إصلاح النظام المالي العالمي... دعوات كثيرة وإرادة ضعيفة

لم تنجح محاولات المجموعات الدولية المتعددة في إحداث التغيير المطلوب لنظام مالي ونقدي عالمي أكثر عدالة

Alex William
Alex William

إصلاح النظام المالي العالمي... دعوات كثيرة وإرادة ضعيفة

صمم الهيكل المالي الدولي في مؤتمر "بريتون وودز" الذي انعقد عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية بهيمنة أميركية تمثلت في ترؤس ممثلها، هاري داكستر وايت، اللجنة الخاصة بوضع مشروع صندوق النقد الدولي، وترؤس ممثل حليفتها إنكلترا، اللورد جون مانيارد كينز، اللجنة الخاصة بوضع مشروع البنك الدولي للإنشاء والتعمير، الذي تحول لاحقا إلى مجموعة البنك الدولي.

هدف المؤتمر الى إرساء نظام نقدي دولي لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، يحول دون تكرار الأزمات التي حصلت بعد الحرب العالمية الاولى، من انهيار للعملات وأخطاء حولت أزمة عام 1929 إلى كساد، وذلك بربط كل العملات بالذهب بسعر صرف ثابت من خلال الدولار، حيث كانت الولايات المتحدة تحوز منفردة أكثر من ثلثي رصيد العالم من الذهب، ليبقى الدولار العملة الوحيدة القابلة للتحويل إلى ذهب. كذلك، هدف المؤتمر إلى إعادة إعمار أوروبا وبنائها على نحو يحول دون تحول القارة العجوز إلى بؤرة للثورات الشيوعية.

نجح النظام الذي تم ارساؤه في تعزيز التجارة والتمويل والنمو لنحو ثلاثة عقود. تمثلت الانتكاسة الأولى له في ظهور ما سمي بـ "معضلة تريفين"، إذ يتطلب العمل بهذا النظام، ضخ الدولارات عالميا باستمرار، وفي المقابل، تحتاج الولايات المتحدة إلى سحب هذه الدولارات لتتمكن من تسجيل الفوائض التجارية.

تعاقب الأزمات

مع غرق الولايات المتحدة لاحقا في العجز التجاري، انقلبت الأمور وغمرت الدولارات أوروبا واليابان، وباتت تفيض على احتياطات الذهب للولايات المتحدة، بحيث لم يعد في إمكانها الاستمرار في التزام التحويل الفوري من الدولار إلى الذهب عند أي طلب، كما حصل مع الجنرال شارل ديغول، مما دفع بالرئيس ريتشارد نيكسون إلى إعلان فك ارتباط الدولار بالذهب. تلت ذلك اتفاقات جامايكا في بداية عام 1976 التي وضعت حدا رسميا ونهائيا للتعادل الثابت، مما أعاد العملات العالمية إلى أسعارها المتغيرة وبقي الدولار العملة المرجعية في التسعير في مجالات عدة أهمها النفط.

أهم أخطار انتكاسات النظام المالي والنقدي الدولي، هي ترسيخ انقسام العالم إلى مسارين، أحدهما للأغنياء وآخر للفقراء، مع ما في ذلك من تشجيع لاندلاع الثورات والحروب والهجرة

وكانت الأزمات المالية والنقدية قد بدأت بالتواتر بعد عام 1945 ليبلغ عددها حتى اليوم 36 أزمة، واتسعت حدتها وتجاوز بعضها الحدود بسبب ترابط الأسواق المالية واندماجها.

تمخض عن ذلك ظهور سلسلة من التجمعات والاتفاقات للتعاطي مع الأزمات ومستجداتها أو التحوط منها، أهمها مجموعة الدول السبع ثم الثماني ثم العشر ثم العشرين ثم الأربع والعشرين، ولجنة إصلاح النظام النقدي الدولي واللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية ولجنة التنمية الاجتماعية (الاسكوا) وبنك التسويات الدولية في حلته المتجددة، والمنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية، ومجلس الاستقرار المالي، والوكالات العالمية لتقدير الجدارة الائتمانية ومجلس معايير المحاسبة الدولية ومجموعات الدائنين التي تعالج قضايا الديون السيادية كناديي باريس ولندن، وغيرها من تجمعات.

