كيف سترد إسرائيل على الهجوم الإيراني؟

الإجابة قد تحسم ما إذا كانت المنطقة ستتجه نحو حرب شاملة

د ب إ
د ب إ
رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت في مقر الجيش الإسرائيلي

كيف سترد إسرائيل على الهجوم الإيراني؟

عززت الهجمات الإيرانية الأخيرة ضد إسرائيل المخاوف من نشوب حرب إقليمية يمكن أن تجتاح الشرق الأوسط. وكانت إيران قد شنت يوم السبت هجوما كبيرا بطائرات مسيرة وصواريخ على إسرائيل، واستولت على سفينة حاويات مرتبطة بإسرائيل في مضيق هرمز. وجاءت هذه الهجمات ردا على اغتيال إسرائيل لعدد من كبار قادة "الحرس الثوري" الإيراني في سوريا.

شمل الهجوم الإيراني على إسرائيل أكثر من 300 طائرة مسيرة وعددا من صواريخ كروز والصواريخ الباليستية. من الواضح أن هذا أكثر قليلا من الصواريخ الباليستية الخمسة عشر التي أطلقتها إيران على قاعدة عين الأسد الجوية ومطار أربيل الدولي ردا على قتل الولايات المتحدة لقائد "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري" الإيراني قاسم سليماني، في يناير/كانون الثاني 2020. وهذا الفرق يفصح عن عدة نقاط تستحق الدراسة.

أولا، لم يكن الانتقام لمقتل سليماني أكثر من مجرد رد اعتبار للشرف الإيراني. إن قتل شخصية مهمة وشعبية مثل سليماني بمثل تلك الوقاحة استوجب ردا إيرانيا من نوع ما، لكن طهران كانت حذرة لأنها تخشى تصعيدا لمواجهة مع الولايات المتحدة.

لم يكن أولئك الذين قتلوا في الهجوم الإسرائيلي على مجمع السفارة الإيرانية في دمشق في الأول من أبريل/نيسان مشهورين أو أقوياء مثل سليماني، لكن الانتقام كان أكبر وأكثر تعقيدا. ويشير الاختلاف إلى أن هذا الرد كان مرتبطا بما هو أكثر من مجرد رد الاعتبار: لقد كان ينطوي على بعض عناصر الردع أيضا.

أ ف ب
الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي اثناء الاحتفال بيوم الجيش في طهران في 14 ابريل

تدرك إيران جيدا مدى قدرة الدفاعات الجوية الإسرائيلية. ومن شبه المؤكد أن حجم الضربة كان مصمما كي تتمكن بعض الذخائر المهاجمة على الأقل من اختراق تلك الدفاعات والتسبب في درجة ما من الضرر. ومما لا شك فيه أن عدم قدرتها على القيام بذلك سبّب خيبة أمل لطهران، ولكن ربما ما زال بإمكان الإيرانيين تعزية أنفسهم بأن الهجوم كان مخيفا للشعب الإسرائيلي ومثيرا للقلق لحكومته. ربما تأمل إيران أن يكون الهجوم مزعجا بما يكفي لجعل القادة الإسرائيليين يتوقفون في المرة القادمة التي يفكرون فيها في تنفيذ عملية مثل ضرب السفارة.

ومع ذلك، في حين أن 300 أو أكثر من الذخائر الهجومية تبدو عددا كبيرا بالتأكيد، فإنها تظهر أيضا علامات ضبط النفس التي تشير إلى مخاوف طهران الخاصة بشأن المزيد من التصعيد. أولا، كان بإمكان إيران أن تطلق كميات أكبر– ليس أكثر مما أطلقت بحجم كبير جدا، ولكن ربما على الأقل ضعف ما أطلقته دون استنزاف مخزونها من ذخائرها ذات المدى الأبعد. ثانيا، تشير التقارير الأولية إلى أن الهجوم ركز بحسب ما ورد على هدف عسكري واحد أو أكثر، بما في ذلك قاعدة جوية إسرائيلية خارج بئر السبع. وهذا أيضا يدل على درجة كبيرة من الحذر من جانب إيران. كان من الممكن أن تطلق باتجاه تل أبيب أو حيفا، حيث كان من المرجح أن يؤدي أي اصطدام هناك إلى مقتل مدنيين إسرائيليين.

