمكن التحكم فيه، بما يتماشى مع الهدف الاستراتيجي الأميركي الأوسع لتحويل التركيز نحو آسيا، كما كان مخططا في البداية خلال إدارة أوباما.
غير أن حرب غزة قلبت ذلك كله. فطهران ووكلاؤها يهاجمون الولايات المتحدة في العراق وسوريا، وفي البحر الأحمر، ويشن "حزب الله" وإسرائيل هجمات– وإن بحذر– على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية. من خلال مهاجمة "البرج 22" في شمال شرقي الأردن والتسبب في سقوط الكثير من الضحايا، يبدو أن الميليشيات المدعومة من إيران تجبر إدارة بايدن على الاختيار بين مواصلة دعمها للحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة وتحمّل شن هجمات يومية في العراق وسوريا خلال انتخابات الثأر بين بايدن والرئيس السابق دونالد ترمب، وبين دفع إسرائيل إلى وقف إطلاق النار ووقف التصعيد في الشرق الأوسط الذي تعتقد طهران أنه لا الرئيس بايدن ولا الجمهور الأميركي لديهما الرغبة فيه.

قد تؤدي خطورة الهجوم الأخير إلى ظهور المزيد من التقارير التي تقول إن مساعدي بايدن يضغطون على نتنياهو لقبول عرض وقف إطلاق النار الحالي

ومع ذلك، فهو رهان محفوف بالمخاطر للغاية، ويمكن أن يأتي بنتائج عكسية عاجلا إن لم يكن آجلا، ذلك أن الشعب الأميركي يكره شيئا واحدا فقط أكثر من كراهيته للحروب التي لا نهاية لها، وهو أن يفر من بلد ما وهو يجر أذيال الخيبة. ويتذكر الرئيس بايدن جيدا أن معدلات تأييده الشعبي انخفضت بشكل حاد خلال الانسحاب الأميركي الكارثي من أفغانستان، من حوالي 60 في المئة إلى حيث استقرت الآن حول 40 في المئة.
وقد تؤدي خطورة الهجوم الأخير بالفعل إلى ظهور المزيد من التقارير التي تقول إن مساعدي بايدن يضغطون على نتنياهو لقبول عرض وقف إطلاق النار الحالي، مما يزيد الضغط على بايدن في حزبه الديمقراطي لاتخاذ خيار صعب. لكن من المرجح أيضا أن يؤدي ذلك إلى زيادة الضغط على بايدن للرد بقوة أكبر ضد الوكلاء المدعومين من إيران في المنطقة، وهو ما فعله سلفه دونالد ترمب حين قتل قائد "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري الإيراني"، قاسم سليماني.

AFP
الرئيس الأميركي جو بايدن أثناء تعليقه على الهجوم على "البرج 22" بولاية ساوث كارولينا في 28 يناير

والمرجح أن يُستخدم رد ترمب على العدوان الإيراني في المنطقة، على الرغم من توسع البرنامج النووي الإيراني، لإظهار أن محاولات الرئيس بايدن لاحتواء إيران في المنطقة قد فشلت، وأن اتباع نهج جديد أكثر قوة بات الآن ضروريا للحفاظ على موقف الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط وخارجه.

*أندرو جيه. تابلر: كبير الباحثين لمارتن جيه. غروس في برنامج معهد واشنطن للسياسة العربية، ومدير سابق لقسم سوريا في مجلس الأمن القومي الأميركي ومستشار أول سابق في وزارة الخارجية.

font change

مقالات ذات صلة