بعد أكثر من عقد ونيف من الحرب، لا تزال سوريا تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية هائلة. فمنذ اندلاع الصراع عام 2011، دُمّر أكثر من نصف البنية التحتية في البلاد، وتقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تفوق 60 في المئة، فيما يعيش أكثر من 80 في المئة من السكان تحت خط الفقر. وفي حين كان التركيز العالمي منصبا على المأساة الإنسانية والسياسية، فإن البعد الاقتصادي، على أهميته، ظل مهمشا في السرد الدولي.
لكن التحولات السياسية الأخيرة، وأبرزها سقوط النظام السابق في ديسمبر/كانون الأول الماضي وإعلان إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأسبوع الماضي رفع العقوبات عن سوريا، وإعلان الإتحاد الأوروبي النية لرفع العقوبات عن سوريا أيضا، فتح نافذة نادرة. إنها لحظة إعادة نظر، وفرصة لبناء اقتصاد جديد من تحت الأنقاض، أكثر مرونة وانفتاحا واستقلالية. إلا أن هذا المسار لن يكون ممكنا من دون إصلاح جذري يبدأ من قلب النظام المالي: مصرف سوريا المركزي.
بين السياسة والنقد
تُعد تجربة مصرف سوريا المركزي واحدة من أكثر التجارب تعقيدا في إدارة السياسة النقدية تحت الضغط السياسي الدولي. فالعقوبات الغربية، على الرغم أنها وُضعت في الأصل بهدف الضغط على النظام السياسي، أثرت إلى حد بعيد في قدرة المصرف على أداء أبسط وظائفه: إدارة العملة، الحفاظ على الاستقرار النقدي، تمويل الواردات الحيوية، وحتى الإشراف على النظام المالي. والأسوأ، أن هذه القيود لم تسقط بسقوط النظام، بل لا تزال قائمة، وتعرقل أي جهد جاد لبناء مؤسسات اقتصادية فعالة.