"الرخصة العامة 25" لتعليق العقوبات الأميركية على سوريا... ماذا تعني؟

تسهيلات من "أوفاك" لإجراء معاملات مع الحكومة السورية والمصرف المركزي وتقديم الخدمات الأساسية

.أ.ف.ب
.أ.ف.ب
سوري يحمل رزمة من آلاف الليرات السورية من البنك المركزي في دمشق، 21 مايو 2025

"الرخصة العامة 25" لتعليق العقوبات الأميركية على سوريا... ماذا تعني؟

في تحول غير مسبوق في السياسة الأميركية تجاه سوريا، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية قبل أيام "الرخصة العامة الرقم 25" من مكتب الأصول الأجنبية (OFAC) لتعليق العقوبات موقتا. كما أُعلن تعليق عقوبات "قانون قيصر" لمدة 180 يوما، وذلك تنفيذا لالتزام الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الرياض رفع العقوبات المفروضة على سوريا، ودعم جهود إعادة الإعمار بعد سقوط نظام بشار الأسد. ولكن على الرغم من أهمية هذه الخطوة، فإن الطريق لا تزال طويلة.

ما هي "الرخصة العامة 25" وما هو المقصود بها؟

تصدر "الرخصة العامة 25" من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأميركية، وتُعدّ جزءا فقط من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة.

تقتصر صلاحيات هذه الرخصة على نطاق محدد، ولا تشمل السلطات التنفيذية الأخرى أو الوكالات الفيديرالية المختلفة، حيث تسمح الرخصة المعنية بإجراء معاملات مع الحكومة السورية برئاسة أحمد الشرع، ومع مصرف سوريا المركزي، والعديد من المؤسسات الحكومية الأخرى، وتهدف إلى تسهيل تقديم الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه، وتيسير التحويلات المالية، ودعم جهود إعادة الإعمار.

الاستثناء المؤقت يمنحه الرئيس الأميركي، ولكن رفعه بالكامل يحتاج إلى تصويت في الكونغرس، ولسوريا ثلاثة قوانين أساسية لا تزال مفروضة وهي: "قانون قيصر" 2019، وقانون محاسبة سوريا 2003، وتصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب عام 1979

تُدار العقوبات المتعلقة بمنع الصادرات الأميركية إلى سوريا من قِبل وزارة التجارة الأميركية. أما العقوبات المستثناة من الرخصة العامة رقم 25، فهي صادرة عن أوامر تنفيذية، مما يعني أنها تتطلب إجراءات مختلفة لرفعها مقارنة بالقوانين، مثل "الاستثناء" من "قانون قيصر" لمدة 6 أشهر، الذي أصدره وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو.  يهدف هذا الاستثناء إلى تسهيل الاستثمارات وضمان توفير الخدمات الأساسية وتعزيز جهود مكافحة الإرهاب.

هذا الاستثناء المؤقت يستطيع الرئيس الأميركي منحه، ولكن رفعه بالكامل يحتاج إلى تصويت في الكونغرس، وهنا نقطة مهمة جدا، خصوصا أنه يوجد في سوريا ثلاثة قوانين أساسية لا تزال مفروضة، وهي "قانون قيصر" عام 2019، وقانون محاسبة سوريا عام 2003، وتصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب عام 1979. ولكن هذا لا يقلل من أهمية الرخصة العامة إذ إنها قادرة أن تُحدث خرقا في العقوبات المرتبطة بالأوامر التنفيذية. يعني مثلا دعونا نقول إذا كان هناك خمسة أوامر تنفيذية وكل واحد منها يغطي جوانب مختلفة، وتتداخل في بعض النقاط، فإن الرخصة العامة هي استثناء يسمح بتجاوز بنود العقوبات كليا أو جزئيا وفقا لما تحدده الرخصة.

إذا نظرنا إليها بهذا الشكل فهي تمثل حلا مرحليا يتيح رفعا جزئيا للعقوبات، وتشكل جسرا نحو رفعها بشكل كامل. هذا قد يشير إلى أن الحكومة الأميركية لا ترغب في رفع العقوبات بشكل كامل، بل تفضل إلغاءها جزئيا وتدريحيا عبر الأوامر التنفيذية. 

