عادل إمام الحاضر في إرثه رغم ابتعاده عن الأضواء

في عيد ميلاده الخامس والثمانين

AFP
AFP
الممثل المصري القدير وسفير النيات الحسنة للأمم المتحدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عادل إمام يتحدث خلال مقابلة في القاهرة، 16 مايو 2006

عادل إمام الحاضر في إرثه رغم ابتعاده عن الأضواء

يحتفل الفنان المصري عادل إمام اليوم بعيد ميلاده الـ 85، ورغم ابتعاده عن الأضواء، والشائعات الكثيرة التي طاولت وضعه الصحي، ونفي عائلته لها، فإنه لا يزال أكثر الممثلين العرب حضورا ومكانة، نظرا لإرثه الكبير في السينما والمسرح والتلفزيون. هنا نظرة على مسيرته الاستثنائية.

قبل أكثر من ثمانية عقود، شهد حي السيدة عائشة واقعة ميلاد عادية لأحد سكانها الجدد ويدعى محمد إمام محمد بخاريني، الذي كان غادر قرية شها التابعة لمدينة المنصورة في محافظة الدقهلية، مصطحبا زوجته الريفية التي لا تجيد القراءة والكتابة، حيث رزق بمولوده الأول في مثل هذا اليوم من عام 1940، وأطلق عليه اسم عادل.

مع انتقال الأسرة إلى حي الحلمية ثم لاحقا إلى الجيزة، شق الصغير طريقه عبر مراحل دراسية متعاقبة، بينما أخذت ملامح شخصيته تتبلور لما سيصبح لاحقا علامة فارقة في تاريخ الفن المصري والعربي. وقبل أن يرحل الوالد في منتصف التسعينات كان شهد الصعود الاستثنائي لابنه في عالم الفن، ليصبح "الزعيم" عادل إمام، من أبرز الظواهر الفنية العربية، الذي يحتفل محبوه اليوم من أنحاء العالم العربي بعيد ميلاده الخامس والثمانين.

على الرغم من أنه لم يفكر يوما في الاحتراف، كما أكد في أكثر من لقاء، ظهر شغف إمام بالتمثيل منذ الصغر، وإن كان في صورة مقالب يقوم بها في محيط الأسرة والأقارب والجيران مع الجميع، بمن فيهم أمه التي كانت كثيرا ما تدعو عليه بسخرية "ربنا يضحك عليك خلقه" (كما أضحك عليها الجميع في المقلب) بحسب رواية أحد أبناء أعمام عادل إمام لجريدة "الوطن"، وهي الدعوة التي يبدو أنها كانت مستجابة وإن كانت قيلت في إطار من السخرية أو الهزل، حيث اتخذ الصغير من التشخيص متنفسا حياتيا له يمارسه دون إدراك، وكان فريق التمثيل هو أول ما يبحث عنه حين ينتقل من مدرسة إلى أخرى، وسرعان ما ينضم إليه، وكثيرا ما رأس بعضا من تلك الفرق بما فيها فريق الجامعة.

سينما الإنسان العادي

قدمت السينما لعادل إمام أرضا بكرا لم ينضب معينها، سواء على مستوى الفرص التي أتيحت له للظهور بجانب عمالقة الفن المصري مثل شادية وماري منيب وعبد الحليم حافظ وأحمد مظهر ورشدي أباظة وفريد الأطرش وفريد شوقي وغيرهم كثر، أو من خلال تجريب إمكاناته الفنية في أدوار مختلفة، بداية من نموذج الإنسان العادي أو السوي وحتى الشاذ، مثل دور المخنث الذي جسده في فيلم "سيد درويش" (1966) إخراج أحمد بدرخان.

بسبب مقالبه صغيرا، كانت أمه كثيرا ما تدعو عليه بسخرية "ربنا يضحك عليك خلقه" وهي الدعوة التي يبدو أنها كانت مستجابة

