الصدمة التي تنتظر كثيرا من السودانيين أنهم عاشوا سنتين من الحرب المدمرة في بلادهم بعد أن عزفت على مسامعهم غرف إعلامية عديدة– لديها مصلحة في استمرار الحرب- أن الحرب تبقى لها أسبوع أو أسبوعان وتُحسم أو أنها ستُحسم في القريب العاجل. غير أن هذا "الحسم العاجل" استغرق سنتين. والأكثر أسفا أن الحسم الغائب مرشح إلى مزيد من الغياب بحسب المؤشرات الواردة من أرض الميدان ومن منابر السياسة ومن غرف التفاوض.وتصاعد هذا المنحى بعد تقدم الجيش السوداني في العاصمة الخرطوم وتحقيقه عددا من المكاسب الميدانية.
ولكن أن تعلم أن السجال بين طرفي الحرب الجيش و"الدعم السريع" دخل مرحلة تسابق على التسلح بامتياز. وما كشفته شركة "ماكسار" عبر تقنية التصوير عبر الأقمار الاصطناعية في الأول من مارس/آذار أن ثلاثة مهابط طائرات تم إنشاؤها في مطار نيالا لصالح "الدعم السريع" خلال خمسة أسابيع بين يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط من عام 2025.
وأشار تقرير استقصائي لوكالة "رويترز" أن "الدعم السريع" حصل على مسيرات"CH-95" القتالية عالية الكفاءة صينية الصنع التي تستطيع أن تصيب أهدافها بدقة عالية ولم ينته التقرير عند هذا الحد بل أضاف أن "تدفق الأسلحة مستمر" وعلى الجانب الآخر يسرب الجيش معلومات تفيد بأنه حصل على طائرة"J-10" الصينية قاذفة الصواريخ بعيدة المدى والتي يشبهونها بالأميركية"F-16" إضافة إلى مسيرات"TB2" التركية الصنع ذات السمعة الرائجة.
وبعد عامين من الحرب أعلنت مجموعة من القوى السياسية والمدنية عن إطلاق وثيقة جديدة للحكم مسنودة من "قوات الدعم السريع" تمهيدا لإعلان حكومة موازية لحكومة قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان التي تتخذ مدينة بورتسودان بشرق السودان عاصمة لها. أي إن السودان يحصد بعد 24 شهرا من الحرب نموذج "الحكومتين" في دولة، إن لم يحصد تقسيما جديدا وهذا التطور المتمثل في توجه "الدعم السريع" إلى إعلان حكومة كان له أثر مباشر على تماسك القوى المدنية المنادية بإيقاف الحرب. أما المجتمع الدولي والإقليمي الذي نشط في رعاية مبادرات التفاوض بغية إسكات الحرب في السودان فقد أصابه ما يشبه الإعياء من مداواة الأزمة المتطاولة ووضعها في خانة الانتظار إن لم يكن الإهمال حتى يتموضع مع الرئيس العائد للبيت الأبيض دونالد ترمب.
هل ستنتهي حرب السودان قريبا؟
"قريبا" في هذا السؤال هي المحك، وبات السؤال ملحا وجوهريا بعد سنتين من الحرب وسباق التسلح الذي أشرنا إليه، والتشظي السياسي والمجتمعي الذي يجعل شبح التقسيم يطرق الأبواب بشدة.
والسؤال أعلاه هو ما يسأل عنه الجميع في السودان وخارج السودان. والواقع، جملة، يشير إلى أن انتهاء الحرب قريبا وفق نصر عسكري للجيش أو "الدعم السريع" أمر يصعب حدوثه على الرغم من استرداد الجيش لكثير من المناطق التي فقدها خلال 17 شهرا منذ بداية الحرب وبات يظهر في وضع المبادر مقابل تراجع "الدعم السريع". وإن شئت الدقة يتبدى هذا المشهد في العاصمة الخرطوم وفي ولايات وسط السودان بينما لم يختلف الحال كثيرا في إقليم دارفور وولايات جنوب السودان منذ عامين من الحرب.
وإزاء ذلك يتضح أن حرب السودان تندرج بجدارة تحت ظاهرة "الحرب الجديدة" التي لم يعد النصر فيها أن تقتل أكبر عدد من جنود العدو وتدمر آلياته القتالية وتحتل أكبر مساحة من الأرض، فيمكن أن ينتصر طرف تم تدمير آلياته بشكل شبه كامل، وتحولت بلاده إلى أنقاض ولكنه استطاع أن يحافظ على الحرب مستمرة وله القدرة على زعزعة أمان خصمه القوي ولو بأقل عتاد.