جاذبية المريخ تتسبب بتغير مناخي كل 2.4 مليون سنة

ويقول الباحث في جامعة سيدني الأسترالية والمؤلف الرئيس للدراسة ديتمار مولر في تصريحات خاصة لـ"المجلة" إن كوكبي الأرض والمريخ يؤثران أحدهما في الآخر من خلال ظاهرة تُسمى "الرنين المداري"، مشيرا إلى أن ذلك التفاعل "يُغير من مدارات الكواكب ويؤثر على مدى قربهما من الشمس وهو الأمر الذي تنجم عنه تغيرات ملحوظة في المناخ".

يبعد كوكب المريخ عن الأرض نحو 318 مليون كيلومتر، مما يجعل ذلك التأثير محدودا، لكن "أثر الفراشة" أو تراكم تلك التأثيرات يجعلها "محسوسة".

ما هو الرنين المداري؟

في مجال الميكانيكا السماوية، يحدث الرنين المداري عندما تتأثر الأجسام المدارية بقوى الجاذبية بشكل منتظم ودوري، وذلك بسبب ارتباط فترات دورانها بنسبة أعداد صحيحة صغيرة. ويعزز الرنين المداري تأثير الجاذبية المتبادلة للأجسام، وقد يؤدي ذلك في الحالات الأكثر تطرفا إلى تفاعل غير مستقر حتى يختفي الرنين.

ويقول مولر في تصريحاته لـ"المجلة" إن الأرض والمريخ يرتبطان معا في رنين بنسبة 2:1، حيث يستغرق المريخ ضعف الوقت تقريبا للدوران حول الشمس مثل الأرض، أي أن الأرض لها فترة مدارية مدتها 365 يوما في حين أن لدى المريخ لديه مدارية مدتها 687 يوما (نحو 1.9 سنة أرضية).

تنتج من هذا ظاهرة تُسمى الحضيض الشمسي للأرض والمريخ، وهي النقطة الموجودة في مدار جسم سماوي (مثل كوكبي الأرض والمريخ) حيث يكون أقرب إلى الشمس.

بالنسبة إلى الأرض، يحدث الحضيض الشمسي في نحو الثالث من يناير/كانون الثاني من كل عام، عندما يكون على بعد نحو 147 مليون كيلومتر من الشمس. أما بالنسبة إلى المريخ، فيحدث الحضيض الشمسي في نحو الخامس أو السادس من يناير/كانون الثاني من كل عام، عندما يكون على بعد نحو 206 مليون كيلومتر من الشمس.

لكن الكوكبين يلتقيان في حضيضهما الشمسي كل نحو 2.4 مليون سنة مما يجعلهما في أقرب نقطة أحدهما من الآخر أيضا. وفي تلك الحالة، يكون التأثير المتبادل للجاذبية كبيرا للغاية، وبالنسبة إلى الأرض، يترجم هذا التفاعل مع المريخ إلى فترات من الطاقة الشمسية المتزايدة، مما يعني مناخا أكثر دفئا، تتزامن مع أقصى انحراف مركزي عن المدار الذي تدور فيه الأرض حول الشمس.

وتقول الدراسة إن قوى الجاذبية للأرض والمريخ بعضها على بعض تخلق تأثير الرنين الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تغيرات دورية في الطاقة الشمسية تصل إلى الأرض، مما يتسبب في فترات متناوبة من المناخات الأكثر دفئا وبرودة.

دور الرواسب في أعماق البحار

درس الباحثون سجلات الرواسب في أعماق البحار على مدى 65 مليون سنة وقاموا بتحليل تاريخ الأرض لرصد سلوك تيارات المحيط لتوثيق الكيفية التي تتصرف بها هذه التيارات مع مرور الوقت.

توفر سجلات الرواسب في أعماق البحار رؤى قيمة حول مناخ الأرض السابق وظروف المحيطات. ومن خلال تحليل هذه السجلات، يمكن للعلماء تحديد فترات توقف الترسيب، وهي فترات توقف في تراكم الرواسب.

تحدث هذه الفجوات عندما يكون هناك توقف مؤقت أو انخفاض في ترسب الرواسب في قاع المحيط، ويمكن أن يكون سبب هذه الانقطاعات في تراكم الرواسب عوامل مختلفة، بما في ذلك التغيرات في تيارات المحيطات، والتغيرات في إمدادات الرواسب من الأرض، أو التغيرات في الظروف البيئية.

ويعد تحديد فجوات الترسيب في سجلات الرواسب في أعماق البحار أمرا مهما لأنها تعمل كعلامات للتغيرات البيئية الماضية. خلال فترات التوقف، يشير غياب تراكم الرواسب إلى ظروف أكثر هدوءا في بيئة أعماق البحار. وعلى العكس من ذلك، تشير فترات الترسيب المستمر للرواسب إلى تيارات محيطية أكثر قوة ومعدلات ترسيب أعلى.

ومن خلال التركيز على فترات توقف الترسيب، يستطيع العلماء إعادة بناء أنماط الدورة المحيطية السابقة وفهم كيفية تغيرها مع مرور الوقت. بالإضافة إلى ذلك، قد تتزامن هذه الفجوات مع أحداث جيولوجية كبيرة أو تحولات مناخية، مما يوفر معلومات مهمة حول تاريخ الأرض وتطورها.

