أمام طغيان الشركات الكبرى في العالم، ولا سيما في الولايات المتحدة الأميركية، بدأت كبريات منصات الإنتاج والعرض التلفزيوني العالمية (وبعضها جزء من تلك الشركات)، بإنتاج مسلسلات تغوص في هذا العالم المعقد، واقعيا في دهاليز العائلات الكبرى المالكة هذه الشركات وما بين أفرادها من صراعات، أو بصورة متخيلة، تحاول رسم مسار للتحولات الرأسمالية والتكنولوجية التي يشهدها عالمنا، والتداخل الكبير الذي بات قائما بين التكنولوجيا والاقتصاد، بوصف الأولى لاعبة أساسية في عالم الاقتصاد والسياسة، كما رأينا مثلا في حالة إيلون ماسك الذي انتقل من داعم للرئيس الأميركي دونالد ترمب، إلى جزء من صناعة القرار في إدارته، أو كما نرى في حالتي جيف بيزوس (أمازون) ومارك زوكربيرغ (ميتا) أو كما رأينا قبل هؤلاء جميعا في حالة "مايكروسوفت" وصاحبها بيل غيتس، وهذا كله أدى إلى ولادة ما بات يعرف بـ"الخمسة الكبار" أي أكبر خمس شركات تكنولوجية في العالم.
هذه التحولات في نمط عمل الشركات الكبرى، الذي كثيرا ما يفتقر إلى أي قيود تشريعية، تتسبب بتقليص حقوق العاملين في هذه الشركات ومستهلكي منتجاتها. ومثلما تناقش المسلسلات الثلاثة القضايا التي يعرضها هذا المقال، فإن الأمر يتدرج من عدم اعتبار بعض الأفراد بشرا حقيقيين، إلى الاستغلال الكامل لجهودهم بهدف تضخيم الأرباح ورفع القيمة السوقية. كل ذلك يتم بالتوازي مع السعي إلى الحفاظ على صورة سرابية تعكس اهتماما بالمسؤوليات البيئية والاجتماعية والحرص على تقديم شفافية زائفة بهدف إرضاء الجهات المشرعة والمستثمرين.
خلافة "Succession"
يتناول مسلسل "خلافة"، الإمبراطورية الإعلامية والتجارية لعائلة لوغان، روي وأبنائه الأربعة، ومن سوف يخلفه في رئاسة الشركة. القصة كما بات معروفا، مستوحاة نسبيا من قصة روبرت مردوخ، الملياردير الأوسترالي الذي يمتلك شركات وقنوات إعلامية أبرزها قناة "فوكس" الأميركية. على امتداد أربعة مواسم، نشاهد المحاولات المتكررة من الأبناء للظفر برضا والدهم وخلافته في قيادة هذا الموروث الضخم. إذ يترافق مع هذه الإمبراطورية الإعلامية العملاقة، ما يمكن وصفه بقوة خارقة على التأثير في الرأي العام والتحكم بصناع القرار. في خضم الصراع بين الأبناء وكبار التنفيذيين للظفر بإدارة هذه الامبراطورية، يُسحق العديد من اللاعبين الصغار ويتم التخلص منهم بلمح البرق، دون الاهتمام بمصيرهم. تنتهي مِهن بأكملها ويتساقط الضحايا نتيجة قرارات متسرعة بهدف الحصول على السلطة المطلقة.