المطالب الأميركية الثمانية من سوريا... ماهي، وكيف ردت دمشق عليها؟

نحو سياسة أميركية متكاملة عن سوريا

المجلة
المجلة

المطالب الأميركية الثمانية من سوريا... ماهي، وكيف ردت دمشق عليها؟

تُظهر ثلاث وثائق، أميركية وسورية وأممية اطلعت "المجلة" على مضمونها، الاتجاهات المحتملة للعلاقات بين دمشق وكل من واشنطن والأمم المتحدة.

وإذ تتضمن الوثيقة الأميركية ثمانية مطالب للبدء في تخفيف العقوبات وإعطاء رخصة لمدة سنتين، بينها مطالب وجدت دمشق صعوبة في قبولها، يتعلق أحدها بـ"إصدار إعلان رسمي عام يحظر جميع الفصائل الفلسطينية والأنشطة السياسية"، والثاني بالموافقة على قيام أميركا باستهداف أي شخص تعتبره واشنطن تهديدا لأمنها، مع تصنيف كل من "الحرس الثوري" الإيراني و "حزب الله" اللبناني تنظيما إرهابيا، فإن رد دمشق الخطي على رسالة تسلمها وزير الخارجية أسعد الشيباني من نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي، ناتاشا فرانشيسكي، في بروكسل منتصف مارس/آذار الماضي، أشار إلى تحقيق تقدم في ملفات عدة بينها التخلص من السلاح الكيماوي التابع للنظام السوري السابق، ومحاربة "داعش" والإرهاب، وتشكيل الجيش.

أما الوثيقة الأممية التي بادر بها الأمين العام المساعد للأمم المتحدة نائب رئيس وزراء سوريا السابق عبدالله الدردري، فإنها تتناول اقتراحا بموافقة دمشق على قيام "البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة" بالإشراف على إنفاق أموال "الدولة السورية" المجمدة في أوروبا، وتقدر بنصف مليار دولار أميركي، على مشاريع في سوريا بعيدا عن العقوبات الأميركية.

الإفراج عن 500 مليون دولار مجمدة في أوروبا

يجري العمل بكثافة على وضع اللمسات الأخيرة على زيارة وفد يضم وزير المال محمد يسير برنية، وحاكم مصرف سوريا المركزي عبدالقادر حصرية، إلى واشنطن، للمشاركة في اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والمشاركة في طاولة مستديرة عن سوريا نهاية الأسبوع. قبل قيام وزير الخارجية أسعد الشيباني بزيارة نيويورك نهاية الأسبوع لحضور اجتماعات وزارية في مجلس الأمن ورفع علم سوريا.

وأفادت "رويترز" بأن اجتماعا بشأن سوريا تستضيفه الحكومة السعودية والبنك الدولي سيعقد على هامش الاجتماعات السنوية للهيئات المالية الدولية في واشنطن.وأضافت أن السعودية تعتزم سداد حوالي 15 مليون دولار من متأخرات سوريا للبنك الدولي، مما يمهد الطريق لتقديم منح محتملة بملايين الدولارات لإعادة الإعمار ودعم اقتصادي آخر لسوريا.

وبعد سداد المبلغ، يمكن للبنك الدولي دعم سوريا من خلال المؤسسة الدولية للتنمية التابعة له، وسط توقعات بتقديم 300 مليون دولار لقطاع الكهرباء والبنية التحتية.

اطلعت "المجلة" على وثيقة أعدها "البرنامج الإنمائي"، تفيد بأن ملف الأصول والأموال السورية المجمدة في المصارف الأوروبية يُعد من أعقد التحديات المالية في المشهد الانتقالي

وقد اطلعت "المجلة" على وثيقة أعدها "البرنامج الإنمائي"، تفيد بأن ملف الأصول والأموال السورية المجمدة في المصارف الأوروبية يُعد من أعقد التحديات المالية في المشهد الانتقالي.

ومنذ فرض عقوبات أوروبية على النظام السابق بعد 2011، قالت وثيقة "البرنامج الإنمائي" إن هناك أصولا تابعة للدولة السورية وشخصياتها في الخارج، تقدر بحوالي نصف مليار دولار (500 مليون دولار أميركي)، ظلت مجمدة بموجب العقوبات الدولية. وتقترح الوثيقة أن "يلعب البرنامج" دور الوسيط والميسر بين الجهات السورية والدولية لحل هذه المعضلة، بالتنسيق مع  مصرف سوريا المركزي.

