وفي الوقت نفسه، لا يمكن فهم الأزمة الحالية دون النظر إلى السياق التاريخي، بما في ذلك احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية على مدى عقود من الزمن، وسيطرتها على حياة الفلسطينيين، والقمع الممنهج الذي عانى منه الشعب الفلسطيني لفترة طويلة. لا تميل السرديات الغربية السائدة إلى تجاهل هذا التاريخ فحسب، بل تتسم أيضا بعادة تقسيم قضية التحرير الفلسطيني إلى نزاعات منفصلة.
ومن خلال التعامل مع الحرب المتكررة على غزة بشكل منفصل عن المخاوف في الضفة الغربية والقدس الشرقية أو حتى اللاجئين الفلسطينيين خارج المناطق الذين حرموا من حقهم في العودة، فإن الروايات الغربية تقدم عمدا صورة مضللة للنزاع.
ليس ثمة شك حول حجم الدمار الذي أحدثته إسرائيل في غزة منذ أكتوبر 2023. غزة كما يقول خبراء الأمم المتحدة أصبحت غير صالحة للسكن، وهم يقدرون أن تعافي المنطقة سيكلف عشرات المليارات من الدولارات وسيستغرق أكثر من عقد من الزمن. ويبلغ عدد القتلى الحالي في غزة أكثر من 32 ألف فلسطيني، إضافة إلى آلاف المفقودين الذين ما زالوا مدفونين تحت الأنقاض، وأكثر من 74 ألف جريح، بما في ذلك عدد غير مسبوق من الأطفال ممن بترت أطرافهم. وبالإضافة إلى الوتيرة غير العادية للموت والدمار، تعرض الفلسطينيون في غزة أيضا لـ"أسرع تسارع لأزمة جوع على الإطلاق".
بايدن ونتنياهو خلال لقائهما في تل أبيب في 18 أكتوبر
لا غرابة في أن تحظى الأزمة الإنسانية في غزة بهذا القدر الكبير من الاهتمام العالمي، نظرا لضخامة الفظائع المرتكبة فيها، ولكن، بينما يواجه الفلسطينيون في غزة هذه الكارثة، يستمر تعرض الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية للعنف والفصل العنصري والإذلال والقمع اليومي من دون أن يحصلوا على تغطية إعلامية كافية. ومع ذلك، لا يمكن الفصل بين هذين الأمرين، بل يتيعن ربطهما وفهمهما معا من أجل فهم المدى الكامل لمعاناة الفلسطينيين والقضية المركزية المتمثلة في إخضاعهم الممنهج من قبل إسرائيل.
وعندما تشير وسائل الإعلام الغربية الرئيسة إلى الفلسطينيين في غزة على أنهم "غزيون" بدلا من "فلسطينيين"، فإن هذا يعد محوا متعمدا لهويتهم الوطنية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بكفاحهم من أجل تقرير المصير والحرية والمساواة. فالفصل بين الخلافات الفلسطينية في السرديات الغربية يساعد في خدمة الاستراتيجية الإسرائيلية لتقسيم الأرض والشعب الفلسطيني لتوسيع سيطرتها على هؤلاء الأشخاص والأراضي.
ستحمل قضايا وحدة الأراضيراضيأ أهمية قصوى في أي مناقشات حول الدولة الفلسطينية المستقبلية. ولكن، وتحت ستار الحرب على غزة، زادت إسرائيل من تعدياتها على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، مما يقلل من فرص إقامة دولة فلسطينية صالحة. ففي هذا الشهر فقط، أعلنت إسرائيل عن خطط لبناء 3500 وحدة سكنية غير قانونية أخرى في الضفة الغربية، إضافة لأكبر عملية مصادرة للأراضي منذ أكثر من ثلاثة عقود. كل هذا يجري بالرغم من المعارضة– اللفظية– من إدارة بايدن والتصريحات الواضحة من الأمم المتحدة التي تقول إن توسيع المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية يرقى إلى مستوى جريمة حرب.
بطبيعة الحال، ترزح الضفة الغربية تحت وطأة الاحتلال العسكري الإسرائيلي منذ عام 1967، وعلى مر العقود الطويلة، استمر الاحتلال في توسيع مستوطناته، الأمر الذي يعكس تاريخ الاحتلال الإسرائيلي الطويل والمتجذر، والذي لا علاقة له بهجمات "حماس" في السابع من أكتوبر. ففي واقع الأمر، سبق الاحتلال العسكري الإسرائيلي وجود "حماس" بعقدين من الزمن، وهذا هو السياق التاريخي الذي غالبا ما يغيب عن الروايات والتغطية الإعلامية الغربية.
وكانت مجموعة فلسطينية لحقوق الإنسان وصفت عام 2023، قبل وقوع أحداث 7 أكتوبر، بأنه "العام الأكثر دموية بالنسبة للأطفال الفلسطينيين". ومنذ 7 أكتوبر، ازداد الوضع في الضفة الغربية سوءا، حيث نفذت القوات الإسرائيلية "موجة وحشية من العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، ونفذت عمليات قتل غير مشروعة، بما في ذلك استخدام القوة المميتة دون ضرورة أو بشكل مفرط أثناء الاحتجاجات، إضافة إلى مداهمات واعتقالات، وحرمان المصابين من الحصول على المساعدة الطبية"، بحسب منظمة العفو الدولية.