البابا ليو الرابع عشر... أميركي مهاجر يمثل المجتمع اللاتيني ويبحث عن التوازن

سيسعى إلى استيعاب جميع الأطياف داخل الكنيسة

رويترز
رويترز
البابا المنتخب حديثًا ليو الرابع عشر، الكاردينال روبرت بريفوست من الولايات المتحدة، يلوح بيده من شرفة كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان، 8 مايو 2025

البابا ليو الرابع عشر... أميركي مهاجر يمثل المجتمع اللاتيني ويبحث عن التوازن

من المرجح أن يشكّل انتخاب روبرت بريفوست رئيسا جديدا للكنيسة الكاثوليكية، والذي اختار لنفسه اسم البابا ليو الرابع عشر، بداية عهد جديد يسعى فيه إلى تحقيق توازن دقيق بين تلبية تطلعات الكهنة المحافظين والليبراليين على حد سواء.

ففي عهد سلفه البابا فرانسيس، اكتسبت الكنيسة سمعة لتبنّيها قضايا يسارية وتعاطفها مع ما يُعرف بالقضايا "اليقظوية"، مثل دور النساء في الكنيسة والتعامل مع تحديات تغيّر المناخ.

وبما أن البابا ليو عمل عن كثب مع البابا فرانسيس، الذي أدت وفاته يوم اثنين الفصح إلى انطلاق العملية التقليدية التي ينتخب من خلالها الكرادلة الكاثوليك البابا الجديد، فإن التوقعات العامة تشير إلى أنه سيواصل بعض الإصلاحات التي بدأها سلفه، ولا سيما التزامه الدائم بالدفاع عن الفقراء والمهمشين.

وفي الوقت نفسه، يُتوقع أن يُبدي مزيدا من التعاطف مع هواجس التيارات المحافظة داخل الكنيسة، التي تزداد قلقا إزاء التفسيرات الليبرالية للمعتقدات الدينية في إطار سعي الكنيسة لتقديم نفسها بصورة أكثر حداثة.

وقد بدا واضحا، منذ اللحظة التي اعتلى فيها البابا الجديد شرفة كاتدرائية القديس بطرس في روما ليخاطب الجماهير المبتهجة التي احتشدت لتحيّته، أنه يسعى إلى استيعاب جميع الأطياف داخل الكنيسة.

فما إن أعلن رئيس مجمع الكرادلة، المجتمعين سرا لاختيار البابا الجديد، نجاحهم مستخدما العبارة التقليدية "هابيموس بابام"– لدينا بابا جديد– حتى ظهر ليو مرتديا اللباس البابوي التقليدي.

وكان هذا المشهد متناقضا بوضوح مع الظهور الأول للبابا فرانسيس في عام 2013، حين ارتدى ملابس بيضاء بسيطة، في دلالة على استهجانه للمظاهر الفخمة التي كثيرا ما ارتبطت بالكنيسة الكاثوليكية.

من هنا، فإن قرار البابا ليو بالعودة إلى اللباس البابوي التقليدي شكّل إشارة واضحة إلى أنه، رغم استعداده للإبقاء على بعض الإصلاحات الليبرالية لسلفه، فإنه ملتزم بالحفاظ على بعض التقاليد الراسخة في الكنيسة.

رغم كونه أول أميركي يُنتخب بابا، فإن الكثيرين يرون أنه يُمثّل المجتمع اللاتيني، نظرا لقضائه معظم خدمته الكنسية في أميركا اللاتينية، مبشّرا في البيرو

ويبدو أن تعيين أول بابا أميركي في تاريخ الكنيسة، والذي بات الحبر الأعظم رقم 267 على عرش القديس بطرس، قد قوبل بحفاوة شعبية واسعة، إذ رددت عشرات الآلاف من الجماهير المحتشدة هتاف "فيفا إل بابا"– يعيش البابا– خلال ظهوره الأول أمام العالم.

وفي أولى كلماته بصفته البابا، تحدّث ليو الرابع عشر بمحبة عن سلفه فرانسيس، قائلا: "لا تزال آذاننا تحفظ ذلك الصوت الضعيف ولكن الشجاع دوما، صوت البابا فرانسيس وهو يباركنا". وأضاف للجماهير المبتهجة: "متحدين ويدا بيد مع الله، فلنتقدّم معا".

وقد ظهر الحبر الأعظم الجديد على الشرفة الرئيسة للكاتدرائية بعد أكثر من ساعة بقليل من تصاعد الدخان الأبيض من المدخنة المثبتة على سطح كنيسة السيستين، وهي الإشارة التقليدية التي تفيد بأن 133 من الكرادلة المنتخبين قد اختاروا قائدا جديدا للكنيسة الكاثوليكية، التي يبلغ عدد أتباعها 1.4 مليار نسمة.