وبين المقترحات "إنشاء آلية مؤسسية عبر المنظومة الأممية، أي "البرنامج الإنمائي"، بهدف استثمار هذه الأصول المجمدة في تمويل مشاريع تنموية وإعادة إعمار في سوريا بدلا من الإفراج المباشر عنها لحساب الدولة السورية"، ذلك لأن الدول المانحة تبدي "حذرا من تسليم الأموال المجمدة للسلطات السورية مباشرة بسبب تعقيدات قانونية وسياسية تتعلق بشرعية هذه الأصول وإمكانية تعرضها لسوء الاستخدام".

سانا
الرئيس الشرع يلتقي مع عضو الكونغرس الأميركي كوري لي ميلز في قصر الشعب بدمشق، سوريا

وقال دبلوماسي غربي، إن "الأموال ملك الدولة السورية ويمكن التصرف فيها دون وسيط، مما سيزيد من الأعباء المالية في صرفها وتمويل المشاريع في البلاد".

وفي عضون ذلك، وضعت الأمم المتحدة السيناريوهات القانونية والمؤسسية اللازمة لأي تحرك في هذا الملف. ويشمل ذلك تقديم المشورة لمصرف سوريا المركزي، الذي تسلمه قبل أيام الخبير عبدالقادر حصرية، حول السبل القانونية للمطالبة بهذه الأصول أو الاستفادة منها وفق القوانين الدولية، وضمان الشفافية والتوافق مع قرارات العقوبات.

العلم السوري يرفع في نيويورك

يتوجه وزير الخارجية أسعد الشيباني إلى نيويورك آخر الأسبوع، ويتضمن برنامجه رفع العلم السوري في مقرات الأمم المتحدة وحضور جلسات لمجلس الأمن سواء لدى إلقاء المبعوث الأممي غير بيدرسون إفادته في 25 أبريل/نيسان أو لدى جلسة عن حال الشرق الأوسط في 29 أبريل. ومن المقرر أن يشارك وزراء خارجية بينهم الفرنسي جان نويل باروفي هذه الاجتماعات.

تأتي هذه الزيارة بعد أن خفضت الخارجية الأميركية مستوى تأشيرات الوفد السوري في نيويورك، ليصبح ممثلا لحكومة "لا تعترف بها الحكومة الأميركية"، وهو إجراء لم تقم به واشنطن خلال مرحلة نظام الأسد في العقد الأخير.

خفضت الخارجية الأميركية مستوى تأشيرات الوفد السوري في نيويورك، ليصبح ممثلا لحكومة "لا تعترف بها الحكومة الأميركية"، وهو إجراء لم تقم به واشنطن خلال مرحلة نظام الأسد في العقد الأخير

اتجاهان في أميركا

بعد سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول، فتحت دول عربية وأوروبية علاقات مع الحكم الجديد والرئيس أحمد الشرع، فيما اتبعت واشنطن أسلوبا حذرا، إذ التقت مساعدة وزير الخارجية باربرا ليف، أحمد الشرع في دمشق، كما ألغت واشنطن الجائزة المالية التي كانت مخصصة لمعلومات عنه وقيمتها عشرة ملايين دولار.

في موازاة ذلك، حصل تعاون أمني وتبادل معلومات في مجال مكافحة الإرهاب، إذ زودت واشنطن دمشق بمعلومات أدت إلى إحباط ثمانية عمليات إرهابية على الأقل. كما بعث الرئيس الشرع برقية تهنئة إلى ترمب لدى فوزه بالرئاسة. وقال الشرع في رسالة باللغة الإنكليزية: "نحن على ثقة بأنه القائد الذي سيجلب السلام إلى الشرق الأوسط ويعيد الاستقرار إلى المنطقة". وتابع: "نتطلع إلى تحسين العلاقات بين البلدين بناء على الحوار والتفاهم"، وأنه في عهد الإدارة الأميركية الجديدة "ستستفيد الولايات المتحدة وسوريا من الفرصة لإقامة شراكة تعكس تطلعات البلدين".

