لا تنتظروا خفض أسعار الفائدة الأميركية الآن

أخطار حدوث موجة ثانية من التضخم لا تزال كبيرة للغاية

لا تنتظروا خفض أسعار الفائدة الأميركية الآن

هل تمت السيطرة على التضخم أم أنه سيعاود الارتفاع؟

هذا السؤال يستحوذ على اهتمام أسواق السندات ويحكم الآفاق الاقتصادية للعالم. في مطلع السنة الجارية، بعدما أعلن بنك الاحتياطي الفيديرالي النصر على الارتفاع المفرط للأسعار في الولايات المتحدة الأميركية، انهارت عائدات السندات توقعا لحدوث انخفاضات عديدة في أسعار الفائدة. أما اليوم فيبدو ذلك الرهان سابقا لأوانه.

في الأشهر الثلاثة الماضية، ارتفعت أسعار المستهلك الأساسية، التي تستثني المواد الغذائية والطاقة، بمعدل سنوي نسبته 4 في المئة، بعدما كانت 2.6 في المئة في الأشهر الثلاثة التي سبقت أغسطس/آب. فقد فاق ارتفاع أسعار المنتجين ما كان متوقعا، وارتفعت توقعات المستهلكين في شأن التضخم في السنة المقبلة أيضا.

ومع أن التضخم أقل بكثير من الذروة التي بلغها، فإنه لم يهزم بعد. نتيجة لذلك، عادت عوائد سندات الخزانة إلى ما كانت عليه تقريبا قبل التحول الدبلوماسي لبنك الاحتياطي الفيديرالي. ولا تزال العائدات على السندات الطويلة الأجل مرتفعة.

تشهد أسعار السلع تراجعا اليوم، مع أنها تأثرت باضطراب حركة الشحن في البحر الأحمر، لكن مصدر مشكلة اليوم هو ارتفاع أسعار الخدمات العالمية

تبين أن التضخم مستمر في أماكن أخرى. فقد سجلت منطقة اليورو ارتفاعات كبيرة في الأسعار في يناير/كانون الثاني، وارتفع التضخم في السويد في يناير، وحذر البنك الاحتياطي الأوسترالي أخيرا من أن التضخم سيستغرق وقتا ليصبح "منخفضاً ومستقراً بشكل مستدام". وتهدد عودة التضخم بتأخير خفض أسعار الفائدة في كل مكان، لا سيما في أميركا.

ديانا استيفانا روبيو

لفهم ما يجري، يجب تفحّص نمط الطلب. فقد أدت جائحة "كوفيد-19" إلى حدوث إغلاقات وتقديم مساعدات سخية، فزاد الطلب على السلع وحدث اضطراب في سلاسل الإمداد. وفي سنة 2021 ارتفع سعر الغسالات في أميركا بمقدار 12 في المئة. وفي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، شهدت أسعار الطاقة والغذاء ارتفاعا شديداً. في المقابل، تشهد أسعار السلع العالمية انخفاضاً اليوم، مع أنها تأثرت باضطراب حركة الشحن في البحر الأحمر.

لذا فإن أسعار المواد الغذائية والطاقة معتدلة، لكن مصدر مشكلة اليوم هو ارتفاع أسعار الخدمات العالمية، ويرتبط تضخم أسعار الخدمات ارتباطا وثيقا بالظروف المحلية. فإذا كان هناك نقص في خدمات قص الشعر، فلا يمكنك استيرادها. لذا ليس من المستغرب أن ترتفع تكلفة الخدمات في أميركا. 

ففي الأشهر الثلاثة الماضية، خلقت سوق العمل المزدهرة 289 ألف وظيفة شهريا في المتوسط، أي أكثر من ضعف التقديرات للمعدل المستدام. وترتفع الأجور بوتيرة سنوية تزيد على 4.5 في المئة. كما ارتفع معدل إجمالي الناتج المحلي بمقدار 4.1 في المئة في النصف الثاني من سنة 2023، وتوحي المؤشرات الفورية بأن التوسع لا يزال مفيداً. فالاقتصاد يتمتع بقوة كبيرة إلى درجة توقع حدوث التضخم، حتى لو لم يحدث في العامين الماضيين.

عندما تقدم أسواق المال الأميركية عوائد مرتفعة في مقابل أخطار قليلة، فإن البلدان الفقيرة العديدة التي تجد صعوبة في الاقتراض بالدولار تواجه معاناة شديدة

في أماكن أخرى، يتسم الوضع بتوازن أكثر دقة. البطالة منخفضة في أوروبا لكن النمو أقل قوة. ودخلت بريطانيا في حالة ركود في نهاية سنة 2023. وتبدو استطلاعات قطاع الأعمال قاتمة في منطقة اليورو. لكن مخاوف التضخم محدودة بسبب الانخفاض الحاد في أسعار الغاز الطبيعي.

إقرأ أيضا: ألمانيا تقود أوروبا إلى الانضباط المالي... بعد النقدي

وسيخفض ذلك التضخم ويرفع معدل النمو الاقتصادي المستدام غير التضخمي. ويشهد الاقتصاد الصيني حالة من الخوف الشديد وانخفاضا في الأسعار. وفي اليابان، لا تزال أسعار الفائدة دون الصفر.

وإذا بقيت الضغوط التضخمية قوية بالقدر الكافي للسماح للبنك المركزي برفع أسعار الفائدة فسيعد ذلك انتصارا.

New York Stock Exchange

إذا كان هناك احتمال لحدوث موجة ثانية من التضخم التغييري في أي مكان، فسيكون ذلك في الولايات المتحدة. هذا يعني أن السياسة النقدية ستتباين على الأرجح، مع إبقاء بنك الاحتياطي الفيديرالي ارتفاع أسعار الفائدة حتى لو عمدت دول العالم الغني الأخرى إلى خفضها لإنعاش النمو.

ويعزز هذا النمط قيمة الدولار، الذي يشهد ارتفاعا بالفعل. وعندما تقدم أسواق المال الأميركية عوائد مرتفعة مقابل أخطار قليلة، فإن البلدان الفقيرة العديدة التي تجد صعوبة في الاقتراض بالدولار تواجه معاناة شديدة. 

إذا لم تنخفض أسعار الفائدة فقد تحدث مفاجآت غير سارة في وول ستريت أيضا. ويبدو أن سوق الأوراق المالية لم تكد تلاحظ خطورة أن تبقى السياسة النقدية متشددة هذا العام. في المقابل، فإن توقعات أسعار الفائدة المرتفعة في سنتي 2022 و2023 تسببت غالبا في بيع الأسهم لكي يعدل المستثمرون القيمة المخصومة للأرباح الآجلة. وليس هناك أدلة كثيرة على أن البنوك الصغيرة والمتوسطة الحجم في أميركا تمكنت من حل مشكلة التهديدات التي يشكلها ارتفاع أسعار الفائدة على ميزانياتها العمومية. لم تعد مشكلة التضخم كما كانت قبل عام، لكن العالم لم يتخلص من الخطر حتى الآن.

font change

مقالات ذات صلة