في حين أن 300 أو أكثر من الذخائر الهجومية تبدو عددا كبيرا بالتأكيد، فإنها تظهر أيضا علامات ضبط النفس التي تشير إلى مخاوف طهران الخاصة بشأن المزيد من التصعيد

ثالثا، لم يشارك "حزب الله" في العملية. حيث إن "حزب الله" هو ورقة إيران الرابحة المخفية. ومع أكثر من 150 ألف صاروخ وقذيفة تملكها هذه الميليشيا المسلحة اللبنانية، يمكنها أن تطغى على الدفاعات الجوية الإسرائيلية. لكن "حزب الله" هو حليف لإيران، وليس دمية بيدها، ومن الممكن أن تؤدي ضربة ضخمة يقوم بها "حزب الله" إلى اندلاع حرب شاملة مع إسرائيل، وهو أمر يحاول "حزب الله" تفاديه. كما أن طهران لن تلعب بورقة "حزب الله" إلا إذا كان ما تفعله بالغ الأهمية بالنسبة لها.

 أ ف ب
شاحنة عسكرية ايرانية تحمل صواريخ "أس 300" المضادة للطائرات اثناء عرض عسكري احتفالا بيوم الجيش في طهران في 17 ابريل

يؤكد كل هذا التقييم الاستراتيجي على أن إيران لا تسعى إلى التصعيد مع إسرائيل، بل هي في الواقع تسعى جاهدة لتجنب هذا التصعيد. وعلى الرغم من أن إسرائيل ضربت حليفة إيران "حماس" بقوة، فإن الحرب في غزة سارت بشكل جيد جدا بالنسبة لطهران حتى الآن. إذ أصيبت إسرائيل بجروح بليغة في هجوم "حماس" يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتجمدت خطط التطبيع الإسرائيلي السعودي، كما يلقي جزء كبير من الشرق الأوسط والعالم الأوسع اللوم على إسرائيل والولايات المتحدة في كل ذلك. ولا يوجد سبب يدفع القيادة الإيرانية إلى تعريض كل ذلك للخطر من خلال إعطاء إسرائيل (أو الولايات المتحدة) ذريعة كي تلحق أضرارا جسيمة بإيران، الأمر الذي قد ينتزع الهزيمة من بين فكي انتصارها.
وأكثر من ذلك، يواجه النظام الديني تحديات اقتصادية كبيرة، واحتجاجات واسعة، وأعمال عنف من جماعات البلوش العرقية. إضافة إلى أن الجيش الإيراني ضعيف، وسيكون الطرف الخاسر في حال حدثت مواجهة شاملة مع القوات العسكرية الإسرائيلية، ناهيك عن قيام الولايات المتحدة بمساعدة إسرائيل، كما سيحدث على الأرجح (وكما تعلم إيران علم اليقين بأنه ما سوف يحدث). إن اندلاع حرب إقليمية حيث قد تكون إيران هي الطرف الخاسر هو اقتراح يحمل مجازفة كبيرة بالنسبة لنظام يواجه وضعا صعبا بالفعل.

واجه النظام الديني تحديات اقتصادية كبيرة، واحتجاجات واسعة، وأعمال عنف من جماعات البلوش العرقية. إضافة إلى أن الجيش الإيراني ضعيف، وسيكون الطرف الخاسر في حال حدثت مواجهة شاملة مع القوات الإسرائيلية

ومع ذلك، فقد تجاوزت إيران خطا لا يمكن الرجوع عنه، رغم أنها قد لا تعترف بالأمر. ولم يسبق لإيران أن ضربت إسرائيل بشكل مباشر من أراضيها قبل يوم السبت. كما لم تضرب إسرائيل الأراضي الإيرانية علنا أبدا- فجميع هجماتها على إيران كانت إما هجمات عسكرية على الإيرانيين في سوريا ولبنان وأماكن أخرى وإما هجمات سرية على الأراضي الإيرانية، وبالتالي يمكن التذرع بالإنكار المقبول. أما هذه فقد كانت ضربة عسكرية صريحة على إسرائيل من إيران معترفا بها، بل وهللوا لها. وهو ما يفتح الباب أمام إسرائيل الآن للقيام بالشيء نفسه، ويمكن لإسرائيل أن تلحق بإيران ضررا أكبر بكثير مما يمكن لإيران أن تفعله بإسرائيل.
ومع ذلك فإن حسابات إسرائيل معقدة أيضا. حيث تقوم إيران بتسليح وتمويل وتدريب منسق مع أعداء إسرائيل الإقليميين، ومن ضمنهم "حماس"، و"حزب الله". ويستعد القادة الإسرائيليون للدخول في صراع مع "حزب الله"، بل إن البعض يرى أنه أمر حتمي ولا بد من القيام به. هذا وتدعم إيران الحوثيين في اليمن، الذين يهاجمون الشحن الدولي بحجة ضرب إسرائيل. ومن غير المفاجئ أن يعتقد القادة الإسرائيليون أن وقف النفوذ الإيراني في المنطقة ربما يكون على رأس أولويات البلاد.

font change

مقالات ذات صلة