الحاجة إلى حوكمة عالمية

أهم الأخطار المتأتية من انتكاسة النظام المالي والنقدي الدولي، الخوف من ترسخ انقسام العالم إلى مسارين، أحدهما للأغنياء وآخر للفقراء، مع ما في ذلك من تشجيع لاندلاع الثورات وانتشار البؤر الأمنية، مما سيتسبب بموجات هجرة كثيفة نحو الغرب. في المقابل، ارتفع عدد المؤيدين لتوجه جيوسياسي قديم متجدد، يطالب بإرساء تعددية قطبية نقدية ومالية، تحد من هيمنة الدولار وسطوة الولايات المتحدة والدول الغربية المتقدمة على مؤسسات "بريتون وودز" ومن تماديها في فرض شتى العقوبات على المناوئين.

رويترز

وظهرت دراسات عديدة ومتنوعة تتناول المطلوب إجراؤه لإصلاح الهيكل المالي الدولي سعيا لإحياء الثقة فيه ودرء المزيد من التنافر في العلاقات المالية والاقتصادية الدولية. من أهم هذه الدراسات، التقرير الذي وضعته لجنة خبراء دوليين برئاسة البروفسور جوزف ستيغليتز بطلب من الأمم المتحدة، عن مسببات الأزمة المالية التي انفجرت عام 2008، والاجراءات المطلوبة لمعالجة ذيولها، من توسع نقدي هائل عالميا وتضخم قيم الأصول ثلاث مرات تبعا لذلك، بحسب معهد "ماكينزي" العالمي، وكذلك، التحوط من أزمات مالية مستقبلية. وقد فصلها ستيغليتز في كتاب حمل عنوان "من أجل إصلاح حقيقي للنظام النقدي والمالي الدولي بعد الأزمة العالمية". ووضعت الأمم المتحدة في مايو/أيار المنصرم تصورا لإصلاح الهيكل المالي الدولي المتصدع، سيتم عرضه على مؤتمر القمة "المعني بالمستقبل" المزمع عقده في السنة الجارية 2024، للبحث في الاتفاق على حلول متعددة الأطراف تعزز الحوكمة العالمية.

نحو نظام تعددي أكثر عدالة

الاصلاحات المطلوبة باتت معروفة ومتداولة، أهمها الآتية:

التأسيس لنظام تعددي نقدي ومالي يحد من الهيمنة، وقد بدأ السير به في الاجتماع الأخير لمجموعة "بريكس"، من خلال اتخاذ قرار العمل على إنشاء عملة مشتركة للمجموعة تتصدى لهيمنة الدولار. مشروع جذاب كونه يوسع دائرة الاستثمار في السندات والأدوات المالية في مختلف العملات، لكن دونه عقبات كثيرة تبدأ بتحرير الاقتصاد الصيني، ونجاح دول "بريكس" باعتماد معايير تدعم تجانس اقتصاداتها توطئة لإصدار العملة المشتركة الموعودة على نمط معايير "ماستريخت". علما أن إصدار اليورو استغرق ثلاثة عقود، ولا يوجد إلى اليوم، سند خزينة أوروبي موحد منافس للسند الأميركي، مما يشي بأن جل ما يمكن أن تفعله "بريكس" هو تكثيف الاتفاقات المتعلقة باستخدام العملات الوطنية في التبادلات الثنائية والمشتركة، والتوسع في أداتين، هما العملات الرقمية وأنظمة الدفع غير القائمة على الدولار.

