لئن كانت الكتابة عند بعضهم وسيلة لنقل المعاني، فهي عند الأديب السعودي سعد البواردي الذي فارقنا في 20 أبريل/ نيسان الماضي، أثر إنساني ونقش في ذاكرة الزمن ورصد لتحولاته. كتب ليقاوم النسيان، لا لينجو منه، واستحضر الكلمة لا كزينة لغوية، بل كفعل أخلاقي. وما بين سيرة تمتد على جغرافيا الشعر والقصة والمقالة، وتجربة وعي مشدود إلى ذات قلقة، وبيئة تتقلب على أعين التاريخ، تكونت ملامح سعد البواردي، ذلك المثقف الذي لا يهادن، والشاعر الذي يهمس في الفوضى، والقاص الذي يعيد ترتيب الخراب.
الارتحال
في محافظة شقراء الواقعة غرب العاصمة السعودية الرياض ولد سعد البواردي عام 1930 في بيئة صحراوية تشتد فيها الرؤى وتقل الفرص، فلم تكن نشأته في تلك البيئة بسيطة، بل كانت محكومة بنقص وجودي: نقص في الموارد، والفرص، وربما في الأحلام، لا سيما في زمن كان الطموح الأكبر فيه إيجاد أمان ومأوى وطعام وسكينة، لهذا اختار باكرا أن يهاجر في اتجاه النور. ومن عام إلى عام كبر ذلك الطفل الصحراوي المؤمن بأن للأرض بوابات أخرى غير الرمل، وما أن اكتمل إيمانه حتى حمل كتبه إلى جوار روحه وارتحل بهما إلى مكة، فالرياض، فالدمام ليشتغل هناك بالصحافة فالتدريس ثم التحرير، فيجد نفسه في جريدة "اليوم" السعودية وما هي سوى سنوات حتى صار من أبرز كتابها.