إيجابيات مهمة لـ"الرخصة العامة 25"

من إيجابيات الرخصة العامة أنها تتيح تنفيذ الإجراءات بسرعة، لكن هذه السرعة قد تكون سلبية أيضا إذا تم سحبها بالوتيرة نفسها. من خلال متابعة الأحداث، فأن هذه الخطوة تمثل حلا مؤقتا نحو رفع العقوبات بشكل كامل، وهي خطوة ممتازة. ومن أهم إيجابياتها:

 أولا، هو الطريقة التي تم الإعلان بها عن رفع العقوبات، حيث أعلن الرئيس رفعا كاملا للعقوبات، مما يبعث برسالة إيجابية تؤثر على جميع القطاعات الاقتصادية في سوريا، وحتى الاستثناءات الموجودة في الرخصة واسعة جدا، مما يعكس نية في تخفيف القيود. هذا الإعلان له تأثير كبير، إذ إن معظم الناس، بمن في ذلك الفاعلون الاقتصاديون، يفهمون العقوبات من خلال تأثيرها العام والتواصل المرتبط بها، وليس من خلال تفاصيلها القانونية الدقيقة.

من المتوقع أن تكون دول خليجية وأوروبية أكثر نشاطا في الاستثمار وإعادة الإعمار وتنفيذ مشاريع تنموية واقتصادية في سوريا

ثانيا، يتوقع أن تأتي معظم الفوائد من دول غير أميركية، وذلك لأسباب عدة، من ضمنها، كما ذكرنا، العقوبات الأميركية الصارمة على الصادرات إلى سوريا، ولكن هناك أيضا العقوبات المرتبطة بالإرهاب مثلا: (Foreign Terrorist Organization (FTO و (SDGT) Specially Designated Global Terrorist هذه العقوبات تؤثر بشكل أكبر على الأفراد في الولايات المتحدة مقارنة بغيرهم في دول أخرى.

من جهة أخرى، هناك دول خليجية وأوروبية قد تكون أكثر استعدادا للاستثمار في سوريا، حيث لا تواجه القيود نفسها التي تفرضها الولايات المتحدة. لذلك، من المتوقع أن تكون تلك الدول أكثر نشاطا في مجالات مثل إعادة الإعمار وتنفيذ مشاريع تنموية واقتصادية في سوريا.

إجراءات إضافية لإلغاء القوانين  

بالنسبة لأوجه القصور في الرخصة، أن القوانين لا تزال سارية، مما يعني أنها تتطلب إجراءات إضافية تستغرق وقتا أطول وتحتاج إلى تصويت. على سبيل المثل، تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب، يتيح للرئيس تعليق العقوبات استنادا إلى اعتبارات الأمن القومي، وهو أمر قد يكون صعبا من الناحية السياسية عند الترويج له. وبالتالي، تبقى العقوبات المرتبطة بالقوانين قائمة.

كذلك الاستثناء المؤقت المتعلق بـ"قانون قيصر"، الذي يقتصر على فترة 180 يوما. هذه المدة قصيرة، قد تؤثر على جاذبية الاستثمار، حيث يحتاج المستثمرون إلى بيئة آمنة ومستقرة في شأن العقوبات. ومع ذلك، تُعدّ هذه الخطوة ممتازة، وقد تكون بداية نحو رفع العقوبات بشكل كامل.

 في ما يخص العقوبات المرتبطة بالصادرات الأميركية إلى سوريا، يمكن للفاعلين الاقتصاديين في الولايات المتحدة التقدم للحصول على ترخيص من وزارة التجارة الأميركية لاستثناء بعض المعاملات، لكن غالبا ما تُرفض هذه الطلبات، على عكس العقوبات المفروضة من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، التي تتمتع بفرص نجاح أعلى.

النقطة الأهم، التي يجب توضيحها، هي أن "الرخصة العامة 25" ترفع العقوبات عن أفراد كانوا مرتبطين بـ"هيئة تحرير الشام"، مثل الرئيس السوري الحالي ووزير الداخلية، ومع ذلك، العقوبات على الهيئة نفسها لم تُرفع، وهذا له تأثير بالغ الأهمية.

