عودة "التيار الصدري"... تفاؤل كردي بالتوازن السياسي

قد تشكل عودة الصدر، بالنسبة للأكراد، استرجاع التوازن المفتقد في العملية السياسية العراقية

أ.ف.ب
أ.ف.ب
أنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في مسيرة لدعم دعوته لمقاطعة الانتخابات البلدية العراقية عام 2023

عودة "التيار الصدري"... تفاؤل كردي بالتوازن السياسي

برجوع "التيار الصدري" العراقي إلى الحياة السياسية في البلاد، عبر إعلانه تشكيل تنظيم سياسي جديد، سماه "التيار الوطني الشيعي"، وتصريح الكثير من قياديه بالاستعداد للمشاركة في الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في العراق أواسط العام المقبل، ساد ارتياح عام الأجواء السياسية في إقليم كردستان العراق، و"الحزب الديمقراطي الكردستاني" تحديدا، أكبر أحزاب الإقليم، والأقرب لـ"التيار الصدري" تقليديا. لأن عودة الصدر بالنسبة له تعني استرجاع التوازن المفتقد في العملية السياسية العراقية، التي صارت مُحتكرة من قِبل قوى "الإطار التنسيقي"، المتمركزة حول "حزب الدعوة" الإسلامي، المقرب من إيران.

كذلك ستقلل هذه العودة، حسب أوساط "الديمقراطي الكردستاني"، من الضغوط السياسية التي يتعرض لها من قِبل هذه القوى الشيعية المركزية، منذ عامين على الأقل، حينما أعلن الصدريون اعتزالهم الحياة السياسية في العراق وقتئذ.

وحسب تصريحات مقربين من زعيم التيار مقتدى الصدر، فإن التيار الجديد سيكون أداة التيار للانخراط في العملية السياسية مجددا، خصوصا الانتخابات البرلمانية المقبلة. مضيفين أن التيار الجديد سيكون تنظيما سياسيا حرفيا، تابعا لـ"التيار الصدري" رمزيا، وملتزما بتعليماته العليا ورؤيته للعملية السياسية ومستقبل البلاد. كذلك سيسعى لأن يضم الكثير من التيارات السياسية العراقية الأصغر حجما، الشيعية منها تحديدا، ويعيد التحالفات التقليدية التي كانت لـ"التيار الصدري" في المعادلة السياسية العراقية.

الأوساط المراقبة للعمل السياسي العراقي تنبأت بحدوث تحول دراماتيكي في المشهد العراقي، من الآن وإلى حين إجراء الانتخابات القادمة، أساسه عودة "التيار الصدري" للمشهد العام. إذ يتوقع المراقبون تقاربا واضحا متوقعا بين التنظيم الجديد ورئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، حيث تزداد تناقضات وخلافات هذا الأخير مع "الإطار التنسيقي". يضيفون أن التحالف المتوقع بين الطرفين سيضم مستقبلا "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، أكبر الأحزاب السياسية في العراق وأكثرها خلافا مع سياسات "الإطار التنسيقي". وتاليا سيكون الصراع المنظور في العراق بين هذين التيارين العريضين في البلاد.

التيار الجديد سيكون تنظيما سياسيا حرفيا، تابعا لـ"التيار الصدري" رمزيا، وملتزما بتعليماته العليا ورؤيته للعملية السياسية ومستقبل البلاد

نهاية "السطوة السياسية"

مصدر سياسي كردي شرح في حديث مع "المجلة" ما سماها "آليات القسر" التي أنتجتها القوى المنفردة بالأغلبية البرلمانية طوال المرحلة الماضية، وكيف أنها أعادت فعليا ما كان قائما في زمن النظام العراقي السابق، من حيث قدرة جهة عراقية ما على فرض إرادتها وسطوتها على باقي القوى السياسية، وقدرتها على تفسير الدستور ونظام الحُكم حسب مصالحها، وفقط لأنها مستأثرة بجوهر السُلطة، المتمثل في الأغلبية البرلمانية، التي صارت فعليا موازية للقوة العسكرية التي كان يملكها ويستخدمها النظام السابق.

المصدر أضاف في حديثه مع "المجلة": "بسبب استئثار القوى السياسية المنضوية في (الإطار التنسيقي) بأغلبية واضحة في البرلمان، بعد استقالة نواب (التيار الصدري)، وهي التي كانت قد خسرت في انتخابات العام 2021 أساسا، فقد أعادت تشكيل النظام السياسي في العراق، أو حاولت وجربت ذلك كثيرا، وأفرزت الكثير من النتائج بسبب محاولاتها تلك، وكان إقليم كردستان ضحيتها على الدوام، والقوى السياسية السُنية بدرجة أقل. فالنظام الجديد في العراق، وإن كان قد تبنى الديمقراطية كأساس جوهري وتمييزي له عن النظام السابق، لكنه أيضا انبلج كنظام سياسي مكوناتي/توافقي".

