مسلسل "شوغون" الذي يعلمك كيف تشاهده

في أروقة الصراع التاريخي على السلطة

imdb.com
imdb.com

مسلسل "شوغون" الذي يعلمك كيف تشاهده

يعلمك مسلسل "شوغون" (Shōgun) بسرعة كيف تشاهده. بعد وفاة الشوغون، وهو لقب كان يعطى للحكام العسكريين في اليابان خلال فترة امتدت من 1185 إلى 1868، وكان هؤلاء القادة الحكام الفعليين للبلاد، على الرغم من وجود الإمبراطور كرمز شرفي، الذي ترك وراءه تعليمات لخمسة أوصياء على الحكم حتى يصل خليفته إلى مرحلة النضج، استدعي اللورد توراناغا (يؤدي شخصيته هيرويوكي سانادا) إلى أوساكا. وما كاد يدخل إلى الاجتماع، حتى اكتشف تغييرا في ترتيب الجلوس في اجتماع الحكام، حيث طُلب منه أن يجلس قبالة زملائه الأوصياء، في تلميح خفي لأنهم باتوا يعتبرونه خطرا عليهم.

يحيي لورد إيشيدو (يؤدي دوره تاكيهيرو هيرا) توراناغا بملاحظة تبدو مهذبة، قائلا: "يقدر لكم مجلس الأوصياء قدومكم"، كأنهم ما كانوا يتوقعون حضوره بالفعل. وتظهر المحادثة التالية موقف الأوصياء في شأن نفوذ توراناغا المتزايد الذي يمكن أن يستخدمه ضدهم. ومن ذلك اتخاذه ست زوجات، وتوسعاته الإقليمية، واحتفاظه بالسيدة أوشيبا (فومي نيكايدو)، والدة الشوغون العتيد التي تنتظر صعود ابنها. وفي ظل أجواء من الهدوء، يعبر الجميع عن تظلماتهم ومطالباتهم بتحقيق العدالة ضد توراناغا، بشكل يحجب العداء الكامن بينهم. يستثير هذا الحوار أحد أعضاء حاشية توراناغا، الغاضب من الإهانة التي تعرض لها زعيمه، فينهض ليتحدّى الاتهامات بجسارة، ويده تقترب ببطء من سيفه. بيد أن الأمور لم تتفاقم أكثر، ولم يترتب على ذلك قتال بالسيف، بل حل الحوار والخطاب الوضع الدقيق لتوراناغا وخرْق رجُله للبروتوكول. سوى أن العقوبة المفروضة على الجندي ستكون مرعبة جدا، ولا أعتقد أنني سأنساها يوما.

الصمت والكلام

في "شوغون" أن تقول شيئا خاطئا قد يودي بك إلى التهلكة، كما يمكن أن يفعل الشيء نفسه سكوتك عن قول أي شيء. لكل مساحة قواعدها الخاصة للتفاعل، فيجب اختيار كل كلمة وإيماءة بعناية فائقة. والاختيار الخاطئ قد يحرم الرجل امتيازاته، أو يتسبب بقطع رأسه.

 أن تقول شيئا خاطئا قد يودي بك إلى التهلكة، كما يمكن أن يفعل الشيء نفسه سكوتك عن قول أي شيء

يستند المسلسل الجديد على شبكة FX إلى الرواية الأكثر مبيعا عام 1975 للروائي جيمس كلافيل، ومسلسل NBC المكون من خمسة أجزاء عام 1980 والذي اجتذب 25 مليون مشاهد، وهو يروي الصراع على السلطة بين الحكام اليابانيين والأوروبيين الذين تعدّوا على أراضيهم التي كانت معزولة ذات يوم، وحولوا اقتصادهم، بل وقلبوا ديانة جزء من السكان اليابانيين إلى الكاثوليكية.

على الرغم من أن الكتاب والمسلسل الأصلي لم يتبنّ بشكل كامل مجاز "المنقذ الأبيض" - على الرغم من الدور المحوري الذي لعبه البحار الإنكليزي جون بلاكثورن في السرد دون ممارسة سلطة حقيقية، إلا أن أفكاره أصبحت لا تقدر بثمن بالنسبة الى الورد توراناغا - فقد صورت في الغالب اليابان من منظور أوروبي.