الصيغة التلقائية التي اتفق عليها في اجتماعات ليما عام 2015 بالنسبة إلى البنك الدولي، لم تنفذ بفاعلية، إذ لا يزال هناك أكثر من 40 دولة ممثلة تمثيلا ناقصا

تعديل قواعد تشكيل إدارتي صندوق النقد والبنك الدوليين بهدف تحديث قواعد التصويت واتخاذ القرارات بديموقراطية ومواكبة تغير المشهد العالمي منذ تاريخ تأسيسهما في مؤتمر "بريتون وودز"، حيث شاركت 44 دولة، أما اليوم، فيبلغ عدد الدول الأعضاء في كلا المؤسستين 190 عضوا ولا تزال حكومات الدول المتقدمة تتمتع بحق النقض في اتخاذ القرار. لذا، من المهم توسيع نطاق مجلس الإدارة لتعزيز تمثيل الدول النامية فيه واعتماد الغالبية المزدوجة إلى جانب الغالبية العليا في التصويت (85 في المئة من حقوق التصويت و60 في المئة من الدول الأعضاء)، مما يؤسس لصدور القرارات على أساس توافقي.

كما ينبغي أن يكون هناك شفافية ومساءلة، فتتخذ القرارات بالاستناد إلى مواد ومسببات تُعرَض على الملأ لتعزيز الثقة في النظام المتعدد الأطراف.

كذلك، ينبغي تعديل صيغة تحديد حصة المساهمة لتصبح تلقائية بحيث تعكس التطورات الحاصلة مع مرور الزمن، دون أن تؤخرها المفاوضات السياسية التي تمتد عادة لسنوات. علما أن الصيغة التي اتُّفق عليها في عام 2008 بالنسبة إلى صندوق النقد الدولي تتضمن 50 في المئة على أساس الناتج المحلي الاجمالي، 30 في المئة على أساس الانفتاح التجاري، 15 في المئة على تقلب تدفقات رأس المال، و5 في المئة على مستويات الاحتياطات الدولية. أما الصيغة التلقائية التي اتفق عليها في اجتماعات ليما عام 2015 بالنسبة إلى البنك الدولي، فلم تنفذ بفاعلية، إذ لا يزال هناك أكثر من 40 دولة ممثلة تمثيلا ناقصا.

أما بالنسبة إلى صندوق النقد، فينبغي أيضا تعزيز فرص تمويله وتوسيع قدرته على الإقراض وفصل القيود المفروضة إن على إمكان الاقتراض منه أو على مخصصات حقوق السحب الخاصة عن حصص المساهمة في الصندوق.

معالجة قضية الديون السيادية للدول النامية والفقيرة بخفض تكلفة الاقتراض السيادي وإيجاد حل دائم للدول التي تنوء تحت عبء الديون السيادية، خصوصا تلك ذات الدخل المتوسط والمتدني.

DPA

يتم اللجوء عادة إلى الاقتراض السيادي للاستثمار في البنى التحتية والمشاريع الانتاجية بهدف تنمية الاقتصاد، تاليا زيادة حجم الإيرادات الضريبية، وصولا الى خدمة الدين السيادي واستمراريته. ويمكن أيضا اللجوء إلى الاقتراض السيادي للتصدي للكوارث والأزمات.

إلا أن الإدارة غير المسؤولة للديون السيادية، رفعت هذه الديون إلى مستويات حرجة وخطيرة لدى بعض الدول، وأوقعت أخرى في العجز عن سدادها، مما دفع المجتمع الدولي إلى البحث عن طرق منصفة وفاعلة لمعالجة هاتين المعضلتين. 

وكان هناك توافق لدى المشاركين في مؤتمر "مونتيري" لتمويل التنمية عام 2002 وفي خطة عمل أديس أبابا عام 2015 في ما يتعلق بمسألة القدرة على تحمل الديون، على اشتراك الدولة المدينة والجهة الدائنة في تحمل المسؤولية في خصوص التحوط من العجز عن سداد الدين وإيجاد حلول لذلك.