وتابع المصدر نفسه: "الدستور العراقي بكل تفاصيله، كذلك الأعراف السياسية التأسيسية التي على أساسها تم انتخاب الرئاسات الثلاث خلال جميع الدورات، كذلك توزيع المناصب الرئيسة في رأس هرم الدولة، ومثلها الحقوق الثقافية والسياسية والرمزية، إنما تمت حسب تلك الحقيقة القائمة على جوهر وضرورة مراعاة كل المكونات الأهلية في البلاد وحقوقها، وعدم اتخاذ أية استراتيجيات قاصمة لتلك العلاقة التوافقية فيما بينها. هذا الأساس لم تلتزم به قوى (الإطار التنسيقي)، بسبب خروج (التيار الصدري) من المعادلة السياسية. وبقاء التيار خارجه كان يعني فعليا حرمان ثُلث الشعب العراقي من أي تمثيل سياسي، وترك الفضاء السياسي لأقلية سياسية، تتسبب على الدوام في حدوث أزمات سياسية خانقة، كان إقليم كردستان يتضرر منها تماما".

انهيار المسار التقليدي

منذ أن أُنجزت "الحرب ضد داعش" أواخر عام 2017، وانتهت ولاية رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي في مايو/أيار 2018، فإن المعادلة السياسية الداخلية في العراق كانت قائمة على ثنائية سياسية: القوى السياسية الموالية لإيران قُبالة القوى السياسية النافرة من النفوذ الإيراني. وقد كانت تلك القوى موزعة على مختلف الحساسيات والمناطق والجماعات الأهلية العراقية. كان ذلك في الفضاء السياسي الكردي قائما على الثنائية الاعتيادية، فـ"الاتحاد الوطني الكردستاني" كان مقربا من إيران والتيارات الإقليمية الموالية لها على الدوام، فيما كان "الديمقراطي الكردستاني" على الدفة الأخرى تماما. بقي ذلك ثابتا طوال عقدين كاملين، منذ سقوط النظام السابق.

وبسبب ذلك الانقسام السياسي وقتئذ، عاش العراق فصلا سياسيا مضطربا للغاية، أساسه سياسات الأحزاب المركزية الحاكمة تجاه القوى الرافضة لمركزيتها واستئثارها بالمشهد العام. إذ شهد من طرفٍ صراعا مؤرقا مع إقليم كردستان بسبب استفتاء الاستقلال الذي نفذه في أواخر عام 2017، وسيطرة فصائل "الحشد الشعبي" على محافظة كركوك بالقوى وإقالة المحافظ الكردي المُنتخب وتعيين رئيس الوزراء لمحافظ بديلا عنه. وبسببها أيضا لم تتمكن أي من القوى السياسية من الفوز الواضح في انتخابات مايو 2018، ما أنتج توازنا سياسيا أحدث عطالة في المشهد السياسي، ولأجل ذلك وصل رئيس الوزراء عادل عبد المهدي دون كتلة برلمانية داعمة له بوضوح، إلى أن وصلت الأحوال درجة الانفجار في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019، واندلعت انتفاضة شعبية في العاصمة بغداد والمحافظات الجنوبية من العراق، تمكنت من إقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، وانتخاب رئيس الاستخبارات وقتئذ مصطفى الكاظمي بدلا عنه، في شهر مايو 2020.

المعادلة السياسية الداخلية في العراق كانت قائمة على ثنائية سياسية: القوى السياسية الموالية لإيران قُبالة القوى السياسية النافرة من النفوذ الإيراني

القوى السياسية العراقية كانت متفقة فيما بينها، وإلى حد كبير مع الشارع المنتفض، على أن مهمة الكاظمي ستكون إدارة دفة الحُكم إلى حين إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة، التي جرت في أكتوبر 2021، على أن تكون نتائج هذه الأخيرة حكما بين السلطة والقواعد الاجتماعية المنتفضة، وأن يُسمح للفائزين فيها بالحكم مباشرة.

أسفرت تلك الانتخابات عن هزيمة مُدوية للقوى السياسية العراقية المقربة من إيران، إذ فاز "التيار الصدري" بالمركز الأول على مستوى العراق، حاصدا 73 مقعدا من أصل 325 مقعدا. فيما فاز "تحالف تقدم" الذي تزعمه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بـ37 مقعدا، و"الحزب الديمقراطي الكردستاني" بـ31 مقعدا، في وقت حصد المستقلون قرابة 20 مقعدا. فيما لم تحصل القوى المقربة من إيران إلا على قرابة 50 مقعدا فحسب.

