أسامة المسلم... كاتب رعب يثير رعب الناشرين في معرض الرباط

طوابير من المراهقين اصطفت للحصول على توقيعه

الكاتب السعودي أسامة المسلم أثناء دخوله المعرض

أسامة المسلم... كاتب رعب يثير رعب الناشرين في معرض الرباط

الرباط: على الرغم من ظهور الكاتب السعودي أسامة المسلم لدقائق محدودة داخل أروقة الدورة الـ29 من المعرض الدولي للكتاب والنشر المقام حاليا في الرباط، إلا أن هذا الظهور تحول إلى أهم أحداث المعرض، إذ اصطف آلاف القراء من المراهقين في طوابير امتدت لساعات، لكنها أثرت على حركة البيع داخل أجنحة البيع والعرض وأدت إلى صعوبة الحركة، الأمر الذي دعا إدارة المعرض الى التدخل.

ويؤكد ناشرون أن إدارة المعرض طلبت من الكاتب السعودي مغادرة المعرض نظرا إلى أن ازدحام الجمهور أدى الى حدوث حالات إغماء، ولم يصدر عن إدارة المعرض تفسير حول هذا الموضوع.

ويقول ناشرون وعاملون في تنظيم معارض الكتب، إن ظهور المسلم في المعارض العربية أصبح حدثا جماهيريا مؤثرا يكشف عن تأثير تكنولوجيا الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي في توجيه خيارات القراء، ويشير البعض إلى تعاقد ناشر أعماله مع شركات متخصصة في هذا المجال، تتولى تنظيم حفلات توقيع لمؤلفاته، كما يلفت البعض الآخر إلى أن نجاح كاتب خليجي في اختراق السوق المغاربي ومعارض شمال أفريقيا إشارة إلى تحولات مهمة، حيث جرت العادة أن يقترن حضوره بمعارض الكتب في دول الخليج العربي وليس خارجها.

وأثير جدال كبير بين ناشرين ونقاد تابعوا الظاهرة داخل معرض الرباط ما بين مؤيد ومعارض.

الأكثر تأثيرا

خلال العامين الأخيرين أصبح المسلم من بين أكثر الكتاب العرب تأثيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة (إنستاغرام) بفضل ما يقرب من 450 ألف متابع لأنشطته وتفاعله مع القراء.

ظهور المسلم في المعارض العربية أصبح حدثا جماهيريا مؤثرا يكشف عن تأثير تكنولوجيا الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي

يركز المسلم (من مواليد 1977) على كتابة روايات مسلسلة تدور حول أدب الفانتازيا والرعب، ويشير موقع "ويكيبيديا" إلى أن المسلم صدرت له 32 رواية من أشهرها ثلاثية بعنوان "خوف" يجري تحويلها إلى مسلسل درامي وسلسلة "بساتين". 

ويرى ناشرون أن إقبال المراهقين على أعماله يعدّ امتدادا لظاهرة الإقبال على مؤلفي الرعب والفانتازيا في العالم العربي، كما يجدد علاقة القراء بأدب المغامرات الذي عرف نجاحا كبيرا خلال سبعينات القرن الماضي مع سلسلة "المغامرون الخمسة" و"الشياطين الـ13" في مصر، التي شهدت نموا في أدب المغامرات والجاسوسية في أوائل الألفية الحالية بفضل نجاح كتّاب مثل أحمد خالد توفيق ونبيل فاروق في خلق جمهور جديد لهذا النوع من الكتابة.

ويشير علاء الدين المغاري (20 عاما) وهو أحد قراء المسلم الذين اصطفوا في الطوابير إلى أنه يشعر بسعادة كبيرة عند قراءة أعمال من يصفه بكاتبه المفضل، ومتابعة منشوراته على إنستاغرام.

