أصغر المتاحف في أفريقيا قد يكون أهمّها

معركة أمين متحف لإحياء ذكرى الإبادة

swakopmund-museum
swakopmund-museum
متحف سواكوبموند

أصغر المتاحف في أفريقيا قد يكون أهمّها

تحتفظ مدينة سواكوبموند الساحلية في ناميبيا بمهارة بتراثها الاستعماري، الذي يمكن أولئك الذين يعرفون أين يبحثون، أن يروه، وسط مجموعة ميكانيكيين يعملون تحت سيارات مرسيدس قديمة، وخبازين يقدمون فطائرهم الشهية، ودار ضيافة تحمل اسم أمير بافارياي. يقع متحف سواكوبموند الذي يديره القطاع الخاص في وسط المدينة، وهو يضم مزيجا من الحيوانات المحنطة والثقافة الألمانية. بالقرب من فقمة محنطة، توجد خزانة من أكواب الجعة الطويلة الأنيقة التي استخدمها أولئك الذين تركوا الرايخ الثاني إلى جنوب غرب أفريقيا الألمانية، كما كانت ناميبيا تعرف، بين عامي 1884 و1915. ويعترف أمين المتحف بأن سرده غير مكتمل، ويعزو ذلك إلى نقص في التمويل.

كي تحيط بوصف أكثر شمولية للاستعمار الألماني، ينبغي أن تسافر إلى ضواحي المدينة. أمام منزل صغير يوجد مبنى خارجي لا يزيد حجمه على حجم سيارة "فولكس فاغن" ذات الدفع الرباعي. ربما يكون أصغر متحف في أفريقيا. لكنه بالتأكيد واحد من أهمّها.

يحيي متحف سواكوبموند للإبادة الجماعية، ذكرى ما وصفه العلماء بأول إبادة جماعية في القرن العشرين. بين عامي 1904 و1908، قُتل نحو 65,000 من شعب الهيريرو (80% من إجمالي أفراد هذا الشعب) و10,000 من الناما (50%)، كجزء من الرد الألماني الوحشي على التمرد. كانت الأساليب نذيرا وحشيا كما كانت ملهمة للنازيين (جاءت القمصان البنية التي كانت ترتديها قوات كتيبة العاصفة شبه العسكرية التابعة للحزب النازي من فائض الموجود من الزي الاستعماري). الآلاف حُشروا في معسكرات الاعتقال. أرسلت جماجمهم إلى ألمانيا كي يفحصها علماء تحسين النسل.

يحيي متحف سواكوبموند للإبادة الجماعية، ذكرى ما وصفه العلماء بأول إبادة جماعية في القرن العشرين

يقول لايدلو بيرينغاندا، الذي حصل متحفه رسميا على الإذن بالعمل في يناير/كانون الثاني: "قمت بإعداد هذا العمل لأن متحف سواكوبموند لا يحكي قصة شعبي". إنها أعمال متناثرة، وتتكون في معظمها من صور بالأبيض والأسود طبعت محليا. الصور هي لجماجم، ولأطفال هزيلين في المخيمات، ولنساء مقيدات معا بالسلاسل.

التسمية المنصفة

بعيدا من البندقية الألمانية القديمة التي يؤرجحها السيد بيرينغاندا بين يديه أثناء حديثه، هناك قطعة أثرية واحدة فقط: إيكوري (غطاء الرأس التقليدي الذي ترتديه نساء الهيريرو). أرسلته امرأة سويسرية ثرية وجدته في مجموعتها الخاصة. لا يزال العديد من الآثار والرموز المقدسة (الطواطم) خارج ناميبيا.

بعد أكثر من خمس سنوات من المحادثات، أعلن وزير الخارجية الألماني آنذاك في عام 2021: "سنطلق الآن على هذه الأحداث رسميا الاسم الذي يعبر عن حقيقتها من منظور اليوم: إنها إبادة جماعية". وعدت ألمانيا بإنفاق أكثر من مليار يورو (1.1 مليار دولار) على مدى 30 عاما على مشاريع تصب في مجال المساعدات والتنمية.

AFP
متحف سواكوبموند

وعلى الرغم من أن بعض أفراد الهيريرو يشعرون بالقلق من أنهم لن يروا تلك الأموال النقدية، لكن لم تعرض أية دولة أوروبية أخرى دفع مثل هذا المبلغ تعويضا عن الجرائم الاستعمارية في أفريقيا. كانت بريطانيا قد عرضت في عام 2013 نحو 20 مليون جنيه استرليني (31 مليون دولار) كتعويضات لخمسة آلاف من الضحايا المسنين، بسبب سوء المعاملة التي تعرضوا لها في كينيا في خمسينات القرن الماضي، ولم يتحقق ذلك إلا بعد رفع دعوى قضائية. كما تشكلت لجنة بلجيكية لتقييم الوحشية في الكونغو، لكنها فشلت في إصدار اعتذار. وتحرص فرنسا على إعادة القطع الأثريةأكثر من حرصها على تقديم أي اعتذار.

في تحريف كئيب مثير للسخرية، أصبح الموقع مقبرة يستخدمها السكان الأثرياء في الضواحي المجاورة

يشير بيرنغاندا إلى أن ألمانيا لم تعد العقبة الرئيسة أمام تصفية الحسابات، حيث توجد قوتان أكثر أهمية. الأولى هي الحكومة الناميبية. ومثل حكومة جنوب أفريقيا المجاورة، التي انفصلت عنها البلاد في عام 1990، يحكم ناميبيا حزب سوابو، الذي تنبع شرعيته من معارضته لحكم البيض. لا تذكر الكتب المدرسية سوى القليل عن الإبادة الجماعية، خشية أن يؤدّي ذلك إلى تعقيد الرواية القائلة بأن السوابو هم وحدهم الذين قاوموا البيض. تهيمن مجموعة أوفامبو على حركة السوابو، وهي أكبر مجموعة في ناميبيا، بينما لا يزال كل من الهيريرو والناما مهمشين.

swakopmund-museum
متحف سواكوبموند

تتمثل القوة الثانية في المتمردين في سواكوبموند نفسها، حيث لا يزال نصب تذكاري للجنود الألمان الذين لقوا حتفهم في الحرب ضد الهيريرو والناما قائما بالقرب من الشاطئ. لا يذكر النصب أيا من الفظائع. ويخشى بعض سكان المدينة الأقوياء أن هذا قد يلحق ضررا بالسياحة.

في وقت لاحق، نتجاوز المدينة وصولا إلى المكان الذي اكتشف فيه الباحثون مقابر جماعية للهيريرو. وفي تحريف كئيب مثير للسخرية، أصبح الموقع مقبرة يستخدمها السكان الأثرياء في الضواحي المجاورة. وحده الضريح الحجري الأسود الذي بناه السيد بيرينغاندا يعلن عمن يقبع تحت هذه الأرض. أقامه السيد بيرينغاندا بعدما ذكر المجلس أن العديد من الهيريرو ماتوا هنا في "ظروف غامضة". إن متحفه الصغير لكن الحيوي يزيل أي غموض.

font change

مقالات ذات صلة