الفرق بين الأفراد والهيئات

كان السؤال المطروح دائما: ما معنى رفع العقوبات عن أفراد في حين أن الهيئة نفسها التي انحلت ولم تعد موجودة، ما زالت مدرجة على قوائم الإرهاب؟ للأسف، نحن نعرف من تجارب سابقة أن هذا لا يؤدي بالضرورة إلى رفع العقوبات عنها. على سبيل المثل، "كتائب عبد الله عزّام" توقفت منذ فترة طويلة عن نشاطاتها الإرهابية، وفي عام 2019 أعلنت حلّها، ومع ذلك لا تزال العقوبات مفروضة عليها حتى اليوم. فالأثر الأكبر للعقوبات يكون على الأشخاص المرتبطين بالهيئة.

ما أعلن أخيرا يُعدّ خطوة كبيرة نحو الوفاء بالوعد الذي قطعه الرئيس الأميركي في الرياض. ومع ذلك، يبقى الطريق طويلا لتحقيق الأهداف المنشودة وضمان مستقبل مستقر ومزدهر للشعب السوري

فهل من المقبول أن يُقال في سوريا، مثلا، إن لقاء وزير العدل لم يعد مشكلة كبيرة؟ من وجهة نظري، تقديم دعم من دولة غربية لوزير العدل في هذه الظروف لا يزال يثير إشكالية كبيرة. الرخصة العامة 25 قد تخفف أثر هذه الإشكالية، لكنها لا تحلها بشكل كامل.

استمرار العقوبات على مؤسسات رئيسية

على الرغم من أن الرخصة العامة الرقم 25 تتيح رفع العقوبات عن أفراد وكيانات معنية، فإن هناك مؤسسات رئيسية لا تزال خاضعة للعقوبات، مثل وزارتي الدفاع والداخلية. يعود ذلك إلى أن رفع العقوبات عنهما يتعارض مع قوانين أميركية، أبرزها تصنيف سوريا كدولة راعية لللإرهاب.

هناك تصور سائد بأن فرض العقوبات على أي جهة مرتبطة بنظام الأسد أمر إيجابي، لكن على سبيل المثل، شركة "سيرياتيل" لا تزال خاضعة للعقوبات، وعلى الرغم من ذلك، هي المزود الرئيس لخدمات الاتصالات في مناطق واسعة من سوريا.

هذا يطرح سؤالا: هل العقوبات على "سيرياتيل" تحقق مكاسب أكبر من الأضرار التي تلحق بالاقتصاد المحلي والمواطنين؟ العقوبات الأحادية غالبا ما تؤثر على قطاعات بأكملها دون تحقيق نتائج ملموسة في محاسبة المسؤولين.  فمن الصعب مثلا أن تحاكم رامي مخلوف أو أن تأخذ من أصوله وتوزعها على الضحايا.

 توضح "الرخصة العامة 25" أن العقوبات التي رُفعت عن بعض الأفراد والكيانات لا تشمل تسييل الأصول المجمدة. بمعنى آخر، تبقى الأصول المجمدة غير قابلة للتصرف. على الرغم من أن المبالغ المجمدة قد تكون محدودة مقارنة بالاحتياجات السورية، إلا أن تأثيرها يظل قائما.

القيود المرتبطة بالعقوبات الأممية

 العقوبات المرتبطة بالأمم المتحدة لا تزال سارية. على سبيل المثل، إذا أراد الرئيس السوري السفر إلى دولة أخرى، فإنه لا يزال في حاجة إلى استثناء من اللجنة 1267 المرتبطة بالعقوبات على "داعش" و"القاعدة". على الرغم من أن الحكومة الأميركية لا تستطيع رفع هذه العقوبات الأممية، بشكل منفرد، إلا أن لها تأثيرا كبيرا في مجلس الأمن.

خلاصة القول، إن ما أعلن أخيرا يُعدّ خطوة كبيرة نحو الوفاء بالوعد الذي قطعه الرئيس الأميركي في الرياض. ومع ذلك، يبقى الطريق طويلا لتحقيق الأهداف المنشودة وضمان مستقبل مستقر ومزدهر للشعب السوري.

font change