هل يتسلط هاجس الحب على الجنس الخشن بقدر ما يتسلط على الجنس اللطيف؟ نعم، تجيب الكاتبة التركية اللامعة أيفر تونتش في مجموعتها القصصية "حادثة عزيز بك"، التي صدرت ترجمتها الفرنسية حديثا عن دار "زولما"، وتذهب قصصها الخمس بقارئها في الاتجاه المعاكس لما هو معتاد في الروايات والقصص العاطفية، بتصويرها رجالا يستحوذ عليهم الحب، أو البحث عنه، إلى درجة يدفعهم فيها إلى تدمير أنفسهم أو رفيقة دربهم. قصص تشكل أيضا، بكشفها البصير مصاعب الحياة في تركيا اليوم، وتناقضاتها الكثيرة، خير مدخل لولوج عالم تونتش الروائي والقصصي، وبسطوة أسلوبها ومناخاتها، خير عينات لتذوّق مهاراتها الكتابية والسردية النادرة.
جوانب الحب
تجدر الإشارة بداية إلى أن كل واحدة من هذه القصص تستكشف جانبا مختلفا من علاقة حب من طرف واحد، لكن قبل أن تفضي هذه العلاقة إلى الفشل المحكومة حتما به، تذهب القصة بالجانب المذكور إلى ذروته. من هنا خيار الناشرة الفرنسية منح هذه المجموعة عنوانا آخر، "عابرة الثلج" - وهو عنوان واحدة من قصص هذه المجموعة - لكونه يلخص جيدا الفكرة الرئيسة التي تطغى عليها، أي الطبيعة العابرة، الفانية، للحب، عدم تقاسم أحد طرفيه في غالب الأحيان مشاعر الطرف الآخر، بسبب أنانية، عمى أو لا مبالاة، والبرد الناجم عن الانفصال أو الموت، الذي يختبره الناجي من العلاقة.
بالتالي، "عابرة الثلج" عنوان مناسب لهذه المجموعة لأنه يستحضر أيضا تلك الشخصية الخفية التي تنشط في السر داخل كل قصة، فتقضي على المشاعر، وتحصد الأرواح، ولا تترك خلفها سوى أنقاض الحب الخائب، وظلال أشخاص محطمين أعيدوا إلى ظلمة العزلة وبردها. عزرائيل الذي يوجه إلى القلب الطعنة القاتلة ويضع ضحيته وجها لوجه مع تواري مستقبلها في بخار الندم.
هذا ما سيحصل لعزيز بك، في القصة الأولى والأطول من هذه المجموعة، التي تبدأ بالنهاية المأسوية لهذا الرجل، ثم تعود إلى الوراء لشرح أسبابها. هكذا نعرف أن عزيز بك كان موسيقيا لامعا وزير نساء، قبل أن يلتقي مريم وينحرف عن سكة القدر التي كانت مرسومة سلفا له: "لو أن بلاغة تلك العينين لم تكن تتبادر إلى ذهنه في كل لحظة، لو أن النار لم تكن تسري في كل جسده، حتى أطراف أصابعه، في كل مرة كان يراها، لكان أصبح رجلا مثل سائر الرجال".