أ.ب
مشرعون عراقيون يحضرون جلسة للبرلمان في بغداد

وحسب تلك النتائج، تحالفت القوى الفائزة بالمراكز الأولى من المكونات الأهلية الثلاثة الرئيسة، الشيعة والسُنة والأكراد، و"التيار الصدري"، و"تحالف تقدم"، و"الحزب الديمقراطي الكردستاني"، وشكلوا تحالفا سياسيا ثلاثيا (إنقاذ وطن)، سعى لانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة، لكن القوى الموالية لإيران أعاقت ذلك تماما، وهددت باللجوء إلى الشارع وأوحت بإمكانية اندلاع العنف الأهلي.

نتيجة تلك المزاحمة السياسية التي طالت لشهور كثيرة، وحيث لم يُسمح لهذا التحالف الثلاثي بانتخاب رئيس للجمهورية، إما عبر إصدار حكم من المحكمة الاتحادية العليا تمنع مرشح التحالف هوشيار زيباري، من الترشح للمنصب، وإما عبر كسر النصاب اللازم للانتخاب، وصلت الأمور إلى ذروتها في أواخر شهر أغسطس/آب 2022، وبعد أسابيع من محاصرة أنصار "التيار الصدري" لمقر البرلمان ومحاولة اقتحامه والقصر الرئاسي، اندلعت مواجهة مسلحة أوقعت عشرات الضحايا، فأعلن زعيم التيار مقتدى الصدر على أثرها اعتزال العمل السياسي، وطالب أنصاره بفض الاعتصام وأعضاء البرلمان التابعين له بتقديم استقالتهم.

وقد انتخبت القوى المناهضة رئيسا للجمهورية، وشكلت الحكومة الجديدة. لكن، وطوال عامين كاملين، بقيت الساحة العراقية مملوكة تماما لواحد من طرفي التوازن السياسي في البلاد، وهو ما صارت نهايته واضحة، بفعل عودة "التيار الصدري" إلى الفعل السياسي.

استرجاع التوازن الكردي

خلال المرحلة نفسها، وأيضا بسب مغادرة "التيار الصدري" للحياة السياسية، تمكن "الاتحاد الوطني الكردستاني" من زيادة حظوته وحضوره في المشهد السياسي العراقي، مستقطعا جزءا وفيرا من حصة "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في المشهد السياسي العراقي، بسبب علاقته التاريخية المتينة مع أحزاب "الإطار التنسيقي" التي هيمنت على المشهد العام، كما يشرح الباحث مراد خوشوي في حديثه مع "المجلة".

ويضيف خوشوي: "التوازن السياسي في كردستان عامة، لكن تحديدا بين هذين الحزبين الرئيسين، كان قائما في بُعد منه على التوازن المتحقق في الإطار الكلي العراقي، وبنود الاتفاق الاستراتيجي الذي جمعهما منذ عام 2005 كانت قائمة على ذلك التفصيل. لكن القوى السياسية العراقية المقربة من إيران، وبسبب تناقضها التقليدي مع (الحزب الديمقراطي الكردستاني)، صارت تفضل حصول (الاتحاد الوطني) على المراكز الكردية في السلطة الاتحادية، رغم تراجع التمثيل السياسي الكلي للاتحاد مقارنة بـ(الديمقراطي الكردستاني)، حتى إنه صار يشغل قرابة نصف المقاعد التي لـ(الديمقراطي الكردستاني)".

ويتابع خوشوي: "لم يكن ذلك دون أثر بالغ على الهدوء والتوازن السياسي داخل إقليم كردستان نفسه. فالحساسية السياسية بين الطرفين تضاعفت منذ عام 2022، وصارا أقل قدرة على تيسير شؤون مؤسسات الحُكم في الإقليم، حتى إن نائب رئيس وزراء الإقليم والقيادي في (الاتحاد الوطني الكردستاني) قوباد طالباني استنكف من حضور اجتماعات الحكومة الإقليمية طوال شهور، وبات (الديمقراطي الكردستاني) يستشعر أن المؤسسات المركزية صارت تضغط عليه حتى ضمن الإقليم، دعما لـ(لاتحاد الوطني)، كما حدث في قرار المحكمة الاتحادية الأخير، الذي دفع (الديمقراطي الكردستاني) لاتخاذ قرار مقاطعة الانتخابات. كل هذه العلاقات التي سيعاد ترتيبها، بسبب هذه العودة لـ(لتيار الصدري)".

font change

مقالات ذات صلة