التصعيد الإسرائيلي- الإيراني يدخل المنطقة في المجهول

الطبيعة غير المسبوقة للضربات الأخيرة هي بالضبط ما يجعل الأمر خطيرا

أ ف ب
أ ف ب
دبابة إسرائيلية قرب الحدود مع قطاع غزة في 17 أبريل

التصعيد الإسرائيلي- الإيراني يدخل المنطقة في المجهول

أدخلت ليلة 13-14 أبريل/نيسان، الشرق الأوسط في المجهول، ذلك أنها كانت أول مرة تشهد فيها المنطقة هجوما إيرانيا مباشرا وعلنيا ومعترفا به ضد إسرائيل. ولم تشهد المنطقة من قبل إطلاق مئات الطائرات المسيرة والصواريخ في موجة واحدة. أما الرد الإسرائيلي (الذي حصل ليل 19-19 أبريل باستهداف مواقع في أصفهان) فسيحدد ما إذا كان هذا الهجوم هو الهجوم "غير المسبوق" الوحيد الذي ستشهده المنطقة.

قبل التصعيد الأخير، ظل الصراع الأساسي بين إسرائيل وإيران في "الظل"، لسبب بسيط، وهو أن ذلك الوضع كان يناسب الطرفين. ومن خلال عدم الاعتراف صراحة بحالة الحرب الفعلية التي كانت قائمة، لم يستطع أي من الطرفين محاصرة الآخر وإحراجه. وكان هناك سحر معين: فكأن الامتناع عن النطق بكلمة "حرب" يكفي ليعني عدم وجودها. وهذا الغموض سمح بالقدرة على المناورة ووفر مساحة لخفض التصعيد.

بالنسبة لإسرائيل، كانت "الحملة بين الحروب"- الاستراتيجية المعتمدة على نطاق واسع للتعامل مع إيران- وسيلة فعالة لاستهداف إيران وقدراتها المقلقة وتقليص تأثيرها دون الانجراف إلى صراع مباشر. هدفت هذه الحملة إلى إضعاف إيران ووكلائها، دون التورط في صراع عسكري شامل. وعلاوة على الجانب العسكري، فقد فتح التهديد الإيراني الباب أحيانا لتعزيز التطبيع الإسرائيلي مع الدول العربية في المنطقة. وفي الكثير من الحالات، كانت إيران أفضل من يسوّق لإسرائيل في المنطقة.

 أ ف ب
عربة عسكرية إيرانية تحمل مسيرة "آراش" أثناء احتفال باليوم الوطني للجيش الإيراني في طهران في 17 أبريل

ويمكن قول الشيء نفسه بالنسبة لإيران. فمن خلال تأطير تطلعاتها الإقليمية حول خطاب "مقاومة" إسرائيل والدفاع عن فلسطين- رغم أن غالبية عملياتها تحدث خارج الأراضي الفلسطينية ونادرا ما تكون ضد إسرائيل بشكل مباشر- اكتسبت إيران نفوذا ودعما في جميع أنحاء المنطقة. وحتى عندما أطلقت الصواريخ على القدس، أكد المرشد الأعلى الإيراني أنها كانت تسعى إلى "تحرير فلسطين." والشيء بالشيء يذكر، فحين ينعى "حزب الله" قتلاه، فإن أي عضو من أعضائه يقضي بسبب إسرائيل يموت "على طريق القدس"، رغم أن الكثير منهم انعطفوا في سيرهم واتجهوا للقتال في حلب أو القصير في سوريا.

انتهت هذه الديناميكية المضطربة بين البلدين، وبغض النظر عما إذا كانت هذه النهاية دائمة أم مؤقتة، فإنها ستؤدي إلى تصعيد المخاطر بشكل كبير. فإيران اعتبرت الضربة الإسرائيلية لقنصليتها في دمشق تجاوزا للخطوط الحمراء، في حين اعتبر رد الفعل الإيراني أيضا تجاوزا للخطوط.

