ارئيل شارون في سراي بعبدا... والرئيس سركيس يلعب "طاولة الزهر" (1 من 5)

الأسد حذر الرئيس اللبناني من إدخال الجيش وإخراج "قوات الردع" وسوريا... ودمشق تنتقد تعيين "ضابط ارتباط" لبناني مع الجيش الإسرائيلي "منذ اليوم الأول"

المجلة
المجلة

ارئيل شارون في سراي بعبدا... والرئيس سركيس يلعب "طاولة الزهر" (1 من 5)

في الحلقة الأولى من الوثائق السرية عن خروج ياسر عرفات ومقاتليه من بيروت في عام 1982، ماذا طلبت إسرائيل من سوريا عبر ضابط الارتباط اللبناني؟ وماذا كان رد حافظ الأسد؟ ما كان رد فعل قائد سرية الدرك في سراي بعبدا عندما دخل إليه آرئيل شارون والرئيسان الياس سركيس ورينيه معوض لم يصدقا الخبر، وأكملا "دق الطاولة"؟ وماذا تضمن الموقف الأميركي والإسرائيلي الذي أبلغه المبعوث الأميركي فيليب حبيب للفلسطينيين و"أبو عمار"؟

بعد اجتياحه لبنان الذي كانت تنتشر فيه قوات سورية تحت لواء "قوات الردع العربية" منذ عام 1976تقدم الجيش الإسرائيلي نحو بيروت في يونيو/حزيران 1982 وأحكم حصارها وهدد بتدميرها مطالبا بخروج رئيس "منظمة التحرير الفلسطينية" ياسر عرفات (أبو عمار) ومقاتليه منها إضافة إلى القوات السورية.

في 13 يونيو، تلقت دمشق من قيادة القوات العسكرية في بيروت الرسالة التالية: "أرسل اللواء يوسف حنان ومساعده اللواء عالوس قائد الحملة الإسرائيلية في بعبدا، بواسطة ضابط من الجيش اللبناني رسالة باللغة الفرنسية إلى العميد سامي الخطيب (القائد اللبناني لقوات الردع العربية) هذا نصها: نظرا للظروف الحاضرة يجد نفسه (أي القائد الإسرائيلي) باتجاه ضرورة معنوية ومادية لاستخدام وسائل الاتصال في الجيش اللبناني لإبلاغ قائد قوات الردع العربية بإعطاء فرصة أخيرة لانسحاب مشرف للقوات السورية في بيروت والجمهور وعاليه، وأن المدة القصوى بالإجابة هي ظهر 15 يونيو 1982، وفي حال عدم الجواب أو الجواب السلبي يُعتبر السوريون هم المسؤولون عن الضحايا البشرية والتدمير الذي سيحدث لهم، لأن مهمة القوات الإسرائيلية تقتضي إخراج السوريين من بيروت. ولكل الاعتبارات الأخرى، يرغب تحاشي المعركة التي هي بالنسبة له معروفة النتائج، نظرا لعدم التوازن الكبير بين القوى".

غيتي
ياسر عرفات حاملا بندقية "كلاشينكوف" سوفيتية الصنع، يسير مع أحد مرافقيه ببيروت في سبتمبر 1982

وبعد مشاورات قيادية، قرر الرئيس السوري حافظ الأسد إبلاغ العميد الخطيب الجواب التالي: "نحن موجودون في بيروت بقرار عربي وموافقة السلطة الشرعية اللبنانية، ولبنان دولة عربية ومستقلة وسندافع عن لبنان والشرعية فيه وعن الشعب الفلسطيني بكل إمكاناتنا".

وفي 15 يونيو، تسلم وزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام (أصبح نائبا للرئيس في 1984) من العميد الخطيب، رسالة من الرئيس إلياس سركيس، هذا نصها: "الوضع العسكري الحالي على الأرض، لا يوحي بأي اطمئنان لما يسمى الوعود المعطاة لنا بعدم دخول (إسرائيل) بيروت، ولم نستطع الحصول على ضمانات، ومن واجبنا أن نحول دون تدمير العاصمة وأن نسعى دون ذلك حتى لا تصاب كما أصيبت صيدا وصور (جنوب لبنان).