أ.ف.ب
قوات أميركية تقوم بدوريات في حقول النفط عند الحدود السورية - التركية في أقصى شمال شرق محافظة الحسكة، سوريا في 3 سبتمبر 2024

لكن الإدارة الأميركية تغيرت، واتبعت نهجا أكثر حذرا، وسط نصائح من دول عربية عدة لواشنطن باتباع نهج أكثر انفتاحا مع سوريا. ويجري العمل داخليا لصوغ سياسة أميركية متكاملة عن سوريا بمشاركة جميع المؤسسات الأميركية. ومن المتوقع أن يتسلم جول روبرن، الموقع الأبرز في الخارجية بالإشراف على الملف السوري. واستقبل الشرع عضو الكونغرس الأميركي كوري لي ميلز في قصر الشعب بالعاصمة دمشق، في أول زيارة من نوعها منذ تسلم الحكم الجديد. كما التقى وزير الخارجية أسعد الشيباني ميلز، "حيث جرى بحث الوضعين الأمني والاقتصادي في سوريا، وآفاق بناء شراكة استراتيجية بين دمشق وواشنطن على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة". كما تناول اللقاء "التهديدات المشتركة التي تواجه البلدين والمنطقة، بما فيها الميليشيات العابرة للحدود وانتشار المخدرات والجريمة المنظمة" و "أثر العقوبات الأميركية أحادية الجانب المفروضة على سوريا، حيث أكد الجانب السوري على ضرورة رفع هذه الإجراءات غير القانونية كخطوة أساسية نحو بناء الثقة والانخراط في مسارات تعاون بناء"، بحسب بيان رسمي.

وحسب قول مسؤولين لـ"المجلة"، هناك اتجاهان في الادارة الأميركية: الأول، يمثله مسؤولون في مجلس الأمن القومي ومديرة المخابرات تولسي غابارد، ومدير قسم مكافحة الإرهاب سباستيان كورغا، وهما يرفضان أي انخراط مع الحكم السوري الجديد وينظران إلى شخصيات فيه من باب قرار مجلس الأمن بتصنيف "هيئة تحرير الشام" ومسؤولين فيها وتصنيف واشنطن لهم في قائمة التنظيمات الإرهابية. الثاني، يمثله وزير الخارجية ماركو روبيو ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، الذي يقوم على الانخراط المشروط، مقدرين الدور الكبير للنظام السوري الجديد بإضعاف إيران استراتيجيا في الشرق الأوسط.

هناك اتجاه قوي في أميركا يقدر الدور الكبير  للنظام السوري الجديد في إضعاف إيران استراتيجياً في الشرق الأوسط

ثمانية مطالب أميركية

بناء على ذلك، صاغ ممثلو الإدارة السابقة والمقبلة وثيقة مطالب قدمتها الدبلوماسية فرانشيسكا إلى الشيباني في بروكسل شهر مارس/آذار الماضي، وتضمنت ثمانية مطالب لـ"بناء الثقة" وخطوات مقابلة يمكن أن تقوم بها واشنطن. وحسب الوثيقة التي اطلعت "المجلة" على مضمونها، فإنها تتضمن: تشكيل جيش مهني وعدم وضع المقاتلين الأجانب في مناصب قيادية حساسة، والوصول إلى جميع منشآت السلاح الكيماوي والبرنامج الخاص به، وتشكيل لجنة للمفقودين الأميركيين بينهم الصحافي آستون تايس، وتسلم عائلات "الدواعش" من معسكر الهول الواقع تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" شمال شرقي سوريا، والتزام علني بالتعاون مع التحالف الدولي في محاربة "داعش"، والسماح لأميركا بتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب على الأراضي السورية ضد أي شخص تعتبره واشنطن تهديدا للأمن القومي، و"إصدار إعلان رسمي عام يحظر جميع الميليشيات الفلسطينية والأنشطة السياسية" في سوريا، وترحيل أعضائها "لتهدئة المخاوف الإسرائيلية"، ومنع تموضع إيران وتصنيف كل من  "الحرس الثوري" و "حزب الله" تنظيما إرهابيا.