خلال 124 فيلما، جسد عادل إمام مختلف الشرائح المجتمعية، وجاء أداؤه في عدد كبير منها انعكاسا لما عاشه في الواقع على فترات زمنية مختلفة، لعل من أبرزها فترة الصبا والمراهقة حيث تروي أخته في حوار سابق عن واقعة شجار مع أحد مدرسيه في المرحلة الثانوية، مثلما هو الحال مع "بهجت الأباصيري" في مسرحية "مدرسة المشاغبين"، خصوصا وقد اشتهر عن إمام أنه كان طفلا مشاغبا يرسب في الامتحانات بين وقت وآخر ويواظب على لعب كرة القدم في ساحة الحلمية، وهو ما يستدعي شخصية فارس في فيلم "الحريف"(1983) مع محمد خان. وعلى الرغم من عدم نجاح الفيلم جماهيريا وخلافات البطل والمخرج، يظل واحدا من أميز أفلام خان والموجة الجديدة، كما يبقى الحكم الفني الذي أطلقه خان على ظاهرة عادل إمام من أقرب الأحكام صدقا، حين اعتبره نموذجا لـمفهوم "اللابطل" الذي أصبح نجما.

AFP
عادل إمام يسير على السجادة الحمراء خلال الدورة الثانية من مهرجان الجونة السينمائي، 20 سبتمبر 2018

ويعتبر عقد الثمانينات من أكثر العقود ديناميكية في تجربة إمام الفنية من خلال الشخصيات التي جسدها، وكذلك المساحات المتباينة للأدوار أو حجم البطولة، كما مثل هذا العقد نقطة انتقال مهمة لعادل إمام تفصله عن مرحلة الشباب، من هنا كان الدافع في ذلك الانطلاق المتنوع: لاعب كاراتيه في فيلم "الجحيم" (1980) متماشيا مع انتشار اللعبة آنذاك، وموظف في "غاوي مشاكل" و"عصابة حمادة وتوتو" و"زوج تحت الطلب"، ومدرس مستهتر في "الإنسان يعيش مرة واحدة" وطالب في "على باب الوزير"و"حتى لا يطير الدخان"، ناهيك عن دوره في فيلم "الأنس والجن"(1985) حيث جسد جلال سلطان أحد أبناء ملوك الجان. وقد أثارت الصورة التي قدمها إمام لذلك الجني الكثير من الجدل حيث لم يعتد المشاهد رؤية العفاريت والجان في ملابس عصرية، علما أن الفنان الكبير محمود المليجي سبق وجسد الشيطان بنفس هيئته العادية في فيلم "موعد مع إبليس"(1955) للمخرج كامل التلمساني.

تباين

كما تجلى التباين أيضا في أفلام هذه المرحلة على مستوى القيمة الفنية، فنلاحظ أن الأدوار المصطنعة التي جسدها في أفلام مثل "عنتر شايل سيفه" و"المتسول" و"مين فين الحرامي" و"ولا من شاف ولا من دري"، تقابلها أدوار إنسانية "خلي بالك من عقلك" و"كراكون في الشارع" و"الغول"(1983) تأليف وحيد حامد وإخراج سمير سيف، والذي يعد واحدا من أبرز الأفلام السياسية في مسيرة عادل إمام، يجاوره في ذلك فيلم سابق للمخرج حسين كمال هو "احنا بتوع الاتوبيس"(1979).

على الرغم من إختلاف الفيلمين من حيث القصة والأداء والإخراج، فإن كليهما اشترك في فضح صور من التجاوزات في فترتي حكم السادات وعبد الناصر: إذ يكشف الأول عن الصورة السوداوية لتحولات عصر الانفتاح وسياسات تصعيد نفوذ رأس المال وتزاوجه بالسلطة، وهي ملامح سرعان ما ستصبح سائدة في عهد مبارك لاحقا، بينما يعري الفيلم الثاني  أحد أكثر وجوه القمع والاستبداد في الحقبة الناصرية وتحديدا في الفترة السابقة للنكسة. ومن اللافت أن عادل إمام راوح بين الجد والهزل في كلا الفيلمين، ما ساعد في تكريس صورة مغايرة له علي الشاشة لا تكتفي بإثارة الضحك فحسب، ولا ننسى أيضا حضوره المميز مع سعاد حسني في "المشبوه" و"حب في الزنزانة".

