لا شك أن التلميح بتخفيف تشدد السياسة النقدية في الولايات المتحدة سيكون له آثار مهمة على مختلف اقتصادات العالم ومصارفه وشركاته، نظرا لوزن الاقتصاد الأميركي المعلوم والمعولم، وستحذو بقية المصارف المركزية حذو الاحتياطي الفيديرالي، ويفترض أن تنعكس تلك التوجهات الإيجابية في الأسواق، على رأسها "وول ستريت" في الخريف والشتاء المقبلين.
ولكن، مع التمعن في المحفزات الرئيسة التي قد تكون عجلت في اتخاذ الاحتياطي الفيديرالي خطوة كهذه، لا بد أن تكون الأولوية حاليا لتقديم الدعم للاقتصاد بعد صدور تقرير الوظائف الأخير الذي تمخض عن ارتفاع في معدل البطالة إلى 4,3 في المئة، ليس على نحو يؤشر الى ركود وشيك للاقتصاد الأميركي، ولكن مع ذلك فإن "المزيد من التباطؤ في سوق العمل لن يكون موضع ترحيب" بحسب قول باول، إذ يقترب سوق العمل في الولايات المتحدة من نقطة التحول، حيث يمكن أن يؤدي تباطؤ نمو الوظائف إلى ارتفاع أسرع في معدلات البطالة.
كما يأتي هذا التحول في وقت بالغ الأهمية والحساسية بالنسبة للاقتصاد الأميركي، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، ومع استمرار قلق العديد من الأسر في شأن تكاليف المعيشة المرتفعة على الرغم من انخفاض نسب التضخم.
"إعلان النصر" على التضخم
يدافع باول عن السياسة النقدية التقليدية التي ينتهجها بنك الاحتياطي الفيديرالي مؤكدا أنها "ساعدت في استعادة التوازن بين العرض والطلب الإجماليين، وتخفيف الضغوط التضخمية وضمان بقاء توقعات التضخم ثابتة بشكل جيد"، لا سيما مع الخروج التدريجي من جائحة "كوفيد-19" في عام 2021.
علما أن باول اعترف بأنه وزملاءه في بنك الاحتياطي الفيديرالي أخطأوا في تقدير التهديد التضخمي في أوائل عام 2021، أي مع تراجع حدة "كوفيد-19". في حينه، واعتبروا أن ارتفاع الأسعار هو نتيجة طبيعية لاضطرابات سلسلة التوريد المرتبطة بالجائحة، وأن الضغوط التضخمية هي حتما عامل موقت سيتلاشى "بسرعة إلى حد ما دون الحاجة إلى استجابة سياسية نقدية - باختصار، سيكون التضخم موقتا". وقد شاركهم في هذه الخلاصة معظم محللي ومحافظي البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة.
خفض تدريجي ستحكمه المؤشرات
وعلى الرغم من إعلانه تيسير السياسة النقدية في الفترة المقبلة، إلا أنه رسخ عدم مساومته على ما قد ينعكس سلبا على الاقتصاد الأميركي، وكان واضحا في أن "توقيت خفض أسعار الفائدة ووتيرته سيعتمدان على البيانات والمؤشرات الواردة، والتوقعات المستجدة، وتوازن الأخطار"، وليس على رد فعل من هنا أو حدث مقبل من هناك. وخلصت هذه التوقعات إلى إمكان خفض أسعار الفائدة تدريجيا بمقدار 25 نقطة أساس في كل من سبتمبر/أيلول ونوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول.
وتؤكد مسيرة الفيديرالي حرصه الشديد ودقته في تحريك أسعار الفائدة صعودا أو نزولا. وما النجاح في الوصول إلى معدل تضخم بلغ 2,5 في المئة من ذروة بلغت 7,1 في المئة (مع ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك الى 9,1%) قبل عامين، إلا دليل على ذلك، وهو معدل بات قاب قوسين أو أدنى من النسبة المستهدفة عند 2 في المئة.