"داعش" يهدد الرئيس الشرع... ما مدى قدرة التنظيم على التحرك في سوريا

انتقال التنظيم إلى استراتيجية التخفي

رويترز
رويترز
الرئيس السوري أحمد الشرع في لقاء في دمشق مع قادة الفصائل العسكرية، في 21 ديسمبر 2024

"داعش" يهدد الرئيس الشرع... ما مدى قدرة التنظيم على التحرك في سوريا

أصدر تنظيم "داعش" يوم 20 أبريل/نيسان 2025 بيانا مصورا هدد فيه الرئيس أحمد الشرع من الانضمام إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بعد أن وجهت الولايات المتحدة طلبا إلى الحكومة السورية بضرورة المشاركة في مكافحة الإرهاب أثار البيان سؤالا عن قدرة التنظيم على تنفيذ تهديداته خصوصا أن سوريا شهدت بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، تغيرات جذرية في المشهد السياسي والعسكري، مما أثر عن وجود تغيير في ديناميكيات التنظيمات المتطرفة، ومن بينها تنظيم "داعش". وإمكانية محاولة التنظيم استغلال حالة عدم الاستقرار الناتجة عن انهيار النظام لتعزيز وجوده وتنشيط خلاياه في مناطق متفرقة.

وفي هذا المقال استعراض لنشاط "داعش" خلال الفترة الممتدة من ديسمبر/كانون الأول 2024 إلى أبريل/نيسان 2025، مع التركيز على العمليات قام بها التنظيم والاستراتيجيات التي يتبعها والتحديات التي واجهها وما مدى تأثير الانسحاب الأميركي على قدرة التنظيم في تنفيذ تهديداته ضد الحكومة السورية؟

نشاط "داعش" منذ ديسمبر 2024

بعد سقوط النظام، استغل "داعش" الفراغ الأمني في البادية السورية (مناطق تمتد بين حمص، حماة، الرقة، ودير الزور) لتكثيف هجماته. هذه المنطقة ظلت ملاذا آمنا للتنظيم منذ خسارته الأراضي عام 2019، بفضل تضاريسها الوعرة وصعوبة السيطرة عليها.

وفي ديسمبر 2024، سجلت هجمات بارزة، منها هجوم جنوبي الرقة أسفر عن مقتل شخصين، وهجوم آخر استهدف حقل شاعر للغاز، مما أدى إلى مقتل مدير المحطة. وهناك تقارير أشارت إلى أن التنظيم نفذ ما يقرب من 100 هجوم ضد ميليشيات مدعومة من إيران، و300 هجوم ضد قوات النظام السابق، و300 أخرى ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) خلال عام 2024، مع استمرار وتيرة مماثلة في المناطق غير المستقرة بعد ديسمبر.

من جهته حذر قائد "قسد"، مظلوم عبدي، في 12 ديسمبر 2024، من عودة "داعش" للظهور العلني، مشيرا إلى تحرك خلاياه خارج البادية إلى مناطق سيطرة "قسد" في الجزيرة، مستغلة انشغال الفصائل بإعادة ترتيب الأوضاع بعد انهيار النظام. كما أكد تقرير للأمم المتحدة في فبراير/شباط 2025 أن "داعش" استفاد من سقوط الأسد لتعزيز عملياته، مع تقديرات بوجود 1500 إلى 3000 مقاتل في سوريا والعراق، معظمهم في سوريا. كما لوحظ نشاط استخباراتي متزايد، حيث تسلل عناصر "داعش" إلى مخيم الهول لتحرير مقاتلين مخضرمين وتجنيد شباب، مما يعزز قدرات التنظيم على التخطيط لهجمات معقدة.

وفي 11 ديسمبر 2024، أعلنت الحكومة السورية الجديدة إحباط هجوم مخطط له على مقام السيدة زينب في دمشق، واعتقال خلية تابعة لـ"داعش" وفي 16 ديسمبر 2024، نفذت القيادة المركزية الأميركية غارات جوية قتلت 12 عنصرا وقياديا من "داعش". وفي 19 ديسمبر، قتل قيادي آخر في دير الزور. كما استهدفت غارة في 23 ديسمبر شاحنة أسلحة تابعة للتنظيم. وفي يناير/كانون الثاني 2025، دعمت الولايات المتحدة عملية لـ"قسد" أدت إلى اعتقال زعيم خلية هجومية، وفي 16 فبراير 2025، أعلنت الحكومة السورية الجديدة اعتقال "أبو الحارث العراقي"، المتهم بالتخطيط لهجمات، بما في ذلك محاولة استهداف مقام السيدة زينب واغتيال قيادي في "هيئة تحرير الشام".

