عاشت قرية "الفاو" دهرا من الزمان تحت طي النسيان، مجهولة تحت حجب التاريخ، حتى لمستها أقدام الآثاريين السعوديين من جامعة الملك سعود عام 1972. ومن هنا انطلقت رحلة طويلة من البحث والكشف والتنقيب عن حضارة "الفاو" وتراثها العريق في جزيرة العرب، بقيادة الآثاري الكبير الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري، الذي ينسب له الفضل الكبير في اكتشاف "الفاو" ودراسة آثارها.
وفي يوليو/تموز الماضي أعلنت السعودية تسجيل "المنظر الثقافي لمنطقة الفاو الأثرية"، جنوب غربي منطقة الرياض في "قائمة التراث العالمي". هذه القرية الضارب تاريخها في جذور الزمن تقع في مكان تتقاطع فيه محافظة وادي الدواسر مع سلسلة جبال طويق، على جادة الطريق التجاري القديم المعروف بـ"طريق نجران-الجرهاء"، مما أكسبها أهمية بالغة في عصرها، وجعل منها مركزا تجاريا للقوافل التجارية بين جنوب الجزيرة العربية وشمالها الشرقي.
يعود تاريخ "قرية"، أو "الفاو"، أو "ذات كهل" كما تشير المصادر والكتابات القديمة إلى ما قبل الإسلام بخمسة قرون، وكانت عاصمة لـ"مملكة كندة" من القرن الرابع قبل الميلاد وحتى أوائل القرن الرابع الميلادي. ويصف الأنصاري في دراسة له بعنوان "قرية الفاو... مدينة المعابد" أهمية هذه الحضارة، حيث امتد عصرها الذهبي ثمانية قرون، وقد عرفت هذه المدينة بقرية "ذات كهل" في النصوص العربية الجنوبية القديمة، وسماها أهلها في فترة ازدهارها قرية الحمراء، أو ذات الجنان، ويسميها أهل المنطقة في الوقت الحاضر "قرية الفاو". وتمتد أطلالها طولا مسافة لا تقل عن ثلاثة كيلومترات بمحاذاة خشم طويق، وعرضا مسافة كيلومتر واحد. وقد تحملت "قرية" خلال هذه الفترة الزمنية الطويلة هجمات ملوك سبأ، وذي ريدان، كما أشارت لذلك النصوص السبئية من أواخر القرن الثاني إلى أواخر القرن الثالث الميلادي، تلتها حملة أمرئ القيس الذي مر على "قرية" في طريقه إلى نجران عام 328م، وهَرّب قبيلة مذحج الحاكمة فيها، حسب ما جاء في نقش النمارة، ثم طواها النسيان بعد ذلك، ولم نجد لها ذكرا خلال العصر الإسلامي، ما عدا إشارة قصيرة جدا لا تتجاوز السطرين عند الهمداني في كتابه "صفة جزيرة العرب". في حين أن أقدم من نوه عنها في العصر الحديث كان جون فيلبي في مقال كتبه عنها في "المجلة الملكية الجغرافية"، بعد أن زارها ومعه آل ريكمانز وليبينز، إلى جانب ما كتبه هنري فيلد ضمن بعثة شركة أرامكو لدراسة عصور ما قبل التاريخ في السعودية.