آرئيل شارون دخل مكتب قائد سرية الدرك في بعبدا المقدم رفيق الحسن، وقال له: "أنا آرئيل شارون وزير دفاع إسرائيل"، فسقط المقدم على كرسيه من المفاجأة

انطلاقا من هذه الاعتبارات لا بد من إعطاء الجيش اللبناني أمرا بدخول بيروت لأن ذلك يمكن توظيفه سياسيا في مطلق الأحوال إذا افترضنا أنه لن يحول دون اجتياح العاصمة، وأرى نفسي لإعطاء هذا الأمر بين لحظة وأخرى وهذا يستتبع انكفاء جميع القوى (بما فيها السورية) داخل العاصمة إلى مراكز أخرى تحدد فيما بعد. وإني أجد من الواجب إحاطتكم علما بهذا الإجراء كي لا تفاجأوا بأي قرار من هذا النوع يهدف إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه والقيام بواجبي في هذه الساعات الحرجة من تاريخ وطني". 
وحسب محضر الاجتماع، أبلغ الخطيب خدام بواقعتين: "الأولى: أن وزير الدفاع الإسرائيلي (آرئيل شارون) دخل مكتب قائد سرية الدرك في بعبدا المقدم رفيق الحسن، وقال له أنا وزير الدفاع، فانتصب المقدم واقفا وقدم التحية وعلى الفور قال: لكنك لست معالي جوزيف بك سكاف، فرد عليه الإسرائيلي: أنا آرئيل شارون وزير دفاع إسرائيل، فسقط المقدم على كرسيه من المفاجأة"، وإن كان محللون تساءلوا: هل يعقل ألا يعرف ضابط لبناني الفرق بين جوزف سكاف وآرئيل شارون؟ 

غيتي
الرئيس اللبناني الراحل إلياس سركيس

أما الحادثة الثانية التي رواها الخطيب لخدام فهي أن "السيد فاروق أبي اللمع مدير الأمن العام اللبناني ونديم الرئيس سركيس، توجه إلى القصر فوجد الرئيس والسيد رينيه معوض يلعبان طاولة الزهر فأبلغهما بوجود شارون في سراي بعبدا، فأجابه معوض: دعنا من هذا المزاح، لا وقت للمزاح الثقيل دعنا نتابع اللعب".
وبعد أن غادر العميد سامي عرض خدام الرسالة على الرئيس الأسد، و"كانت وجهة نظر الرئيس الأسد أن يكون الجواب مرنا يتضمن الرفض بصورة غير مباشرة، مع التأكيد على استمرارية العلاقة مع الرئيس سركيس، واستمرار الاستعداد لمساعدته ومساعدة لبنان. وبالفعل كتبت مشروع الرد وعرضته على الرئيس فوافق عليه بعد أن أدخل بعض التعديلات".

"إننا جميعا حريصون على كرامة اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين والعرب جميعا، خاصة عندما يتعلق الأمر بمواجهة العدوان الإسرائيلي"

وزير الخارجية ونائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام

وفي اليوم التالي، 16 يونيو، سلم خدام الخطيب هذا الرد: 
"1 ـ نأمل أن يأخذ الرئيس سركيس بعين الاعتبار المرحلة التاريخية والضرورات القومية وظرف الاحتلال الإسرائيلي الذي يحيق بالأمة.
2 ـ لقد تعاونا سابقا مع الرئيس سركيس وضحينا من أجل لبنان ورأينا أن تقوم السلطة المركزية القوية، رغم المصاعب التي كنا نواجهها من هذا الجانب أو ذاك، ويذكر الرئيس سركيس أننا عرضنا في وقت من الأوقات ضرورة فرض سلطة الدولة على الجميع لأن في هذا مصلحة الجميع، وما زال رأينا حتى الآن هو أن تقوم السلطة المركزية القوية اللبنانية التي تسيطر على كل لبنان المستقل، ونحن جاهزون للعمل والتعاون من أجل هذا الآن وفي المستقبل، وفي هذا الإطار نرى أن أول ما يجب أن نفعله هو أن نتعاون جميعا للتخلص من الاحتلال الإسرائيلي لأراضي لبنان، ويجري تعاوننا لإزالة الاحتلال الإسرائيلي ولإجراءات ما بعد الاحتلال التي علينا أن نقوم بها من أجل سيطرة السلطة المركزية على كل الأراضي اللبنانية، ويجري تعاوننا في هذا الشأن ضمن خطة محددة ومفصلة نتفق عليها منذ الآن ونلتزم بتنفيذها بكل دقة وأمانة. وإذا رغب الرئيس سركيس في أن يكون لهذه الخطة طابع عربي يمكن أن ندعو لعقد مؤتمر قمة عربي موسع أو مصغر، ونحن بانتظار الجواب حول هذا الأمر.
3 ـ إننا نشيد بلجنة الإنقاذ الوطني التي شكلها الرئيس سركيس ونتمنى أن تمارس نشاطها وإذا رغب أن نساعد في ذلك فسوف نسعى إلى ذلك.
4 ـ إننا من موقع القوة نرى أن يؤدي الإجراء الذي يفكر الرئيس سركيس بأن يقوم به إلى تضميد الجراح وردم الفجوة بين اللبنانيين لا إلى عكس ذلك سيما وأن ظروف الاحتلال الإسرائيلي تزيد من حساسية هذا الأمر.
5 ـ نرى في القرار الذي يفكر فيه الرئيس سركيس لإخراج قوات الردع من بيروت في الوقت الذي تحتل فيه القوات الإسرائيلية محيط بيروت أمرا خطيرا للغاية وهو يعني ببساطة أن تستسلم القوات السورية ومن يتصدى للعدو من الفلسطينيين واللبنانيين، أن يستسلم هؤلاء جميعا للقوات الإسرائيلية، وقد لا يكون الرئيس سركيس منتبها لهذا الأمر لأننا جميعا حريصون على كرامة اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين والعرب جميعا، وخاصة عندما يتعلق الأمر بمواجهة العدوان الإسرائيلي".