خلال 124 فيلما، جسد عادل إمام مختلف الشرائح المجتمعية، وجاء أداؤه في عدد كبير منها انعكاسا لما عاشه في الواقع على فترات زمنية مختلفة

ومن أشهر شخصيات المرحلة يأتي المحامي حسن سبانخ في فيلم "الأفوكاتو" للمخرج رأفت الميهي، وهو الفيلم الذي جلب عليه حكما بالسجن لمدة عام وغرامة عشرة آلاف جنيه، بحسب تصريح سابق لعادل إمام، ولم تكن هي المرة الأولى له فقد سبق وصدر ضده حكم بثلاثة أشهر -قبل أن يحصل على البراءة- عن جملة وردت في مسرحية "شاهد ما شافش حاجه" وجاء في حيثيات المحاكمة المقدمة من نقابة المحامين كما يروي إمام: "يقول الممثل عادل إمام لعضو المحكمة.. مين بيغين، وهذا يعوق مسيرة السلام"، وهو ما غير في ما بعد في النسخة المسجلة للعرض التلفزيوني.

AFP
عادل إمام وميرفت أمين في سيارة مكشوفة خلال اليوم الأخير من تصوير فيلم "مرجان أحمد مرجان"، 13 يونيو 2007 في القاهرة

انطلق عادل إمام في تجسيد الإنسان المصري العادي معبرا من خلاله عن ملايين المصريين، ساعده في ذلك جمعه بين الكوميديا والتراجيديا في الأداء، بعكس غالبية النجوم، متتبعا صورة البطل الهوليوودي الآخذة في التنامي لديه (وما تبع ذلك من تصنع او ادعاء) حتى تجليها في أواخر الثمانينات مع أفلام "سلام يا صاحبي" و"النمر والأنثى" و"المولد"، وما تبع ذلك من غالبية أفلام التسعينات مثل "جزيرة الشيطان" و"حنفي الأبهة" و"شمس الزناتي" و"اللعب مع الكبار" و"مسجل خطر"، وكلها أدوار تتخذ من النموذج الشعبي ظهيرا ليس إلا، لكنها تتعامل خارج حدود المنطق والعقل خصوصا مع حدود البطل الجسدية والشكلية، وبرغم ذلك يستطيع هزيمة الجميع بمفرده وبيديه العاريتين في أحيان كثيرة، علاوة على أن كل النساء لا بد أن يقعن في حبه، حتى أن الفنانة سهير البابلي نصحته في لقاء مع مفيد فوزي بحسن اختيار الدور بما يتناسب –جسمانيا- مع إمكاناته.

جاء في حيثيات المحاكمة المقدمة من نقابة المحامين كما يروي إمام: "يقول الممثل عادل إمام لعضو المحكمة.. مين بيغين، وهذا يعوق مسيرة السلام"

مع ذلك، لم يفقد عادل إمام رصيده الجماهيري في أي من الفترات، بل بالأحرى، بلغ ذروة الشعبية في فترة التسعينات حتى مع صعود جيل من الكوميديين الجدد في نهاية العقد ومعظمهم انطلقوا من خلال أفلامه وهم علاء ولي الدين ومحمد هنيدي وأحمد آدم وأشرف عبد الباقي. كان إمام من أكثر المؤمنين بقوانين التغيير ولذلك لم يستصعب القيام بتبديل جلده والانتقال إلى الفئة العمرية الملائمة لسنه كرب أسرة، في "الإرهاب والكباب" و"النوم في العسل"، ثم بتوسع أكثر مع بداية الألفية في "التجربة الدنماركية" و"عريس من جهة أمنية" و"السفارة في العمارة"، أو حتى العجوز المتصابي زكي الدسوقي في "عمارة يعقوبيان" (2006) للمخرج مروان حامد، فيما سجل فيلم "زهايمر"(2010) الظهور الأخير للزعيم على شاشة السينما.  

AFP
صورة جماعية لنجوم فيلم "عمارة يعقوبيان" في لقاء صحفي بالقاهرة، 17 ديسمبر 2004، ويظهر فيها عادل إمام، يسرا، نور الشريف، وسمية الخشاب