لم تقدم الرواية والمسلسل الأصلي سردية تشبه سرديات "المنقذ الأبيض" تماما – فالشخصية الرئيسة، الملاح الإنكليزي جون بلاكثورن، لم يتمتع أبدا بسلطة حقيقية، على الرغم من أنه كان حافزا للحبكة وأصبح موضع تقدير لنصيحته اللورد توراناغا - - ولكنهما وضعا تصورا عن اليابان بشكل رئيس من خلال عيون الأوروبيين البيض.

twitter

مسلسل "شوغون" 2024 هو، على العكس من سابقه، ملحمة يابانية عن مؤامرات البلاط والسياسات الإقطاعية التي يصادف فيها وجود عدد قليل من الأوروبيين. مرة أخرى، أصبحت شخصية بلاكثورن، التي يؤدي دورها الممثل والموسيقي كوزمو جارفيس، حبة الرمل التي تحفز بسلوكها حبكة القصة، لكنها تُصوَّر هذه المرة، من خلال عيون الطبقة الحاكمة اليابانية (إنهم لا يحبون رائحته ولا يفهمون لماذا يكره الكاثوليك، باعتباره بروتستانتيا، ألا تتبع كلا الطائفتين يسوع، في نهاية المطاف؟)

طور العملَ الجديد للتلفزيون كل من كاتبة القصة القصيرة راشيل كوندو وزوجها جاستن ماركس (أحد كتاب مسلسل  Top Gun Maverick)، تستحضر سلسلة FX صلسلة أفلام "العراب" The Godfatherوأعمال الميلودراما التاريخية الشعبية مثل "إليزابيث" و"المجالد" (Gladiator) في تركيزها على الجوانب التكتيكية للاستيلاء على السلطة والاحتفاظ بها.

ليس من الصواب القول إن "شوغون" يدور حول اختلاف الثقافات، بل إن في المسلسل نزوعا أنثروبولوجيا أكثر

تستخدم السلسلة في الحوار لغة دقيقة ورشيقة وحادة تشبه سيف الساموراي الياباني، كاتانا، فتجعلك تتذوق حوارات المشاهد، وأحيانا مع وجود ترجمة: فبالإضافة إلى اليابانية والإنكليزية، تتحدث بعض الشخصيات بالبرتغالية والإسبانية لتعكس المشاركةَ السياسية والاقتصادية لكل دولة في اليابان الإقطاعية. لكن المشاهد الأكثر توترا تتكشف أكثر بين الشخصيات اليابانية، التي تبقي الأمور خافتة قدر الإمكان، حتى عند مناقشة مسائل الحياة والموت، وعندما يحين وقت استلال السيوف.

مناظرات

ويستمر المسلسل في تعليمنا كيفية المشاهدة في الحلقة الثانية، حيث يطلب توراناغا من تودا ماريكو (آنا ساواي)، وهي نبيلة يابانية تحولت إلى المسيحية من خلال المبشرين البرتغاليين الذين علموها اللغة، أن تجلس لتناظر بلاكثورن عبر مترجم يسوعي برتغالي. يقول بلاكثورن لليسوعي: "لا بأس. يمكنك تحريف كلامي لصالح البرتغاليين". بعدما ترجم اليسوعي بعض جمل بلاكثورن ويذكر له الكلمة اليابانية التي تعني "العدو" في وصف علاقة إنكلترا بالبرتغال، يلجأ الكاهن إلى ماريكو ويسأل عما إذا كانت الترجمات صحيحة. عندما يتأكد توراناغا من ذلك، يقوم المشهد بمراجعة قواعده البصرية، حيث يتحدث كل من توراناغا وبلاكثورن لغته الخاصة في لقطات مقربة مثل مباراة كرة المضرب. بالطبع لا يمكنهما التحدث واحدهما مع الآخر بشكل مباشر فجأة - ولا يفهم أي منهما لغة الآخر.

