قبل أيام أظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية ومقره رام الله، نشرته "رويترز"، أن ما يقرب من نصف سكان غزة على استعداد للتقدم بطلبات إلى إسرائيل لمساعدتهم على مغادرة القطاع إلى دول أخرى، كما أظهر أيضا دعما كبيرا للاحتجاجات المناهضة لحركة "حماس".
وقال المركز، في تقريره إن 49 في المئة ممن شملهم الاستطلاع أعلنوا أنهم على استعداد لتقديم طلبات إلى إسرائيل لمساعدتهم على الهجرة عبر الموانئ والمطارات الإسرائيلية، مقابل 50 في المئة قالوا إنهم غير مستعدين للقيام بذلك.
فيما قال مسؤولون إسرائيليون إن إسرائيل ستساعد سكان غزة الذين يرغبون في مغادرة القطاع، لكنها لم تحرز تقدما يذكر في إقناع الدول الأخرى بقبولهم.
هذا الاستطلاع بنتائجه الصادمة يطرح الكثير من الأسئلة، وأولها ماذا استفادت فلسطين والفلسطينيون من "طوفان الأقصى"، تلك المغامرة التي قتلت نحو 52 ألف إنسان من سكان غزة ودمرت القطاع، جاءت نتيجتها كارثية على القضية الفلسطينية.
منذ السابع من أكتوبر، عندما قررت "حماس" القيام بعمليتها العسكرية، جاء الرد الإسرائيلي مدمرا ومتوحشا لكنه متوقع، وخرج قادة "حماس" باستمرار ليعلنوا انتصارهم واستخفافهم بحياة المدنيين، بدءاً من قول رئيس مكتب العلاقات الخارجية في الحركة موسى أبو مرزوق، بداية الحرب، من أن أنفاق غزة تهدف إلى حماية المقاتلين، وليس المدنيين، وأن حماية المدنيين في غزة مسؤولية الأمم المتحدة وإسرائيل، وصولاً إلى كلام القيادي في الحركة أسامة حمدان الذي قال إن التضحيات ليست بمقتل الفلسطينيين نساء وأطفالا بل في صفوف المقاتلين والقياديين.
حرب الإسناد التي أعلنها أمين عام "حزب الله" السابق حسن نصرالله، لم تسند غزة بشيء سوى الشعارات الإعلامية والإعلانية، ولكن من دفع الثمن الأكبر لها كان "حزب الله" نفسه بما في ذلك حسن نصرالله ورفاقه الكثر الذين اغتالتهم إسرائيل.
وقرصنة الحوثيين التي مارسوها في البحر الأحمر ومضيق باب المندب بذريعة دعم غزة انتهت مؤخرا باستسلامهم، بعد أن دفعوا هم الثمن الأكبر وجاءوا كعادتهم بالويلات لليمن.
الأمر مختلف في غزة، فالسابع من أكتوبر لم تدفع ثمنه "حماس" حتى لو خسرت نفوذها وشعبيتها، بل دفع الثمن القضية الفلسطينية والفلسطينيون
الأمر مختلف في غزة، فالسابع من أكتوبر لم تدفع ثمنه "حماس" حتى لو خسرت نفوذها وشعبيتها، بل دفع الثمن القضية الفلسطينية والفلسطينيون، الذين تحولت حياتهم لجحيم بالمعنى الحرفي، بين استهتار "حماس" بحياتهم وتعطش نتنياهو للانتقام وللهروب من أزماته الداخلية اللامنتهية.
اللافت في التقرير الذي نشرته "رويترز" هو ما نقلته عن المسؤولين الإسرائيليين من أن ما يعرقل خروج الفلسطينيين من قطاع غزة هو رفض الدول لاستقبالهم، هذه الدول هي نفسها التي رفضت خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب منذ أسابيع، قبل أن يتراجع عنها، والتي اقترحت إخراج الفلسطينيين من القطاع لإعادة تطويره لتصير غزة منتجعا سياحيا تحت السيطرة الأميركية، وهذه الدول هي نفسها التي لا يتوقف قادة "حماس" وكل من يدور في فلكهم من اتهامها بالتآمر على القضية الفلسطينية، بل ويذهب بعضهم أبعد من ذلك ويتهمون دولا عربية بأنها شريكة إسرائيل في قتل الفلسطينيين، دون أن ننسى مواقفهم الأخيرة مما كان يًحاك ضد الأردن.
وبين "حماس" ونتنياهو يدفع الفلسطينيون الثمن، فـ"حماس" تصر على أن مجرد بقائها هو انتصار، حتى لو دُمرت غزة وقُتل خمسون ألفا آخرون من سكانها، وأبدى أكثر من نصف سكانها رغبتهم في الرحيل عنها، ونتنياهو يصر على استمرار حروبه في المنطقة بعد أن منحه "طوفان الأقصى" ضوءا أخضر دوليا ليبرر له عنجهيته وإجرامه تحت اسم الردع والدفاع عن النفس، بينما في واقع الحال صارت هذه الحروب استراتيجيته الوحيدة للهروب مما ينتظره في الداخل الإسرائيلي.