رجل الشعب والنظام

قدّم عادل إمام نموذجا استثنائيا للفنان الذي جمع بين النقيضين، إذ كثيرا ما اعتُبر محسوبا على السلطة، وفي الوقت ذاته كان لسان حال البسطاء والمهمشين. إلا أن مشواره الفني لم يخل من مواقف فكرية جريئة وضعته أحيانا في مواجهة مباشرة مع التيارات المتشددة، لعل من أبرزها رحلته الشهيرة أواخر الثمانينات إلى مدينة أسيوط –المعقل الأشهر حينها لجماعة الإخوان المسلمين– لعرض مسرحية "الواد سيد الشغال"، وذلك ردا على ما اقترفته الجماعة من عمليات قتل وتعذيب طالت بعض الهواة بدعوى تحريم التمثيل. ويعد فيلم "الإرهابي"(1994) تأليف لينين الرملي وإخراج نادر جلال ذروة هذه المواجهة إذ كشف بوضوح آليات استقطاب الجماعة للشباب وتوظيفهم وفق مفاهيم دينية مغلوطة، ما أثار حفيظة البعض إلى التخطيط للتخلص من إمام بعملية اغتيال لم تُنفذ. شارك في بطولة الفيلم مديحة يسري ومصطفى متولي وأحمد راتب إلى جانب الفنان صلاح ذو الفقار في آخر أدواره، حيث وافته المنية قبل استكمال التصوير وقد أدى شخصية الطبيب رب الأسرة التي يخدعها الإرهابي ويختبئ لديها عن أعين الشرطة، لذلك تغيب شخصيته عن تطورات الأحداث بعد ذهابه لإجراء عملية جراحية ولا يعاود الظهور.

في سياق مشابه، يأتي فيلم "طيور الظلام"(1995) للمخرج شريف عرفة الذي شكّلت تجربته مع إمام منعطفا لافتا في مسيرة الاثنين، رغم أن تعاونهما اقتصر على خمسة أفلام جميعها من تأليف وحيد حامد. يتناول الفيلم الوضع السياسي في مصر من منظور لعبة كرة القدم، وهو ما يتبين في نهاية الفيلم، الذي يتتبع رحلة الصعود لـ "فتحي نوفل" من مجرد محامي للفقراء إلى الإختلاط بالسلطة وذو النفوذ. على الجانب الآخر نتابع محام زميل لنوفل "علي الزناتي" (رياض الخولي) وترقيه داخل جماعة الإخوان، في تلخيص للصراع المألوف بين السلطة والقوى السياسية مع التيارات سواء كانت دينية أو أحزابا، وهنا تصبح الكرة التي كسرت الشاشة رمزا لتمثيل الاثنين معا: الشعب والنظام على حد سواء.

بين المسرح والدراما

على مدار ستة عقود، شق عادل إمام طريقه نحو الزعامة التي غالبا لم يخطط لها وربما لم تراود أحلامه أيضا، منطلقا من الهامش والمساحات الصغيرة مع الفنان فؤاد المهندس من خلال عدد من المسرحيات نذكر منها أداءه المميز لشخصية "دسوقي" وكيل المحامي في مسرحية "أنا وهو وهي" (1964)، أيضا مسرحية "أنا فين وأنت فين" (1965) و"حالة حب" (1967)، وفي عام النكسة نفسه عمل مع الفنان عبد المنعم مدبولي في مسرحية "البيجامة الحمرا". ولا شك في أن عادل إمام استفاد من القاعدة الجماهيرية الواسعة لهؤلاء النجوم التي اكتملت مع الفنان أمين الهنيدي في مسرحية "غراميات عفيفي"(1970)، ومن خلالها طوى إمام صفحة الأدوار الصغيرة على خشبة المسرح ليبدأ مرحلة جديدة مع المسرحية الأشهر، "مدرسة المشاغبين"، التي عرضت للمرة الأولى بعد ما يقرب من أسبوعين من انتصارات أكتوبر/تشرين الأول(1973).

لم يكن هذا التحول نحو النجومية مجرد نقلة نوعية أو عابرة، بل كان بداية لتكريس حضور جديد لعادل إمام من خلال زعيم شلة المشاغبين بهجت الأباصيري

لم يكن هذا التحول نحو النجومية مجرد نقلة نوعية أو عابرة، بل كان بداية لتكريس حضور جديد لعادل إمام من خلال زعيم شلة المشاغبين بهجت الأباصيري، وعلى الرغم من الشهرة الواسعة التي حظيت بها المسرحية واستمرار عرضها لسنوات متوالية في سابقة غير معهودة، بقيت واحدة من أكثر المسرحيات المتهمة بإفساد الشباب وتخريب الذوق العام في تاريخ المسرح المصري، وربما العربي أيضا. إلا أن هذا لم يمنعها من الحصول على المركز الأول كأفضل مسرحية عربية ضمن قائمة برنامج "عشرون"، وذلك بناء علي تصويت 30 ناقدا من مختلف البلدان، مما يعكس حجم المكانة التي لا تزال تحتلها المسرحية في الوعي الجمعي العربي ومن مختلف الأجيال. المسرحية من تأليف علي سالم وإخراج جلال الشرقاوي وهي مأخوذة عن الفيلم الأميركي "إلى الأستاذ، مع حبي" (1967) بطولة سيدنى بواتييه.

