حرب غزة وأثرها السياسي على بنيامين نتنياهو

رئيس الحكومة الإسرائيلية في مواجهة حاسمة مع الشعب

أ.ب
أ.ب
لافتة للتنديد برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مظاهرة ضد حكومته في القدس، 1 أبريل 2024

حرب غزة وأثرها السياسي على بنيامين نتنياهو

يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تمكن من توفير طوق النجاة لائتلافه الحكومي لمدة ستة أشهر بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، رغم تلك الحرب وبموازاتها، سيكون أمام تحديات جديدة تعصف بحكومته وربما تصبح أكثر حدة في حال توفرت الشروط الملائمة لها.

وخلافا لكل التوقعات والمفاهيم المرافقة لأي هجوم يحاكي هجمات مقاتلي "حماس" على المناطق الإسرائيلية الجنوبية، مكنت صدمة الإسرائيليين باحتجاز "حماس" عددا كبيرا من أبنائهم وجنودهم وتدميرها بنى أساسية ومناطق واسعة جنوبي إسرائيل إلى جانب سقوط ما يزيد على ألف ومئتي إسرائيلي خلال الهجوم، مكنت ائتلاف نتنياهو من البقاء على رأس إدارة الحرب، بل إن المطالبة برحيله كانت محصورة في البداية في بعض الأروقة السياسية المعارضة ولم تتحول إلى مطلب شعبي واضح.

وعلى الطريق، نجح نتنياهو بإقناع غالبية الإسرائيليين بسياسته في قطاع غزة والأهداف التي وضعها لحربه هناك وعلى رأسها تدمير "حماس" وتحقيق انتصار إسرائيلي واضح في الحرب لكنه في الوقت نفسه لم يفلح في إقناع الجمهور بقيادته وقدراته، استطلاعات الرأي نفسها التي أظهرت أن معظم الإسرائيليين يؤيدون مواصلة الحرب كانت تشير إلى تراجع مستمر في شعبية رئيس الحكومة الإسرائيلية وتزايد التأييد لشريكه في مجلس الحرب بيني غانتس.

والتفسير البسيط لهذه المعادلة أن الإسرائيليين باتوا أكثر يمينية وتشددا حيال الفلسطينيين بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بينما تراجعوا عن دعمهم لمن أدت سياسته إلى تلك الأحداث خاصة مع تزايد التقارير الاستخباراتية والتحقيقات التي أظهرت حجم الإهمال السياسي والأمني لجبهة قطاع غزة خلال الأشهر التي سبقت السابع من أكتوبر (هذا من دون الحديث عن الانقلاب الذي سعت إليه حكومة نتنياهو ضد جهاز القضاء قبل الحرب).

الإسرائيليون باتوا أكثر يمينية وتشددا حيال الفلسطينيين بعد أحداث السابع من أكتوبر

هذه المعطيات هي ما يدفع نتنياهو عمليا للتمسك بفكرة مواصلة الحرب حتى تحقيق الانتصار بما في ذلك التلويح الدائم باجتياح رفح جنوبي قطاع غزة حتى لو استغرقت المعارك عدة أشهر يعود خلالها الجيش الإسرائيلي مجددا لمواقع كان قد انسحب منها وأعلن أنه أنهى وجود "حماس" والفصائل الفلسطينية فيها تماما، كما حدث في مجمع الشفاء الطبي.

فأي اتجاه مخالف لذلك من شأنه أن يحمل النقاش حول المسؤولية عن اندلاع الحرب والهجمات التي سبقتها إلى الواجهة وهو ما يعرض الائتلاف اليميني الحاكم لخطر انتخابات جديدة لاستبداله.

وإذا كان الاستنتاج مما أتينا عليه في السطور السابقة أن نتنياهو يستغل الحرب على غزة و"حماس" للبقاء في الحكم لأقصى مدة ممكنة، فيضاف لتعزيزه أن الرجل يرفض كل "المغريات" التي تقدمها الإدارة الأميركية لإنشاء تحالف غربي عربي يقوض "حماس" لأنه يدرك أن ذلك سيكون مقابل قبوله التوجه لاتصالات تؤسس لتعزيز السلطة الفلسطينية على أساس إقامة دولة مستقلة. وفي هذه الحالة فإن رئيس الوزراء سيواجه مشكلة حقيقية في ائتلافه خاصة مع الحزبين اللذين يقودهما إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش علاوة على أنه سيجد نفسه مخالفا لادعائه الأساسي بأنه منع إقامة دولة فلسطينية.