ولوحظ أن غالبية الجمهور الذي اصطف لاستقبال الكاتب والحصول على توقيع منه هو من الفتيات بين 12 عاما و17 عاما، وأن كثيرات من هؤلاء جئن بصحبة ولي أمرهن، ومن بين أولياء الأمور وقف هشام الزراقي (47 عاما) مع ابنتيه بأمل لقاء المسلم، مؤكدا أنه يشارك ابنتيه متعة التعرف الى أجواء تثير الرعب وتنمي الخيال ويصف المسلم بـ"كاتب الفانتازيا الأول عربيا"، موضحا أنه يتابعه باستمرار من خلال "تيك توك".

ويرى المغاري أن إقبال الفتيات في المغرب على قراءة أعمال المسلم، نابع من رغبتهن في الولوج إلى عالم الجن في بلد يحتل فيه السحر مكانة مهمة في الثقافة الشعبية.

في حين يرى موزع الكتب أمير الناجي من دار "أقلام عربية" في القاهرة أن نجاح هؤلاء الكتاب نابع من تعاقدات مع شركات متخصصة تستقطب نجوم "يوتيوب" والمؤثرين أو المتابعين لترويج بعض السلع، وبالتالي يعامل الكتاب معاملة السلعة فتحقق هذه النوعية من المؤلفين نجاحات تبقى في الغالب مؤقتة، دورة النجاح فيها لا تزيد على خمس سنوات لأن القارئ بعدها ينمو عمريا وتتغير خياراته.

 المجد للجمهور

وتدافع الكاتبة الإماراتية عائشة سلطان عن ظاهرة القراء الذين أنجبتهم مواقع التواصل الإجتماعي، وترى أن وجودهم داخل المعارض يعد أمرا إيجابيا، كما تشير إلى أن تنامي التفسير السلبي الذي يقدمه المثقفون لهذه الظاهرة يكشف عن عدم فهم للمتغيرات الجديدة وعجز عن التعامل مع التحديات التي أوجدها نمو الفضاءات الافتراضية.

اقبال كبير على حفل توقيع للكاتب السعودي أسامة المسلم خلال معرض الرباط الدولي للكتاب

وتطالب سلطان الناشرين برصد الواقع الجديد والتعامل مع خيارات الجمهور.وتدعو إلى الإجابة عن سؤال: لماذا يتابع مراهقو العالم أدب الرعب ولماذا يجد كل تلك الجماهيرية في عالمنا العربي؟

وتوضح أن مهاجمة النقاد والإعلام لهذه الظاهرة ينطوي على عدم معرفة بهذا العالم المجهول الذي يثير الرعب بما ينطوي عليه من أسئلة جديدة. وتضيف: "الناشرون يشعرون بالغيرة من التدفق الجماهيري على كتابات يصفونها بالسطحية لكنها تكشف في المقابل عجزهم عن الوصول الى هذا الجمهور".

التفسير السلبي الذي يقدمه المثقفون لهذه الظاهرة يكشف عن عدم فهم للمتغيرات الجديدة – عائشة سلطان

 ويرى الناقد الأدبي المغربي محمد برادة أن تنامي ظاهرة أدب الرعب يكشف عن تراجع تأثير النخب المثقفة من جهة ويشير من جهة أخرى  إلى حاجة الشباب العربي إلى كتابة تملأ الفراغ المحيط بهم.

ويوضح برادة أن الظاهرة لها أبعاد عالمية، فقد شهدت فرنسا انتشارا لمسلسلات وأفلام حول عالم الرعب والعنف والجاسوسية، لكنها تبدو في بلداننا العربية رد فعل يعبر عن شوق الفرد ليكون أقوى مما هو عليه، وبالمثل تحمل إشارة دالة إلى أن الافتراضي صار بديلا للعالم الواقعي. فالقراء المراهقون والشباب لا يجدون أنفسهم في ما يعيشونه، كما أنها ظاهرة تشير بوضوح إلى قوة الوسائط الجديدة في مجتمعات الخليج وهي الأسبق في التعاطي مع التكنولوجيا الحديثة وارتياد الفضاءات الافتراضية.