وينص الاقتراح على إنفاق الديون وإدارتها على نحو مسؤول من جانب الدولة المقترضة، وتحليها مع الجهة المقرضة بالشفافية، وعليها بذل العناية الواجبة في حسن إدارة الأخطار، على أن تقوم وكالات تقييم الجدارة الائتمانية بتحليل قدرات الدول المدينة على تحمل الدين لصالح الدائنين في إشراف صندوق النقد والبنك الدوليين، مع خضوعها للمساءلة القانونية المحلية والدولية عند انحرافها في أعمالها، كما حصل في تقييماتها الخاطئة لسندات الرهونات العقارية الأميركية، مما ساهم بوقوع أزمة عام 2008.

ومن أجل الحد من أخطار الديون السيادية، يتعين على المجتمع الدولي العمل للتوصل إلى توافق عالمي في شأن المبادئ التوجيهية المتعلقة بمسؤوليات المدينين والدائنين. وينبغي أن تتضمن هذه المبادئ تحسين إدارة الديون بشفافية من خلال سجلات بالبيانات الخاصة بالديون يمكن للجمهور الاطلاع عليها، وتعزيز نشر تحليلات القدرة على تحمل الديون والتصنيفات الائتمانية وتحديثها باستمرار لتعكس الواقع المتغير لأسواق الديون السيادية، وعلى نحو يمكن من إجراء مقارنة فضلى لقدرة جميع الدول المصدرة لسندات الديون السيادية على السداد.

ويتعين على الدائنين الحرص دائما على تضمين عقود الدين أحكاما خاصة بالظروف المستقبلية الطارئة، بحيث تعمل آلية خفض خدمة الدين تلقائيا في حال وقوع صدمات خارجية.

أخيرا، ينبغي دعم عملية تسوية أزمات الديون من خلال إعادة هيكلتها ضمن "الإطار المشترك" الذي وضعه نادي باريس ومجموعة العشرين، وبالاستناد إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 69 / 319 الذي صدر عام 2015.

المطلوب اليوم لمكافحة الأزمات والكوارث بفاعلية، أن تتم عملية إصدار حقوق السحب الخاصة بسرعة وبصورة تلقائية عند بداية هذه الأزمات والكوارث

توسيع إطار التمويل الميسر والآجل لتحقيق أهداف التنمية والتصدي للتغيرات المناخية.

تتولى هذا الأمر حاليا المصارف الإنمائية العامة والمتعددة الأطراف. وقد اقترحت الهند، خلال رئاستها مجموعة العشرين في السنة المنصرمة، التركيز على إصلاحات المصارف الإنمائية المتعددة الأطراف، وعمد البنك الدولي نفسه إلى رسم خريطة طريق لذلك، تبدأ بزيادة عدد مساهميها وحجم قاعدة رأس المال المدفوع لهذه المصارف انسجاما مع تعاظم حجم الاقتصاد العالمي أو ازدياد احتياجات الاستثمار في التنمية المستدامة. وكان البنك الدولي قد أوصى في عام 2015 بالانتقال "من المليارات إلى تريليونات الدولارات" على أن يقترن الأمر بتغيير أساليب العمل لضمان أن تكون عمليات الإقراض ذات وقع أكبر وأكثر فاعلية على التنمية المستدامة والتصدي للكوارث المناخية.

كذلك، ينبغي تحسين شروط الإقراض، ومنها زيادته بالعملة المحلية، مما يحد من أخطار أسعار الصرف التي تواجهها الحكومات أو توفير التمويل من خلال أسواقها المالية المحلية، ما سيكون له فائدة إضافية تتمثل في المساعدة على تطوير تلك الأسواق.

ويتعين على المصارف الإنمائية العمل على إعداد تقارير تظهر الآثار المحققة ونشرها بشفافية، مبيّنة العلاقة بين الحوافز الداخلية وهذه الآثار في ضوء الأخطار والجدوى المالية. إذ لا ينبغي حصر التمويل في مشاريع استثمارية مقبولة من الناحية المصرفية فقط، بل ينبغي أن يكون الهدف تحقيق أقصى قدر من التنمية المستدامة.