imdb.com

ويأتي الجزء المبتكر عندما يقوم المسلسل، بعد التأكد من دقة الترجمة من خلال ماريكو، بتغيير عرضه المرئي. بدلا من الاستمرار في إظهار دور المترجم، يركز المشهد بشكل مباشر على التبادل بين توراناغا وبلاكثورن، اللذين يتحدثان بلغتهما الخاصة. يجري الحوار بسرعة وكأننا نرى لقطات قريبة من مباراة لكرة المضرب بين لاعبين يتبادلان ضرب الكرة، مما يعزز ديناميكية وكثافة تفاعلها. المشاهدون، الذين تأكدوا من صحة ماريكو ودقة الترجمة، لم يعودوا بحاجة إلى وجود الوسيط (اليسوعي) بصريا لفهم جوهر الحوار. ويستخدم المخرج، جوناثان فان تولكن، لقطات مقربة للعناوين المباشرة، وهي طريقة ينظر فيها الممثلون إلى العدسة مباشرة.

ليس من الصواب القول إن "شوغون" يدور حول اختلاف الثقافات، بل إن في المسلسل نزوعا أنثروبولوجيا أكثر، لا سيما في لحظاته الأكثر تطرفا في عرض الشر، كحال مشهد عقوبة الجندي الذي وقف في وجه الوصي (الذي لا نرى على أي حال سوى رد فعل زوجته)، أو تلك التي تصور سيدا يحب مراقبة الأشخاص الذين يحكم عليهم بالإعدام ليفهم ما الذي يجري لحظة خروج الروح، وهو يستمع، من داخل مسكنه، إلى صراخ أحد رجال بلاكثورن وهو يغلي حيا، ويبدو على وجهه التعبير المنبهر لمراقب الطيور الذي يحاول معرفة نوع الطائر الذي يصغي الى غنائه. ومع ذلك، يظهر السيد نفسه في مشاهد أخرى كشخص محبوب ترغب في إجراء محادثة معه. لا تجعلك هذه المفارقة تعتقد مطلقا بعدم وجود اتساق في تصوير الشخصية، لكنه يسلط الضوء على مدى تعقيد الطبيعة البشرية. بينما يمتنع المسلسل عن الحكم على تصرفات الأفراد الشخصية، ويقدم منظورا دقيقا، نادرا ما يُرى على التلفزيون الأميركي.

الطيب والشرير

يقاوم "شوغون" عمدا إغراء تقديم شخصيات يمكن أن تحترمها أو تحتقرها، ولكن الشخصية الأقرب لأن تكون شخصية "طيبة" هو توراناغا، ومع ذلك يتم تصويره على أنه فرد عملي يركز على حماية الأسرة ويتعامل مع النظام المختل بدلا من تغييره. فهو لا يتردد في استخدام مرؤوسيه وأقاربهم كمجرد أدوات لتحقيق أهدافه. وتصوَّر بقية الشخصيات ليس كأبطال أو أشرار واضحي المعالم، بل ككائنات معقدة تتشكل من خلال تجاربهم ورغباتهم ومراوغاتهم النفسية. تتأرجح شخصية بلاكثورن بين الإعجاب والعيوب، حيث يُظهر لحظات من الشجاعة واللياقة الحقيقية، لكنه غالبا ما يُظهر الغطرسة وكراهية الأجانب، تماما مثل أي شخص آخر في القصة.

من المثير للإعجاب بالقدر نفسه عدد المرات التي يبقيك فيها صانعو العمل على حافة مقعدك

مع ذلك فمسلسل "شوغون" دراما تجارية بميزانية كبيرة، لذلك لا بد لها أن تتجنب السرد القصصي الدقيق للغاية. ففي كل مرة تبدو الوتيرة بطيئة، تجد المشاهدين يعبرون عن امتعاضهم على وسائل التواصل الاجتماعي في حالة من الارتباك للشكوى من عدم فهمهم للحبكة. لذلك ترى وابلا من السهام تطير مشتعلة في الهواء أو يتناثر الدم على باب منزلق. ولكن من المثير للإعجاب بالقدر نفسه عدد المرات التي يبقيك فيها صانعو العمل على حافة مقعدك متسائلا عما إذا كانت الشخصيات ستضبط نفسها تحت الاستفزاز أو تتفاعل بعنف، فتواجه عواقب وخيمة، هل سيتحكمون في دوافعهم أم أنهم سيكونون محكومين بها، وهو سؤال يطرحه المسلسل بشكل مثير للاهتمام دون تقديم إجابة محددة.

font change

مقالات ذات صلة