وبشكل عام، فإن العلاقة بين سجلات الرواسب في أعماق البحار وفترات توقف الترسيب تسمح للعلماء بكشف التفاعلات المعقدة بين ديناميكيات المحيطات، وتقلب المناخ، والتغير البيئي عبر تاريخ الأرض. وتتوافق الفجوات الموجودة في سجلات الرواسب في أعماق البحار، وتشير إلى انقطاعات في تراكم الرواسب، مع دورة مدتها 2.4 مليون سنة، مدفوعة بتفاعل الجاذبية بين الأرض والمريخ.

وتعمل هذه الفجوات كعلامات على الدورات المناخية الماضية، مع فترات من زيادة الترسيب تتوافق مع المناخات الأكثر دفئا، وفترات فجوة تتوافق مع المناخات الباردة. ووجد الفريق أن قوة هذه التيارات تضاءلت وتضاءلت على مدار ملايين السنوات، وهي معروفة باسم "الدورات الفلكية الكبرى".

في أوائل القرن العشرين، اقترح عالم الرياضيات والجيوفيزياء الصربي ميلوتين ميلانكوفيتش وجود دورات يمكنها أن تشرح العلاقة المعقدة بين مدارات الأرض وميلها المحوري والتغيرات المناخية الطويلة المدى على الأرض، بما في ذلك العصور الجليدية.

ويقول ميلانكوفيتش في نظريته إن هذه الدورة تتضمن تغيرات في شكل مدار الأرض حول الشمس من دائري تقريبا إلى أكثر "إهليليجية"، ويعود مرة أخرى على مدى نحو 100000 عام، وعندما يكون المدار أكثر "إهليليجية"، تحدث اختلافات موسمية أكبر في درجات الحرارة بسبب التغيرات في المسافة من الشمس على مدار السنة.

كما يقول أيضا إن التغيرات في الميل المحوري تؤثر في توزيع الإشعاع الشمسي على سطح الأرض، مما يؤثر في شدة الفصول في أجزاء مختلفة من العالم.

وتتفاعل هذه الدورات بعضها مع بعض، مما يؤثر في توزيع الإشعاع الشمسي الذي تستقبله أجزاء مختلفة من الأرض في أوقات مختلفة من السنة. وهذا بدوره يؤثر في أنماط المناخ، ويمكن أن يساهم في بداية العصور الجليدية وانتهائها، بالإضافة إلى التغيرات المناخية الأخرى الطويلة المدى.

 ويقول مولر في تصريحاته لـ"المجلة" إن الدورة المكتشفة حديثا تشبه الدورات التي تحدث عنها ميلانكوفيتش في نظريته، "فالعلاقة بين الفجوات في سجلات الرواسب في أعماق البحار ودورات مناخ الأرض، تزامناً مع دورة الجاذبية التي تستمر 2.4 مليون سنة بين الأرض والمريخ، تبدو لنا مذهلة للغاية".

وتؤدي هذه العلاقة، المدفوعة بتفاعل الجاذبية بين الكوكبين، إلى دورة مدتها 2.4 مليون سنة من تيارات المحيط في أعماق المحيطات والاحتباس الحراري.

لا تتحدث تلك الدراسة عن الماضي فحسب، بل تتنبأ أيضا بالمستقبل. فمع استمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية، من المتوقع أن تزداد وتيرة وشدة العواصف الكبرى وشدتها، مما يؤدي إلى نظام مناخي أكثر نشاطا. ومن المتوقع أن تؤدي هذه الظاهرة بدورها إلى تعزيز قوة الدوامات الديناميكية التي تجتاز أعماق المحيطات. 

وتلعب هذه الدوامات في أعماق المحيطات، التي غالبا ما تصل إلى قاعه السحيق، دورا محوريا في ديناميكيات المحيطات؛ ففي حين أن نشاطها المكثف قد يؤدي إلى تآكل قاع البحر وتراكم الرواسب المعروفة باسم "الكونتوريتات"، فإنها تسهل أيضا اختلاط المحيطات العميقة، وهو أمر بالغ الأهمية لتوزيع الأوكسجين في أعماق المحيطات.

ويسلط مولر وهو المؤلف الرئيس للدراسة الضوء على أهمية النتائج التي توصل إليها، مشددا على الآثار المحتملة على صحة المحيطات في عالم أكثر دفئا، قائلا في تصريحاته لـ"المجلة": "تشير أبحاثنا إلى أن المحيطات الأكثر دفئا قد تشهد دورانا عميقا أكثر نشاطا، مما يؤدي إلى أوكسجين أعماق المحيطات بشكل فعال ويمنع الركود".

علاوة على ذلك، تقدم الدراسة رؤى حول العواقب الطويلة المدى لتغير المناخ على التيارات المحيطية. ومع التوقعات التي تشير إلى تناقص التدرج في درجات الحرارة بين خط الاستواء والقطبين نتيجة ذوبان الجليد، فهناك مخاوف من أن فارق الطاقة الذي يدفع تيارات المحيط الكبيرة قد ينخفض، مما قد يؤدي إلى الركود.

لكن نتائج الدراسة تقدم بصيصا من الأمل، إذ تشير إلى أن تكثيف الدوامات في أعماق المحيطات يمكن أن يبطل هذا السيناريو إذ يقول مولر إنه ومن خلال تعزيز الاختلاط المعزز في أعماق المحيطات "قد تمنع هذه الدوامات ركود المياه السطحية الغنية بالأوكسجين، وبالتالي الحفاظ على الحياة البحرية وصحة النظام البيئي".