تبرز في هذا الإطار أهمية "الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة" الذي تقرر انشاؤه أخيرا، لتكون قروضه أقل تكلفة واستحقاقها أطول بكثير من تلك المطبقة على تمويل الصندوق التقليدي (20 سنة بعد مهلة سماح تمتد لعشر سنوات) وتستفيد منه الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل المعرضة للأخطار لدعم جهودها لمواجهة التحديات الهيكلية وتحديات التغيرات المناخية.

وكان "الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر" قد حصل خلال اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين الأخيرة في مراكش على 17 مليار دولار كموارد لقروض تمنح للدول الفقيرة بدون فائدة بحسب إعلان رئيسة الصندوق، كريستالينا جورجييفا.

ويرى البروفسور ستيغليتز أنه يجب عدم التركيز فقط على جمع المزيد من الأموال بزيادة أو توسيع قاعدة رأس المال أو الاقتراض، بل أيضا على تعزيز إيرادات الأسواق الناشئة والدول النامية من خلال عدد من الإجراءات مثل إلزام الشركات الغنية دفع حصتها العادلة من الضرائب في الدول التي تعمل فيها. 

وكانت المؤتمرات التي عقدت قبل اجتماعات مراكش العام الماضي، أي قمة ميثاق التمويل العالمي الجديد في باريس، وقبله مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في شرم الشيخ، وقمة مجموعة العشرين في نيودلهي، قد خلصت إلى المبادىء الآتية: أولا، لا ينبغي لأي دولة أن تختار بين مكافحة الفقر المدقع ومكافحة أزمة المناخ؛ ثانيا، أن يكون لكل دولة الحق في أن ترسم مسارها الخاص وفقا لظروفها الوطنية في استراتيجيات التنمية والمعالجة المناخية؛ ثالثا، هناك حاجة إلى صدمة في التمويل الميسر؛ ورابعا وأخيرا، لا بد من الافادة من الاستثمار الخاص لتسريع التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة.

تعزيز شبكة الأمان المالية

كانت الغاية الأساسية من حقوق السحب الخاصة وفقا لما اتفق عليه في صندوق النقد الدولي، أن تكون أصلا احتياطيا مكملا في النظام النقدي الدولي، بعدما تبين في مرحلة معينة عدم كفاية الذهب والدولار المعروضين لحاجات التدفقات التجارية والمالية. واقتصر إصدار هذه الحقوق لاحقا على سد ثغر في شبكة الأمان المالي العالمية من دون ان تكون هناك رغبة بإصدارها بانتظام.

أما توزيعها، فيتم وفقا لآلية تتناسب مع حصص الدول في صندوق النقد الدولي بحسب المادة 15 من نظامه الأساسي. وفي عملية الإصدار الأخيرة التي جرت في أغسطس/آب 2021، وهي الأكبر تاريخيا، إذ بلغت قيمتها 456,5 مليار وحدة بما يعادل 650 مليار دولار، حصلت الدول النامية على نحو الثلث فقط من هذا الإصدار بينما تلقت أكثر الدول ضعفا أقل من ذلك بكثير، مما دعا دول مجموعة السبع إلى حث مجموعة العشرين للإعلان طوعا عن إعادة توجيه ما قيمته 100 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة لصالح الدول الأقل نموا، لتحويلها إلى قروض أو منح للاستثمار في التنمية ومعالجة المعضلات المناخية. لكن المبلغ الذي أعيد توجيهه فعليا كان في حدود الثلث فقط.

المطلوب اليوم لمكافحة الأزمات والكوارث بفاعلية، أن تتم عملية إصدار حقوق السحب الخاصة بسرعة وبصورة تلقائية عند بداية هذه الأزمات والكوارث شرط توافر الشروط المطلوبة تفاديا لأي إبطاء لدواع سياسية. فخلال أزمة عام 2008 المالية، استغرق الأمر 11 شهرا للاتفاق على إصدار حقوق السحب بينما استغرق الأمر 17 شهرا خلال أزمة "كوفيد-19" عام 2020. 