"الدولة اللبنانية ليست فقط عاجزة عن مواجهة الاحتلال، بل إنها ليست راغبة"

وزير الخارجية ونائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام

وبعد أن تلقى سركيس جواب الأسد على رسالته، طوى فكرة إدخال الجيش، حسب قول خدام في أوراقه. 
ويضيف: "لقد قامت في لبنان حالة من الذهول والاستياء والضياع، فالدولة ليست فقط عاجزة عن مواجهة الاحتلال، بل إنها ليست راغبة، والجيش تعاون منذ اللحظة الأولى وعين المقدم فوزي أبو سرحان، ضابط اتصال مع قيادة القوات الإسرائيلية، والقوات اللبنانية كانت تشكل غطاء ومساندة للقوى الغازية. أما الباقون فقد كانوا يتلقون ضربات العدو الجوية والبرية والبحرية. وكل ذلك كان يجري و(المبعوث الأميركي) فيليب حبيب يتنقل بين منزل السفير الأميركي وقصر الرئاسة في بعبدا، والمبادرة الوحيدة التي قامت بها الدولة هي تشكيل لجنة الإنقاذ الوطني برئاسة الرئيس سركيس".
عقدت اللجنة اجتماعات عدة للبحث عن مخرج للوضع، وقدمت أفكارا من كل الفرقاء. وحسب وثيقة من جهاز الاستخبارات السورية في بيروت (أصبح غازي كنعان صاحب الكلمة فيه ثم رئيسا له خلفا لمحمد غانم في 1982) في 21 يونيو: "اجتمعت لجنة الإنقاذ الوطني اللبناني برئاسة الرئيس إلياس سركيس وبحضور رئيس الوزراء شفيق الوزان والوزير فؤاد بطرس والنائب نصري معلوف ونبيه بري ووليد جنبلاط وبشير الجميل  في الساعة 17.00 بتاريخ 20 يونيو 1982 وقد تم في هذا الاجتماع التصور المشترك التالي:
1 ـ التأكيد على الانسحاب الإسرائيلي من كل الأراضي اللبنانية.
2 ـ السيادة اللبنانية على كافة الأراضي اللبنانية.
وكانت وجهة نظر الحركة الوطنية وحركة "أمل" هي التالية:
1 ـ الانسحاب الإسرائيلي الشامل من لبنان.
2 ـ حماية المقاومة الفلسطينية.
3 ـ التأكيد على الوجود السوري السياسي والعسكري في لبنان. 
وكانت وجهة نظر السلطة اللبنانية والجبهة اللبنانية هي التالية:
1 ـ دخول الجيش اللبناني إلى بيروت الغربية.
2 ـ تسليم السلاح الثقيل الفلسطيني في بيروت إلى الجيش اللبناني وحصر السلاح الخفيف في المخيمات فقط، ويمكن أن يعيش الفلسطينيون في لبنان بضمانة أميركية تحت سيادة السلطة الشرعية اللبنانية ويمارسون النشاط السياسي والإعلامي فقط أي العودة بالفلسطينيين إلى ما قبل عام 1969.