في 11 ديسمبر 2024، أعلنت الحكومة السورية الجديدة إحباط هجوم مخطط له على مقام السيدة زينب في دمشق، واعتقال خلية تابعة لـ"داعش" وفي 16 ديسمبر 2024

وبحسب مصادر محلية، انخفض نشاط "داعش" في مناطق سيطرة الحكومة السورية الجديدة بنسبة كبيرة، وبلغت 100 في المئة في بعض التقارير، بينما تراجع في مناطق "قسد" بنسبة 80 في المئة خلال يناير وفبراير 2025، مع تسجيل عمليتين فقط.

هذا التراجع يعزى إلى الضغط العسكري من التحالف الدولي، خاصة الغارات الأميركية، وجهود الحكومة الجديدة في ملاحقة الخلايا. ومع ذلك، يرى مراقبون أن هذا الانخفاض قد يكون مؤقتا نتيجة انتقال التنظيم إلى استراتيجية التخفي ومحاولة نقل نشاطه إلى العراق مجددا.

الولايات المتحدة ترتب المشهد قبل الانسحاب

أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوم 15 أبريل 2025، بأن مسؤولين أمنيين أميركيين أبلغوا المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بالانسحاب تدريجيا من سوريا خلال الفترة المقبلة والذي سيبدأ خلال شهرين بعد فشل الجهود الإسرائيلية في ثني الولايات المتحدة عن هذا القرار.

كما تشير بعض المصادر إلى قيام الولايات المتحدة بنقل عتاد عسكري ثقيل من سوريا باتجاه العراق مع توقعات بأن تحتفظ الولايات المتحدة بقاعدتين عسكريتين على الحدود العراقية السورية.

أ.ف.ب أ.ف.ب
عناصر من قوات الأمن التابعة للسلطات السورية الجديدة في الصنمين، بمحافظة درعا الجنوبية، خلال حملة عسكرية واسعة النطاق، في 5 مارس

وهنا تطرح التخوفات من عودة نشاط التنظيم بعد الانسحاب الأميركي من سوريا لكن يبدو أن الولايات المتحدة قامت بعدد من الإجراءات الاحترازية لخلق بيئة أمنية تمنع عودة التنظيم، فمع فرار الأسد إلى موسكو في 8 ديسمبر 2024، شنت الطائرات الأميركية ما لا يقل عن 75 غارة على البنية التحتية لمعسكر تدريب "داعش" الواسع في الصحراء الوسطى بسوريا.كما دعمت الولايات المتحدة في منتصف فبراير 2025 اتفاقا بين تركيا والأردن والعراق وسوريا ولبنان على آلية للتعاون المشترك ضد تنظيم "داعش" ترمي أنقرة من خلاله إلى تحقيق هدف آخر يتعلق بوقف الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها ذراع حزب "العمال الكردستاني" في سوريا، والتي تقود قوات سوريا الديمقراطية مقابل الانسحاب الأميركي من سوريا، بحيث يقع عبء مواجهة التنظيم على هذه الدول.

كما ضغطت الولايات المتحدة على "قسد" لإبرام اتفاق بين الرئيس أحمد الشرع ومظلوم عبدي في 10 مارس 2025 يقضي بضم الأخيرة إلى حكومة دمشق وهو ما يضمن عدم اندلاع مواجهات بين دمشق و"قسد" بعد الانسحاب الأميركي من سوريا يمكن أن يستغله "داعش" لاستعادة نشاطه.

يبدو أن الولايات المتحدة قامت بعدد من الإجراءات الاحترازية لخلق بيئة أمنية تمنع عودة التنظيم 

إضافة لفتح خطوط التنسيق الأمني بين التحالف الدولي وحكومة دمشق الجديدة فعندما ألقت قوات الحكومة السورية القبض على القائد الكبير في "داعش" أبو الحارث العراقي في منتصف فبراير 2025، أدت المعلومات الاستخباراتية التي تم جمعها من استجوابه مباشرة إلى مقتل الرجل الثاني في "داعش"، عبد الله مكي الرفاعي (أبو خديجة)، على يد القوات الأميركية والعراقية المشتركة بعد شهر وهو ما يعكس مستوى التنسيق بين الجانبين كما ساهمت المعلومات التي قدمها التحالف الدولي إلى حكومة دمشق يوم 11 يناير 2025 بإجهاض عمليه لـ"داعش" كانت تستهدف مقام السيدة زينب في ريف دمشق واعتقال المتورطين فيها.