تعد الأزمة المالية اللبنانية، التي توصف بمخطط "بونزي"، من بين أسوأ الأزمات الاقتصادية على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر

أبرز الأزمات المالية منذ الكساد الكبير

العقد الأول من الألفية الثانية: أزمة الطاقة

في عام 2003، ارتفع سعر برميل النفط الخام، الذي كان أقل من 25 دولارا للبرميل بشكل عام، إلى أكثر من 30 دولارا، ووصل إلى 60 دولارا بحلول أغسطس/آب 2005، وبلغ ذروته عند 147,30 دولارا في يوليو/تموز 2008. يعزى هذا الارتفاع إلى العديد من العوامل، منها التوتر في الشرق الأوسط، وارتفاع الطلب من الصين، وانخفاض قيمة الدولار الأمريكي.

2000: انفجار فقاعة "الدوت كوم"

بعد ظهور شبكة الانترنت لأول مرة في عام 1990، انتشرت شركات التكنولوجيا الناشئة الجديدة على نطاق واسع مدعومة بشهية المستثمرين، على الرغم من تقصيرها في تحقيق الأرباح. انطلاقا من مارس/آذار 2000، انخفض مؤشر "ناسداك" المركب بنسبة 75 في المئة على مدى عامين ونصف من ذروته التي بلغها بعد ارتفاع الاستثمارات في المؤشر بنسبة 800 في المئة، مما أدى إلى اختفاء تريليونات الدولارات من أموال المستثمرين.

2007: أزمة الرهن العقاري

وهي أزمة مالية أميركية عالمية امتدت حتى عام 2010 وساهمت في الأزمة المالية العالمية 2007-2008. أدت الأزمة إلى ركود اقتصادي حاد في الولايات المتحدة، حيث فقد ملايين الأميركيين وظائفهم وسجل إفلاس العديد من الشركات.

2008-2007: الأزمة المالية العالمية

تسببت أزمة الرهن العقاري الثانوي في الولايات المتحدة في إطلاق شرارة الركود الكبير، وهي الأزمة المالية العالمية الأشد خطورة منذ أزمة الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي، والتي عاثت فسادا في الأسواق المالية في مختلف أنحاء العالم. أدت الأزمة إلى انهيار "ليمان براذرز"، أحد أكبر المصارف الاستثمارية في العالم.

2010-2009: أزمة الديون الأوروبية

نشبت هذه الأزمة نتيجة لفشل العديد من الدول الأعضاء في منطقة اليورو (اليونان والبرتغال وإيرلندا وإسبانيا وقبرص) في سداد ديونها العامة أو إعادة تمويلها وكذلك إنقاذ المصارف المثقلة بالديون دون مساعدة دول منطقة اليورو الأخرى، والبنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي.

2016-2015: اضطراب سوق الأسهم الصينية

بدأ ذلك مع انفجار فقاعة سوق الأوراق المالية في يونيو/حزيران 2015 وانتهى في فبراير/شباط 2016. وبحلول يوليو/تموز 2015، انخفض مؤشر سوق الأوراق المالية في شنغهاي بنسبة 30 في المئة على مدى ثلاثة أسابيع، حيث تقدمت 1400 شركة، أو أكثر من نصف عدد الشركات المدرجة، بطلب وقف التداول في محاولة للحد من الخسائر.

2020: انهيار أسواق الأسهم

في 20 فبراير/شباط 2020، انهارت أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم على نحو مفاجئ بعد تزايد عدم الاستقرار بسبب جائحة كوفيد-19. وتوقف الانهيار في 7 أبريل/نيسان 2020.

2019: أزمة السيولة في لبنان المستمرة

تعد أزمة السيولة اللبنانية، التي توصف بمخطط "بونزي"، من بين أسوأ الأزمات الاقتصادية على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، وفقا للبنك الدولي، وقد أدت إلى انهيار القطاع المصرفي، وانخفاض قيمة العملة بأكثر من 90 في المئة، وتضخم كبير بلغ حد الثلاثة أرقام.

font change

مقالات ذات صلة