رويترز
عضو الكونغرس الأميركي كوري ميلز يتجول في مدينة دمشق القديمة، سوريا في 18 أبريل

ولم تتضمن القائمة مطلبا يتعلق بتشكيل "حكومة جامعة" أو أمورا ملموسة تتعلق بالعدالة الانتقالية وحقوق الإنسان والإصلاح الدستوري والعملية السياسية، لكنها ذكرت في إطار الإضافات وليس البنود التنفيذية. ووعدت الوثيقة في المقابل بتخفيف العقوبات وتمديدها الإعفاءات لدى انتهاء مدة الستة أشهر في يوليو/تموز المقبل بعد إعلان قرار الإعفاءات في 6 يناير/كانون الثاني الماضي. وهناك من وعد بأنه في حال تحقق التقدم في المطالب، يمكن أن يصدر الرئيس دونالد ترمب قرارا تنفيذيا بتجميد "قانون قيصر" لفترة معينة، وهو القانون الذي يشكل العقبة الأساسية أمام تحرك الاقتصاد السوري وتقديم مساعدات خارجية.

رد دمشق... تعاون وتحفظ

قراءة دمشق الأولية للورقة/الرسالة، كانت مخيبة للآمال، خصوصا أنها تضمنت بنودا تخص السيادة السورية، ووجدت صعوبة في "هضم" هذه المطالب رغم نصائح جاءت لدمشق من أطراف عدة، خصوصا ما يتعلق بحظر "النشاط السياسي" للفصائل و"ملاحقة شخصيات" وحرية تحرك قوات التحالف داخل الأراضي السورية.

وبعثت الخارجية السورية نهاية الأسبوع الماضي، ردا خطيا تتضمن خطواتها وتحفظاتها على بعض المطالب إلى واشنطن التي عكفت على دراستها. ويعتقد مسؤولون غربيون أن دمشق حققت سلفا الكثير من الخطوات الخاصة بالسلاح الكيماوي.

وكان الشرع قد استقبل وفدا من منظمة حظر الأسلحة الكيماوية برئاسة فرناندو أرياس المدير العام للمنظمة في فبراير/شباط الماضي، وذلك في أول زيارة رسمية يقوم بها لدمشق منذ الإطاحة بالأسدالمتهم باستخدام أسلحة كيماوية خلال النزاع.

قراءة دمشق الأولية للورقة/الرسالة، كانت مخيبة للآمال، خصوصا أنها تضمنت بنودا تخص السيادة السورية، ووجدت صعوبة في "هضم" هذه المطالب

وقال أرياس إن اجتماعات وفد المنظمة في دمشق تمهد لغلق ملف الأسلحة الكيماوية السوري نهائيا، معتبرا أن زيارته لدمشق تشكل فرصة "لانطلاقة جديدة" وطي صفحة هذا الملف بعد تأزم استمر سنوات في عهد الأسد. وكشفت "حظر الأسلحة الكيماوية" عن تقديرات تشير إلى وجود ما يزيد على 100 موقع يُحتمل، أن تكون مرتبطة ببرنامج الأسلحة في سوريا، اكتُشفت عقب انهيار حكم الأسد.

كما اتخذت دمشق خطوات بينها منع نشاطات الفصائل الفلسطينية المسلحة ومحاربة "داعش" وتحسين علاقتها مع "قوات سوريا الديمقراطية" حليفة واشنطن.

وكان الشرع قد وقع اتفاقا مع قائد "قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي الذي جاء مرتين إلى دمشق على متن مروحية أميركية. واتخذت خطوات عدة لتنفيذ ورقة مبادئ وقعت في دمشق يوم 10 مارس الماضي. وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أنها تعتزم خفض عدد الجنود الأميركيين المنتشرين في سوريا إلى أقل من ألف جندي تقريبا في الأشهر المقبلة.وأفادت صحيفة "نيويورك تايمز" أن الجيش الأميركي بدأ في سحب مئات الجنود من شمال سوريا، ويستعد لإغلاق 3 من أصل 8 قواعد عسكرية في المنطقة.

وفي موازاة تنفيذ اتفاق الشرع مع عبدي، هناك وقف إطلاق نار بين "قوات سوريا الديمقراطية" وتركيا في شمال شرقي سوريا، بالتزامن مع حديث واشنطن عن خفض قواتها.

font change

مقالات ذات صلة