الكاتبة الإماراتية عائشة سلطان

ويقول الناقد المغربي حسن المودن المتخصص في دراسات التحليل النفسي "نحتاج إلى مقاربة علمية حول الظاهرة قبل أن نقدم تحليلا لها، لكن مجتمعاتنا لا تعرف للأسف دراسات جادة حول اتجاهات القراءة وتأثير قوة الوسائط الجديدة".

وينظر المودن إلى ما يصدر عن ناشرين أو قراء  في هذا الصدد بوصفه "وصفا لجانب واحد وليس تعبيرا عن إلمام حقيقي بكل الأبعاد".

ويوضح أن نجاح كاتب سعودي في جمع هذا العدد من القراء في بلد مثل المغرب يؤكد من جديد أن العوالم الإفتراضية لا تقوم على الهويات لأن لها منطقها المتفرد.

من جهته يقر الروائي المغربي إسماعيل غزالي بأنه يكتشف حدود ظاهرة المسلم للمرة الأولى، ويلفت إلى أن نجاح المسلم وأمثاله ليس عشوائيا، كما يعتقد البعض وإنما هو عمل منظم لا يدخل في إطار عمل الكاتب أو التزاماته أمام القراء لكنه عمل تقوم به شركات متخصصة في الميديا والاعلام الجديد، ومن هنا فهي ظاهرة صحية في المجمل كونها توظف أدوات معاصرة لخدمة الكتاب، وسواء قبلنا أو رفضنا هذه الخدمة فإن الواجب هو الانفتاح على تلك الوسائط وتوظيفها لصالح القراءة بشرط أن يكون هذا التوظيف صحيا.

تجربة اختراق

 ترفض الناشرة المصرية فاطمة البودي مديرة "دار العين" امتداد ظواهر افتراضية أنتجتها مواقع التواصل الاجتماعي إلى الفضاءات الواقعية لعملية القراءة ومجالات الإبداع . 

 وتشير إلى أنها المرة الأولى التي يشهد فيها المغرب وجودا لكاتب مثل أسامة المسلم، معتبرة أنها ظاهرة ناتجة من حضور الوسائط الجديدة التي تعتبر أنها "لا تخلق قيمة معرفية، وإنما تعزز سطحية الجمهور، ولا تؤدي إلى الارتقاء بوعيه".

وينظر الناشر خالد الناصري مدير "دار المتوسط" الى هذه الظواهر بوصفها "الدليل الأكبر على فشلنا في تربية أولادنا وتركهم ضحية لشيء من التسطيح"، معتبرا أن النشر مهنة تقوم على المعرفة، ويقول: "إصرار هذه النوعية من المبدعين على إنتاج مؤلفات تعزز الخرافة باسم تنمية الخيال هو دليل عجزنا عن تقديم المعرفة الجادة". 

 أن هذه الظواهر دليل على الأثر السلبي الذي تركته مواقع التواصل الاجتماعي على سوق القراءة

ولم يحضر ناشر المسلم داخل المعرض وإنما من خلال موزع وكيل.

من جهته يقول موزع الكتب أمير الناجي من مصر إن اهتمام جماهير الشباب بكتابة المسلم تحول إلى ظاهرة داخل معارض الكتب العربية، مشيرا إلى أن الكاتب نظم حفل توقيع مماثلا في الدورة الأخيرة لمعرض القاهرة للكتاب في فبراير/ شباط الماضي، كما انه يطوف معظم المعارض العربية ويجد جمهورا مماثلا.

 ويفسر الناجي الإقبال الجماهيري على المسلم بأنه نتيجة نشاط ناشره على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وغالب هذا النشاط يأتي في صورة إعلانات مدفوعة، وبالتالي هو ظاهرة مصنوعة، لكنها قد تؤدي إلى تغيير إيجابي وتدفع بقراء جدد إلى سوق القراءة.

 في حين ترفض الناشرة فاطمة البودي من "دار العين" هذا الاستنتاج، مؤكدة أن هذه الظواهر دليل على الأثر السلبي الذي تركته مواقع التواصل الاجتماعي على سوق القراءة.

font change

مقالات ذات صلة