رويترز
يشاهد الناس البابا المنتخب حديثًا ليو الرابع عشر، الذي يظهر على الشاشة، يطل على شرفة كاتدرائية القديس بطرس، كما شوهد من روما، إيطاليا، 8 مايو 2025

وُلد روبرت فرانسيس بريفوست، البالغ من العمر 69 عاما، في شيكاغو عام 1955 لأبوين من أصول إسبانية وفرنسية-إيطالية. وبدأ خدمته الكنسية كخادم في الكنيسة قبل أن يكرّس حياته للكهنوت، ويرسم كاهنا عام 1982.

ورغم كونه أول أميركي يُنتخب بابا، فإن الكثيرين يرون أنه يُمثّل المجتمع اللاتيني، نظرا لقضائه معظم خدمته الكنسية في أميركا اللاتينية، مبشّرا في البيرو.

مع تعيينه قائدا جديدا للكنيسة الكاثوليكية، كسر ليو المحظور القديم الذي كان يعتبر أن الأميركي لا يمكن أن يصبح بابا بسبب النفوذ الكبير الذي تتمتّع به الولايات المتحدة على الساحة العالمية

ويحمل البابا الجديد الجنسية البيروفية، ويُستذكر هناك بمحبة كأحد الشخصيات التي عملت مع المجتمعات المهمشة، إذ أمضى عشر سنوات ككاهن رعية محلية ومدرّس في معهد ديني بمدينة تروخيو، شمال غربي البيرو.

وفي عام 2014، عيّن البابا فرانسيس بريفوست أسقفا على تشيكلايو في البيرو، ثم رقّاه إلى منصب محافظ دائرة الأساقفة في أميركا اللاتينية، وهي الهيئة المسؤولة عن اختيار ومتابعة شؤون الأساقفة.

وقد شغل هذا المنصب حتى عام 2023، حين استدعاه فرانسيس إلى روما ليتولى رئاسة دائرة الأساقفة في الفاتيكان، التي تختار الكثير من أساقفة العالم.

كما تولّى البابا الجديد رئاسة اللجنة البابوية لأميركا اللاتينية، وهو منصب حافظ من خلاله على صلة وثيقة بالبنية الهرمية للكنيسة الكاثوليكية في هذه المنطقة، التي لا تزال تحتضن أكبر تجمع للكاثوليك في العالم.

ورغم حرصه على البقاء بعيدا عن الأضواء في روما، فقد كان جزءا من أحد أبرز الإصلاحات التي أجراها فرانسيس، إذ ضمّت الهيئة التي تصوّت على ترشيحات الأساقفة ثلاث نساء.

ويبدو أن أسلوبه الهادئ، ودعمه لفرانسيس، والتزامه بقضايا العدالة الاجتماعية، قد نال إعجاب الكرادلة الذين انتخبوه.

وعلى الرغم من تجنّبه الظهور الإعلامي، فقد صرّح في مؤتمر صحافي للفاتيكان عام 2023 قائلا: "مهمتنا أن نوسّع الخيمة وأن نجعل الجميع يشعرون بأنهم مرحّب بهم داخل الكنيسة". وقد كانت هذه الرسالة منسجمة تماما مع روحية حبرية فرانسيس التي استمرت 12 عاما.

وقال القس جون لايدون، زميله السابق في السكن، لهيئة الإذاعة البريطانية إن بريفوست "شخص اجتماعي ومتواضع ومهتم جدا بالفقراء".

أما عن خلفيته الشخصية، فقد قال بريفوست لشبكة "راي" الإيطالية قبل انتخابه إنه نشأ في عائلة مهاجرة..
"وُلدت في الولايات المتحدة... لكن أجدادي كانوا جميعا مهاجرين، فرنسيين وإسباناً... وقد تربّيت في عائلة كاثوليكية ملتزمة، وكان والداي ناشطَين في الرعية".

رويترز
يرقص أسقف حاملاً علم الولايات المتحدة، بعد الإعلان عن انتخاب الكاردينال الأميركي روبرت بريفوست من قبل المجمع بابا جديدا، باسم البابا ليون الرابع عشر، في الفاتيكان، 8 مايو 2025

ومع تعيينه قائدا جديدا للكنيسة الكاثوليكية، كسر ليو المحظور القديم الذي كان يعتبر أن الأميركي لا يمكن أن يصبح بابا بسبب النفوذ الكبير الذي تتمتّع به الولايات المتحدة على الساحة العالمية.

وقد رحّب الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتعيينه، وكتب على وسائل التواصل الاجتماعي: "أتطلع إلى لقاء البابا ليو الرابع عشر. ستكون لحظة بالغة الأهمية".

وقبل انتخابه، كان يُعتقد أن صغر سن ليو قد يشكّل عائقا ضده، إذ ربما يتردد الكرادلة في اختيار بابا قد يظل على رأس الكنيسة لعقود. غير أن هذه المخاوف تلاشت بوضوح عندما صوّت ثلثا الكرادلة لصالحه، متجاوزين بذلك قرونا من التقاليد بانتخاب أول بابا أميركي في تاريخ الكنيسة.

font change