AFP
جماهير مصرية تنتظر خارج السينما لحضور العرض الأول لفيلم "التجربة الدنماركية" لعادل إمام، 5 أغسطس 2003

سرحان عبد البصير

على الرغم من أن نجومية عادل إمام الحقيقية صنعتها السينما، تبقى شخصية سرحان عبد البصير في مسرحية "شاهد ما شفش حاجة"(1976) أحد أجمل تجليات إمام سواء على خشبة المسرح أو في عموم تجربته، هذا الشاب البسيط المعدوم القليل الحيلة وأزمته مع ما يتخيله عن نفسه وما يطرحه الواقع حوله من تفاصيل لم تجذبه إلى الانخراط فيها، إنها البراءة التي كثيرا ما نبحث عنها في داخلنا وسط تقلبات الحياة مستدعين جملته الأثيرة: "ده أنا غلبان..". أما مسرحياته اللاحقة، فربما كان أكثر ما يميزها هو مكوثها في العرض لسنوات على خشبة المسرح، سواء "الواد سيد الشغال" أو "الزعيم"، كذلك مسرحيته الأخيرة "بودي جارد"(1999) التي استمر عرضها لأكثر من عشر سنوات، ومع اكتمال العقد الثاني من الألفية الجديدة أعيد إحياؤها من جديد وإتاحتها للعرض التلفزيوني من طريق الهيئة العامة للترفيه. 

لم تكن جماهيرية عادل إمام مجرد نتاج لحب الناس فحسب، بل نتيجة معادلة شديدة الخصوصية جمع فيها بين القبول الشعبي والسيطرة على أدوات السوق

في مجال الدراما التلفزيونية، لا شك في أن الشاشة الصغيرة وفرت لعادل إمام فرصتين غاية في الأهمية خلال مشوار الفني. في المرة الأولى أتاحت له سهولة الدخول الى كل بيت مع أواخر السبعينات ومطلع الثمانينات، وهو ما انعكس على توسيع دائرته الجماهيرية مع مسلسل "أحلام الفتى الطائر" و"دموع في عيون وقحة" المستلهمين من ملفات المخابرات المصرية. وفي منتصف السبعينات شارك "العندليب" في مسلسل إذاعي بعنوان "أرجوك لا تفهمني بسرعة"، وفيه قام بالغناء أيضا أمام عبد الحليم حافظ، قبل أن ينقطع عن الدراما لسنوات ثم يعود في عام 2012 من خلال مسلسل "فرقة ناجي عطا الله" ويتبعه بعدد من المسلسلات الرمضانية، لم تضف جديدا يذكر إلى مسيرته لكنها منحته مساحة وداع لائقة مع جمهوره، نذكر منها: "العراف" و"صاحب السعادة" و"عوالم خفية" و"فلانتينو"، آخر ظهور للزعيم.

AFP
عادل إمام يلوح من على خشبة المسرح خلال حفل ختام مهرجان قرطاج السينمائي في تونس، 5 نوفمبر 2016

لم تكن جماهيرية عادل إمام مجرد نتاج لحب الناس فحسب، بل نتيجة معادلة شديدة الخصوصية جمع فيها بين القبول الشعبي والسيطرة على أدوات السوق، سواء داخل مصر أو في العالم العربي، حتى صار اسمه كافيا لضمان الإقبال، وجواز مرور لتوزيع الفيلم على أوسع نطاق ممكن. كان أيضا من أوائل من ارتبط اسمه بعبارة "يُعرض الآن في جميع دور العرض في مصر"، وهي سابقة لم تكن معهودة آنذاك، إذ اعتادت شركات التوزيع أن تتقاسم دور العرض بين الأفلام، وفق معادلات تجارية معقدة. لكن عادل إمام كسر هذه القاعدة، لتصبح أفلامه "حدثا" في حد ذاتها، تستحوذ على الصالات كما تستحوذ على الشارع، في تأكيد واضح لزعامته كـ"ظاهرة" لا تزال حاضرة بقوة حتى الآن على الرغم من ابتعاد صاحبها عن الأضواء.

font change