صراع للبقاء

بنى رئيس الوزراء الإسرائيلي سياسته في الأشهر الأخيرة بشكل واضح على أساس صراع للبقاء في سدة الحكم، لكن المعطيات بدأت تتغير بوتيرة متسارعة بدا أنه يحاول لجمها. ولعل أبرز تلك المعطيات خروج عشرات آلاف الإسرائيليين لأول مرة منذ بداية الحرب إلى الشوارع وهم يرفعون سلسلة من الشعارات والمطالب غير الموحدة، لكن جميعها يبرز الاستياء من أداء الحكومة الإسرائيلية ورئيسها.

وانضمام نحو ثلثي مجموعة أهالي الرهائن في قطاع غزة إلى الحراك الواسع رغم الخلافات الداخلية في أروقة المنتدى الذي يجمعهم من شأنه أن يزيد الضغط باتجاه إعلان اتفاق للهدنة وتبادل المحتجزين الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين شرط أن يكون للحراك استمرارية واضحة ويتمكن من استقطاب مجموعات جديدة من النشطاء المناهضين لسياسة الحكومة.

يلاحظ كل من يتابع الحراك الذي أنهى ضبط النفس لدى الشارع الإسرائيلي في أعقاب الحرب، أن الوجوه المركزية التي تقوده باستثناء ذوي المحتجزين هي نفسها التي قادت المظاهرات المنددة بالإجراءات الحكومية التي كان من شأنها تقويض جهاز القضاء قبل السابع من أكتوبر.

انضم معظم أهالي الرهائن في قطاع غزة إلى الحراك الواسع ضد حكومة نتنياهو 

وينادي المتظاهرون بضرورة إجراء انتخابات جديدة ومحاكمة رئيس الوزراء كونه المتهم الأول بما جرى، أضيفت إليها مطالب إبرام الصفقة وإعادة الرهائن، لكن ذلك لا يكفي حتى اللحظة لتغيير اتجاه نتنياهو ورؤيته، فهو ما زال يصر على أن مثل هذا الحراك سيعزز موقف "حماس" ويدفع إلى حالة الانقسام، كما أنه يوجه مقربيه لشن هجوم ومحاولات لنزع الشرعية في بعض الأحيان حتى عن ذوي المحتجزين.

تأخر خروج الإسرائيليين من صدمتهم وإدراكهم أن استمرار الحرب سيكبدهم خسائر استراتيجية تتجاوز مساحة قطاع غزة وتصل إلى المستوى الإقليمي والدولي، لكن خسائرهم الداخلية لا تقل أهمية بتحليل الرؤية الأساسية التي بنتها الحكومات المتعاقبة. فوجود مئة وأربعة وثلاثين إسرائيليا لدى "حماس" وعدم القدرة على استعادتهم بعد مرور كل هذا الوقت من شأنه أن يدفع الإسرائيليين تدريجيا للتشكيك بماهية وجودهم في "المكان الأكثر أمنا للشعب اليهودي" كما أسست له الفكرة الصهيوينة، وبالمفهوم نفسه، فإن وجود آلاف المواطنين سكان المناطق الشمالية المحاذية للحدود مع لبنان موزعين على الفنادق بعيدا عن رشقات "حزب الله" منذ أكتوبر الماضي يضعف رواية "الردع" الإسرائيلية، ناهيك من أن استهداف المناطق الجنوبية من مجموعات عراقية أو يمنية زاد الشكوك بشأن قدرات إسرائيل العسكرية والتكنولوجية.

الضغط باتجاه إنهاء الحرب

كل هذه العوامل مجتمعة من شأنها في وضع عادي أن تدفع باتجاه الضغط على الحكومة لإنهاء الحرب وإبرام صفقة للتبادل، لكنها حاليا تحتاج إلى وقت وتغيب عنها الكثير من النقاط التي تضطر نتنياهو لإجراء تعديل على سياسته الحالية، من بين أبرزها:

- تجنيد أكبر عدد من الإسرائيليين من كل الأطياف والأصول ضمن جهود عائلات الرهائن للمطالبة بصفقة للتبادل لا يبدو أمرا سهلا بعد حالة الانقسام التي بلغها المجتمع الإسرائيلي عشية السابع من أكتوبر، خلافا لما كان عليه الوضع بعد أسر الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط الذي أدى إلى حراك موحد. (في حينه كانت الظروف السياسية الداخلية مختلفة وشركاء نتنياهو في الائتلاف ضغطوا باتجاه الصفقة على عكس سموتريتش وبن غفير).

