تشاك شومر وخطاب الصدمة المفيدة

رويترز
رويترز
شومر اثناء مؤتمر صحافي في مبنى الكابيتول في واشنطن في 12 مارس

تشاك شومر وخطاب الصدمة المفيدة

جاء النقد اللاذع الذي وجهه زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، السيناتور تشاك شومر، لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي "ضَلَ طريقه" بحسب شومر، ليمثل تطورا لافتا وكبيرا في تعاطي الحزب الديمقراطي الحاكم مع إسرائيل تحت زعامة يمينية.

وظهرت أهمية نقد شومر في خطاب له بمجلس الشيوخ دعا فيه إلى إجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل وتغيير المسار فيها نحو السلام مع الفلسطينيين بعيدا عن هيمنة متطرفي اليمين الذين تحالف معهم نتنياهو، من كثرة ردود الأفعال عليه، مدحا وذما.

الرئيس جو بايدن، زميل شومر السابق في مجلس الشيوخ وحليفه الحالي الأقوى في المجلس، عَلَّقَ داعما انتقادات شومر: "لقد ألقى خطابا جيدا. أعتقد انه عبَّرَ عن مخاوف جدية يشاطره فيها أميركيون كثيرون". زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد سارع لإعلان دعمه للخطاب واصفا الانتقادات الواردة فيه على "أنها دليل على أن رئيس الوزراء (نتنياهو) يفقد واحدا بعد الآخر أكبر داعمي إسرائيل في الولايات المتحدة".

على الجهة الأخرى، رد حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو بغضب على الانتقادات مستعينا بالسيادة، ليتهم شومر بالتدخل في الشؤون الداخلية الإسرائيلية: "إسرائيل ليست جمهورية موز وإنما ديمقراطية مستقلة وفخورة بانتخابها رئيس الوزراء نتنياهو". لكن الردود الجمهورية في الكونغرس كانت ربما الأشد غضبا، مُحفزة على الأكثر باعتبارات انتخابية، كما في رد زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل: "إنه أمر قبيح ومنافق أن يقوم الأميركيون الذين يبالغون في التشكي من تدخل الآخرين في شؤون ديمقراطيتنا بالمطالبة بإزالة زعيم إسرائيل المنُتخب ديمقراطيا".

لخطاب شومر أسباب داخلية تتعلق بالحملة الانتخابية الرئاسية للحزب الديمقراطي

يصعب على أنصار إسرائيل التقليديين من الجمهوريين ومنتقديها الحاليين من الديمقراطيين، فضلا عن الساسة والصحافيين في إسرائيل، تجاهل تصريحات جريئة لشخصية سياسية ذات مصداقية عالية مثل شومر، بتاريخه الطويل والراسخ في دعم إسرائيل. يعتبر الرجل يمينيا بمعايير الحزب الديمقراطي الذي ينتمي له في هذا الدعم الذي يعني في ترجمته السياسية الأميركية ترك إسرائيل تقرر الأشياء على أساس حاجاتها الأمنية والسياسية، فيما مهمة أميركا أن تساعدها على تحقيق هذه الاشياء. حتى بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كان الرجل ينتمي لهذا التفكير وأكده بزيارة الدعم القوي، التي قام بها لإسرائيل بعد أيام قليلة من هجوم "حماس". لذلك يبدو تغير موقفه من الدعم غير المشروط إلى الانتقاد الحاد (هاجم في خطابه وزيري الخزانة والأمن القومي الإسرائيليين لأنهما يغذيان التطرف ضد الفلسطينيين وطالب بطردهما من الحكومة) مؤشرا مقلقا لحكومة اليمين الإسرائيلي وأنصار الدعم المفتوح وغير المشروط لها في أميركا. 
لخطاب شومر أسباب داخلية تتعلق بالحملة الانتخابية الرئاسية للحزب الديمقراطي التي تواجه بعض التحديات، حتى من داخل أوساط الحزب، إذ يتصاعد الغضب ضد سلوك إسرائيل في غزة (نحو 62 في المئة من أعضاء الحزب الديمقراطي يعتقدون أن إسرائيل تبالغ في ردها العسكري هناك). 
بعض هذا الغضب في طور التحول إلى حملة مقاطعة داخل الحزب ضد انتخاب بايدن في نوفمبر/تشرين الثاني بسبب فشله في لجم القسوة الإسرائيلية في قطاع غزة. 

أ ب
رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وزعيم الاكثرية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الاميركي تشاك شومر في صورة تعود الى 15 فبراير 2017

بدأت هذه الحملة في ولاية ميتشغان، وامتدت إلى ولاية نورث كارولينا سريعا، وهما الولايتان اللتان يعتقد أنه سيكون لهما دور حاسم في انتخابات نوفمبر الرئاسية. يلتحق على نحو متزايد بهذه المقاطعة، التي تصدرها عرب ومسلمون، فئاتٌ أخرى من المصوتين التقليديين للحزب الديمقراطي، كالأقليات من السود واللاتينيين، فضلا عن الشباب. تقلق إدارة بايدن من هذه الحملة، وتخشى أنها قد تساهم في إفساد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الذي سيُعقد في أغسطس/آب المقبل حين يتلقى بايدن الترشيح الرئاسي الرسمي من الحزب. 