غيتي
لقاء بين ياسر عرفات وكل من الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ورئيس حركة "أمل" الشيعية نبيه بري، قبيل مغادرة "أبو عمار" بيروت، 30 أغسطس 1982

وقد شكلت لجنتان، الأولى مؤلفة من الرئيس شفيق الوزان والسيد نبيه بري والسيد وليد جنبلاط، مهمتها عرض وجهة نظر السلطة اللبنانية والجبهة اللبنانية، ومعرفة موقف المقاومة الفلسطينية في هذا الخصوص، علما أن ممثلي الحركة الوطنية وحركة (أمل) في لجنة الإنقاذ سوف يعرضان على لجنة الإنقاذ الموقف المشترك اللبناني الوطني- الفلسطيني في اجتماع يوم غد الثلاثاء ومضمون الحفاظ على الوجود الشعبي والسياسي والإعلامي والعسكري للمقاومة الفلسطينية مع الأخذ بعين الاعتبار الواقع اللبناني والواقع الفلسطيني. 
وشكلت اللجنة الثانية للاتصال بفيليب حبيب للضغط على الإسرائيليين، مؤلفة من الوزير فؤاد بطرس، والنائب نصري المعلوف، وبشير الجميل. مهمتها عرض وجهة نظر الحركة الوطنية وحركة (أمل) التي تتمثل في التالي:
1 ـ منع الاجتياح الإسرائيلي لمدينة بيروت.
2 ـ الطلب من إسرائيل الانسحاب 5 كم من بيروت حتى تتم المفاوضات في جو حر بعيدا عن التهديد والضغط.
وقال المجتمعون إن قوات الردع العربية قوات شرعية موجودة على الأراضي اللبنانية بموافقة السلطة الشرعية اللبنانية والقمة العربية ولا يمكن إنهاء مهمتها في لبنان إلا بموافقة السلطة اللبنانية والقمة العربية معا".
وحسب خدام، فإن "هذا الموقف أربك الموقف الدولي والعربي وذلك بإصراره على التفاوض مع المقاومة الفلسطينية، وإنهاء وجودها المسلح تحت ضغط الاحتلال الإسرائيلي، وقبل فك الحصار عن مدينة بيروت. وإزاء الضغوط التي وجهت للمقاومة الفلسطينية، سواء العسكرية أو السياسية فقد أبلغت هيئة الإنقاذ ما يلي:
1 ـ تقبل الانكفاء إلى المخيمات الفلسطينية مقابل انكفاء إسرائيلي مماثل، أي أن يفك الحصار عن مدينة بيروت لمسافة تساوي المسافة التي ستتراجع فيها المقاومة إلى المخيمات.
2 ـ تقبل أن يتولى الجيش اللبناني عملية الفصل والتمركز في المواقع التي سيتم إخلاؤها مقابل ضمانة عدم دخول الإسرائيليين بتسهيل من الجيش.
3 ـ في حالة تنفيذ هذين البندين تطرح المقاومة مشروعها مع السلطة على قاعدة أن يكون الوجود الفلسطيني سياسيا وإعلاميا وعسكريا كما في بقية الأقطار العربية، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصية اللبنانية".
وقد أبلغت هذه المطالب لفيليب حبيب الذي وعد بنقلها لحكومته وللإسرائيليين.
وفي 23 يونيو أبلغ حبيب الموقف الأميركي والإسرائيلي للفلسطينيين ورئيس "منظمة التحرير" ياسر عرفات وهو: 
"1 ـ لا وجود عسكريا للمقاومة الفلسطينية في لبنان.
2 ـ لا سيادة على أرض محدودة لا للمنظمة ولا لسواها.
3 ـ خضوع الفلسطينيين للسلطة حتى في داخل المخيمات.
4 ـ بسط السلطة اللبنانية فوق كل الأرض اللبنانية، ولا وضع مميزا للفلسطينيين لا في بيروت ولا في سواها". كما طرح سؤالين: هل سيبقى القادة الفلسطينيون في لبنان؟ هذا الأمر لهم الخيار فيه. هل ستبقى فصائل فلسطينية في لبنان؟ المطلوب تحديد تصور المنظمة لوجودها في لبنان".

* غدا حلقة ثانية: تصاعد الحملات بين الأسد وعرفات... وحبيب يقدم اقتراحه لإخراج الفلسطينيين من بيروت

font change

مقالات ذات صلة