وضع قواعد "معادلة" جديدة

إن الطبيعة غير المسبوقة للضربات المتبادلة الأخيرة بين إيران وإسرائيل هي بالضبط ما يجعل الأمر خطيرا. فالجانبان لا يفكران في ردود أفعالهما الفورية فحسب، بل يفكران أيضا في كيفية تأثير هذه الردود على الديناميكيات المستقبلية للصراع الذي كان حتى وقت قصير يدور إلى حد كبير في الظل. بعبارة أخرى، عندما تفكر إسرائيل في كيفية الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوق فإنها لا تفكر فقط في التكاليف والفوائد الحالية، بل تفكر أيضا في مدى تأثيره على جولات العنف اللاحقة. فالطرفان يتمتعان بمجموعة القواعد غير المكتوبة للصراع، والتي يشار إليها غالبا باسم "المعادلة"، لتوقع الآثار المترتبة على أفعالهما.

إيران اعتبرت الضربة الإسرائيلية لقنصليتها في دمشق تجاوزا للخطوط الحمراء، في حين اعتبر رد الفعل الإيراني أيضا تجاوزا للخطوط الحمراء

وأكد قائد "الحرس الثوري" الإيراني نفسه أن إيران "غيرت المعادلة" بهجومها غير المسبوق، مما يشير إلى أن إيران سترد الآن بشكل مباشر على أي عدوان على أراضيها أو أصولها أو مواطنيها. ومن المحتمل أن يعزز هذا البيان الحجة داخل قطاعات من القيادة الإسرائيلية بأن الهجوم لا يمكن تركه دون رد. بالإضافة إلى ذلك، فإن طبيعة الهجوم بحد ذاته مهمة، إذ لم ترسل إيران الكثير من الطائرات المسيرة بطيئة الحركة فحسب، بل أطلقت أيضا أكثر من 100 صاروخ باليستي، ما يمثل واحدة من أعنف الهجمات في التاريخ. وفي حين أن إيران لم تستخدم قدراتها الكاملة، مثل "حزب الله"، أقوى وكلائها، إلا أنها نفذت هجوما "رمزيا" استهدف ثلاث قواعد إسرائيلية وربما القدس. وعلى الرغم من الإخطار المسبق الذي أرسلته إيران بنيتها ضرب إسرائيل، رغم علمها بأنه سيسمح لإسرائيل بالتجهيز والتحضر للهجوم، إلا أن حجم الهجوم تجاوز بكثير التأثير ضيق النطاق المتوقع. وعبر الكثير من المصادر الأميركية عن مفاجأتهم بحجم هذا الهجوم.

إن النية وراء الهجوم لا تقل أهمية عن نتائجه. إذ لم يكن الهدف من الرد الإيراني مجرد تشكيل سابقة من الهجمات المباشرة على إسرائيل، بل إلحاق أضرار مستهدفة ومحددة، تتجاوز مجرد الهجوم الرمزي. فهذه الهجمات عبرت عن رسالة واضحة: في حين تتوخى إيران الحذر، فإنها كانت أيضا على استعداد لتحمل المخاطر. وقد تميل إيران إلى تحمل مخاطر مماثلة في المستقبل، خاصة عندما تكون مستويات اليقظة عند إسرائيل وحلفائها منخفضة.

خيارات إسرائيل للرد

في أعقاب الهجوم الإيراني، ناقش المعلقون الإسرائيليون ووسائل الإعلام الدولية بحماس الرد الإسرائيلي المحتمل وتكهنوا به. ويعكس هذا على الأرجح المناقشات الجارية داخل مجلس الوزراء الإسرائيلي. وتشير الكثير من التقارير إلى أن هناك أمرا واحدا مؤكدا: رغم الضغوط الدولية من أجل وقف التصعيد، فمن المتوقع أن تقوم إسرائيل بالرد. ولذلك لم يدر النقاش حول ما إذا كانت إسرائيل ستقوم بالرد، بل حول كيفية الرد وتوقيته. إن تجاهل نتنياهو المزعوم للنداءات المتعددة للزعماء الأجانب، بالنسبة لمن يتابع السياسة الإسرائيلية، ليس سوى علامة إشارة أكيدة إلى أنه سيقوم بالرد.