شومر عضوا بارز في مجلس الشيوخ، يهودي الأصل، من نيويورك التي يوجد فيها أكبر عدد من اليهود خارج إسرائيل

ولذلك أرسلت الإدارة وفدا إلى شيكاغو حيث يقطن فلسطينيون وعرب كثيرون (حسب الإحصاءات الرسمية، في شيكاغو نحو 100 ألف أميركي من أصول عربية) لإقناعهم بالتخلي عن جهود المقاطعة التي ينظمونها. سيكون محرجا للحزب الديمقراطي أن يُنظم هؤلاء احتجاجا علنيا ضد المرشح بايدن في المدينة أثناء انعقاد مؤتمر الحزب هناك. 

أ ف ب
نتنياهو يتحدث امام اجتماع "ايباك" السنوي في واشنطن في 26 مارس 2019

من هذه الزاوية، تبدو انتقادات شومر لإسرائيل، ودعم بايدن السريع لهذه الانتقادات (تم إرسال نص خطاب شومر إلى البيت الأبيض قبل إلقائه) جزءا من جهد أوسع لامتصاص غضب القاعدة الديمقراطية من فشل الإدارة في الدعوة إلى وقف إطلاق نار دائم في غزة والعمل على تحقيقه، وهو المطلب الأساسي للعرب الأميركيين. 
لكن بعيدا عن الدواعي الانتخابية الداخلية، فإن لخطاب شومر أهمية أخرى تتعلق بإسرائيل ومعادلات السياسة فيها. بوصفه عضوا بارزا في مجلس الشيوخ، يهودي الأصل، من ولاية نيويورك التي يوجد فيها أكبر عدد من اليهود في العالم خارج إسرائيل، نحو 2.2 مليون يهودي، أي ما يقرب من 30 في المئة من مجموع سكان إسرائيل اليهود. لكلمات شومر أثر مختلف لا يمكن تجاهله داخل إسرائيل (وسائل إعلام إسرائيلية كثيرة نقلت الخطاب كاملا- 40 دقيقة- أو أجزاء طويلة منه). شومر نفسه استنفر هذه السلطة المعنوية المتأتية من تمثيله هذا العدد الكبير من اليهود الأميركيين في الخطاب قائلا: "أتحدث باسمي واسم الكثيرين جدا من اليهود الأميركيين العاديين- غالبية صامتة- من الذين لم تُعرض آراؤهم التفصيلية والدقيقة، على نحو جيد في نقاشات هذا البلد بخصوص الحرب في غزة". 

تتسق انتقادات شومر ودعوته لتغيير القيادة في إسرائيل مع نتائج استطلاعات الرأي في إسرائيل

ميول غالبية اليهود الأميركيين هي للحزب الديمقراطي، نحو 64 في المئة منهم مقابل 26 في المئة للحزب الجمهوري، ونقد نتنياهو على لسان ممثلهم البرلماني الذي كرروا انتخابه كعضو في الكونغرس، بمجلسيه النواب والشيوخ، على امتداد 43 عاما منذ عام 1981 حتى الآن دون انقطاع، يعني الكثير في إسرائيل، خصوصا أن هذا النقد يشير إلى بدايات تحول رسمي أميركي، في ظل إدارة ديمقراطية، باتجاه مواقف ضاغطة على إسرائيل التي يقودها تحالف يميني متطرف. 
التأييد لنتنياهو بين اليهود الأميركيين منخفض أيضا، فحسب استطلاع للرأي، يؤيده نحو 31 في المئة من اليهود الأميركيين. وفي هذا الصدد، تقول هيلي سويفر، رئيسة المجلس اليهودي الديمقراطي الأميركي إن شومر "قال ما تفكر فيه الأغلبية الساحقة من اليهود الأميركيين... شكرا له على هذا الوضوح الأخلاقي".
تتسق انتقادات شومر ودعوته لتغيير القيادة في إسرائيل عبر انتخابات مبكرة مع نتائج استطلاعات الرأي في إسرائيل التي أشار بعضها إلى أن نتنياهو لا يتمتع بدعم أكثر من 15 في المئة من الجمهور في حال إجراء مثل هذه الانتخابات. ولعل تنظيم مثل هذه الانتخابات قبل انتخابات نوفمبر الأميركية بوقت كاف سينهي صداعا كبيرا بدأت إدارة بايدن تشعر به بخصوص "ورطة" الدعم المفتوح الحالي لإسرائيل، وهي الورطة التي لَمَّح لها خطاب شومر.

font change

مقالات ذات صلة