يواصل الروائي الجزائري سعيد خطيبي في أحدث رواياته "أغالب مجرى النهر"، الصادرة أخيرا عن "دار نوفل"، بناء مشروعه السردي الذي عماده تشريح الواقع عبر مساءلة التاريخ، مستقصيا لبلوغ ذلك الذاكرة الفردية والجماعية، عبر الغوص في أسئلة وجودية وسياسية كثيرا ما عصفت بالواقع الجزائري، متخذا من التوتر النفسي والشكوك الأخلاقية مادة لسرد نص يراوح بين الحفر الداخلي والتشريح الاجتماعي.
تشريح داخلي
يظهر منذ الصفحات الأولى أن خطيبي يقدم رواية لا تستعجل الجواب، بل تتقن صناعة الحيرة، فـ"أغالب مجرى النهر" ليست عن الحقيقة، بل عن التماس مع احتمالاتها، عن سرد يعيد بناء الذات عبر الشك. السرد هنا أقرب إلى شريط نفسي داخلي، يقطعه الحاضر بقسوته وتعيده الذاكرة بجراحها، كأن القارئ يتلمس نهرا يسيل داخل النص لا خارجه، نهرا من الأسئلة، من الانكسارات، ومن خيبات محاولات النجاة الفردية.
تبدأ الرواية بمشهد طبيبة العيون عقيلة تومي داخل زنزانتها، بعد أن اعتقلت وزج بها في السجن دون أن تعرف السبب الحقيقي. ومن هذا المشهد يبدأ السرد في التفرع إلى مسارات متعددة، تروى من وجهات نظر مختلفة: عقيلة، المحقق جمال درقين، وشقيقها ميلود.