ولنطاق الرد الإسرائيلي وطبيعته أهمية كبيرة. ففي حين أن لدى إسرائيل الكثير من الخيارات المتاحة للرد، فإن النطاق قد يكون أضيق بكثير إذا كانت تسعى للحفاظ على التوازن بين الضرورة الملموسة للرد وضرورة تجنب الانجرار إلى صراع إقليمي. هناك أصوات تدعو إلى رد فعل مجنون، حيث أشار إيتمار بن غفير بشكل خاص إلى أن رد الفعل الوحيد القابل للتطبيق في الشرق الأوسط على أي هجوم هو "الجنون". وتتوافق هذه الفكرة إلى حد ما مع "نظرية الرجل المجنون" التي تفترض أن الردع يكون أكثر فعالية عندما يعتقد العدو أنك تتصرف بجنون. ومع ذلك، فإن تأثير بن غفير على الرد الإسرائيلي محدود للغاية، حيث يقع اتخاذ القرار على عاتق مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي، المؤلف من الوزير بيني غانتس، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت.

أ ف ب
جنود إسرائيليون قرب بقايا صاروخ إيراني سقط على إسرائيل

ومن المرجح أن يتضمن نهج "الجنون" اختيار إجراءات عالية التأثير، مثل استهداف المنشآت النووية الإيرانية وهي خطوة من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد التوترات على المستوى الإقليمي، وربما تشمل "حزب الله" وتدفع إيران إلى إغلاق الخليج، كما هددت في السابق.

لم يدر النقاش حول ما إذا كانت إسرائيل ستقوم بالرد، بل حول كيفية الرد وتوقيته

بالنسبة لإسرائيل فإن ملاحقة مثل هذا الخيار دون دعم من الولايات المتحدة تعتبر "جنونا" حقيقيا. فإذا لم تنجح المحاولة، فإن إسرائيل ستقوض عن غير قصد مصداقية تهديدها العسكري ضد البرنامج النووي الإيراني، والذي ربما كان الرادع الأساسي الذي يمنع إيران من أن تصبح دولة نووية حتى الآن. كما أن هذا الفشل قد يشجع إيران على التحول من دولة على عتبة امتلاك أسلحة نووية إلى دولة مسلحة نوويا بالكامل.

ولدى إسرائيل أيضا خيارات أخرى أكثر تقييدا. ويشمل ذلك استهداف منشآت عسكرية محددة داخل إيران، بما في ذلك تلك المسؤولية عن إطلاق الصواريخ أو مواقع تصنيع الطائرات المسيرة المستخدمة في تصنيع "الطائرات الانتحارية المسيرة" من طراز "شاهد". ويمكن دراسة الخيار الأخير، نظرا لاستخدام روسيا طائرات "شاهد" المسيرة ضد أوكرانيا، ولكن، في حين أن ضرب منشآت إنتاج الطائرات المسيرة قد يحظى بشكل غير مباشر بمزيد من الدعم من أوروبا والولايات المتحدة، إلا أنه قد يؤدي أيضا إلى تصعيد التوترات مع روسيا. وإذا قررت إسرائيل الرد على إيران، فإنها قد تختار نهجا غير حركي، مثل الهجوم السيبراني على وجه التحديد. ونظرا للمخاطر المرتبطة بتوجيه ضربة مباشرة لإيران، فإن إسرائيل يمكن أن تختار أيضا خيارا يركز في الغالب أو بشكل كلي على أهداف خارج إيران، بما في ذلك سوريا أو العراق أو لبنان. ورغم أن هذا يعتبر الخيار الأفضل لإسرائيل لتجنب إثارة صراع إقليمي، فإنه قد يتعرض للانتقاد أيضا من بعض المراقبين باعتباره غير كاف.

ومن الواضح أن المنطقة تتأرجح الآن على شفا مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل، بشكل لم يحدث من قبل. في الواقع، إيران وإسرائيل أشبه بسيارتين تندفعان باتجاه بعضهما البعض. والسؤال المحوري هو ما الذي يخشاه كل جانب أكثر: أن يُنظر إليه باعتباره الطرف الذي تراجع وانحرف بعيدا عن الاصطدام، أو احتمال الاصطدام بالطرف الآخر بأقصى سرعة.

font change

مقالات ذات صلة