رويترز
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقف لالتقاط صورة مع جنود أثناء زيارته لقاعدة عسكرية في إسرائيل، 7 نوفمبر 2023

- رفع مطلب إنهاء الحرب بشكل واضح ليس مطروحا بعد، وقد نجحت الحكومة إلى حد كبير في فرض مفهوم صفقة التبادل وإطلاق سراح المحتجزين على الإسرائيليين رغم أن الصفقات عادة تكون جزءا من مسار أوسع أساسه إنهاء القتال.

- لا يزال معظم جنود وضباط الاحتياط الذين شاركوا في الحرب على غزة وانسحبوا من أراضيها في حالة من الصمت ولم يعلنوا توجها أو مطالب مخالفة لما هو قائم، وهذه المجموعة في حال انضمت لحراك إنهاء الحرب أو التوصل إلى هدنة مؤقتة من شأنها أن تؤثر في موقف الجيش ووزير الأمن.

- قادة الجيش يواصلون دعم سياسة نتنياهو ولم يصدروا موقفا مخالفا له على الرغم من مواقف جاءت تلميحا وتصريحا بأن سياسة المراوحة في غزة وعدم وجود جدول زمني واضح لإنهاء الحرب لا يخدم إسرائيل.

- الخلافات في أوساط ذوي المحتجزين الإسرائيليين بشأن طريقة الضغط على الحكومة ورفض مجموعات منهم الانضمام للحراك العام الذي يرفع شعار الانتخابات تضعف الجهود الشعبية.

- المعارضة السياسية للحكومة برئاسة يائير لابيد لم تتمكن حتى اللحظة من قيادة الجمهور المعارض أو الاحتجاجات الشعبية، فقد سبق أن أيدت الحرب وانتقدت خطوات الحكومة لكنها لم توفر خطة بديلة وواضحة أعمق من مجرد المعارضة والخطابات خلال المظاهرات ولم تجرؤ على رفع شعار سياسي لإنهاء الحرب والتوجه إلى مفاوضات جدية مع الفلسطينيين.

- وجود بيني غانتس في مجلس الحرب حتى هذا الوقت وإن كان يقرأ إسرائيليا بأنه يوفر التوازن والاعتدال في حكومة اليمين المتشدد لكنه بات في أحيان كثيرة يقوض المعارضة التي انتمى إليها قبل الحرب ومن المفترض أن يعود إليها في مرحلة ما، لذا بدأت الأصوات تتعالى لانسحابه من الحكومة وانضمامه لدعم الجهود الشعبية المتزايدة للصفقة.

- غياب الصوت العقلاني الواضح في صفوف نواب ووزراء "حزب الليكود" الحاكم ومحاولة تغييبه من خلال التخوين تارة أو التخويف من تداعيات إنهاء الحرب على مستقبل الحزب السياسي، يدفع أطيافا في اليمين الليبرالي إلى عدم التماهي مع رسائل الاحتجاج الشعبي ويحصر هذا الاحتجاج في مجموعات معدودة أساسا على الوسط وبقايا اليسار.

ما من شك أن أي تغيير في العوامل المذكورة أعلاه من شأنه أن يزيد الضغط على حكومة نتنياهو باتجاه التحول إلى صفقة مع "حماس" لكن غياب تلك العوامل الداخلية أو تأخرها لا يعني بالضرورة أن ما يجري ميدانيا في غزة أو على الحدود مع لبنان أو على مستوى الإقليم كله لن يتداخل في العوامل المؤثرة بمصير الحرب، فنتنياهو الذي يختار المخاطر التي تواجه إسرائيل وفقا لمصالحه السياسية اختار "حماس" وسائر الفصائل في قطاع غزة تهديدا أساسيا لأمن بلاده في هذه المرحلة، لكنه ليس قادرا على كبح جماح تهديدات أخرى في حدوده لطالما اعتبر أنها الخطر الأساسي الذي يهدد وجود إسرائيل وبات يتجاهلها حاليا. ومع تصاعد تلك التهديدات المتعلقة بالمواجهة المستمرة مع "حزب الله" والضغط على "الحرس الثوري" الإيراني من خلال استهداف شخصيات بارزة فيه من دون الإصغاء لنصائح "الأصدقاء والحلفاء" يميل كثيرون من مناهضي سياسة الحكومة الإسرائيلية للجزم بأن هزيمة استراتيجية كبرى في طريقها إلى إسرائيل بتوقيع بنيامين نتنياهو.

font change

مقالات ذات صلة