قصور استراتيجيات "داعش" في مواجهة التحديات

لم يستطع تنظيم "داعش" العودة إلى شن عمليات حربية نظامية على طريقة تسيير الأرتال والجيوش ولم يستطع السيطرة على مساحات جغرافية أو مدن وبقي يعمل ضمن عدد من الاستراتيجياتمثل الاعتماد على خلايا مبعثرة تعمل بشكل مستقل دون الارتباط بقيادة مركزية تعود لها بالتخطيط والتنفيذ، مما يصعب رصد هذه الخلايا التي تركز على هجمات خاطفة واغتيالات بدلا من السيطرة الجغرافية.

AFP AFP
نساء وأطفال في مخيم الهول بسوريا تحت حراسة قسد

كما استمر التنظيم في استهداف الشباب في مخيمات مثل الهول، مستخدما الإحباط الاجتماعي والاقتصادي لتجنيد أعضاء جدد مما يعكس معاناة التنظيم من نقص الموارد البشرية.

بعد خسائر التنظيم لقاداته، قلل من الظهور العلني لقادته، معتمدا على أسماء حركية مثل "أبو حفص الهاشمي القرشي" للحفاظ على السرية كما يحاول التنظيم استغلال التوترات بين الفصائل السورية الجديدة و"قسد" لتوسيع نفوذه، خاصة في دير الزور والرقة وبعض مناطق حلب لكن كل المحاولات باءت بالفشل حتى الآن.

التحديات التي تواجه "داعش"

يواجه التنظيم عددا من التحديات التي تحد من قدرته على استعادة نشاطه، منها الغارات الأميركية المستمرة، بدعم من "قسد" وبعض الفصائل المحلية، التي أجبرت "داعش" على الانكفاء إلى مناطق نائية، في البادية السورية مما قلل من قدرته على تنفيذ هجمات واسعة النطاق كما تبنت الحكومة السورية الجديدة، سياسة صلبة ضد "داعش"، مع عمليات أمنية ناجحة لإحباط هجمات خصوصا أن الفصائل التي أسقطت النظام تتمتع بخبرات عالية في قتال التنظيم وقدرة كبيرة على اختراق صفوفه، كما ساهم صعود حكومة يغلب عليها المكون السني بما يتناسب مع حجمهم في إضعاف خطاب "داعش" التعبوي تجاه استغلال المظلومية السنية في سوريا، حيث فقد التنظيم مبرراته في مواجهة سلوك النظام السوري الطائفي التي كان يستخدمها لاستقطاب المقاتلين.

يبقى التحدي الأكبر في منع "داعش" من إعادة تنظيم صفوفه، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي في سوريا والعقوبات الدولية التي تحد من قدرة الدولة على تطوير إمكانياتها في مواجهة التنظيم

رغم قيام تنظيم "داعش" بشن هجمات ملحوظة، فإن الضغط العسكري من التحالف الدولي والحكومة السورية الجديدة، والتنسيق بينهما والاتفاق على دمج "قسد" في الحكومة السورية إلى جانب التحديات الداخلية للتنظيم، ساهم في تقليص قدرته على تحقيق نشاط واسع أو تنفيذ تهديداته.

لكن يبقى التحدي الأكبر في منع "داعش" من إعادة تنظيم صفوفه، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي في سوريا والعقوبات الدولية التي تحد من قدرة الدولة على تطوير إمكانياتها في مواجهة التنظيم.

 لكن العمل على تعزيز الأمن من خلال إنجاز بناء المؤسسة الأمنية والعسكرية وتوحيد الجغرافيا السورية وتحقيق مسار الانتقال السياسي بشمولية التمثيل ورفع العقوبات، وإعادة إعمار المناطق المتضررة، ومعالجة قضايا المحتجزين في مخيمات الهول، إضافة لكف العبث الإسرائيلي والإيراني ستكون خطوات حاسمة للحد من خطر عودة التنظيم.

font change