شهدت منطقة جنوب آسيا تصعيدا عسكريا خطيرا وغير مسبوق، إثر الهجوم الذي ضرب منطقة بَهالغام الهندية في 22 أبريل/نيسان 2025، وأودى بحياة 26 شخصا. وسرعان ما جاء الرد الهندي في 7 مايو/أيار، من خلال إطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق تحت اسم "عملية سندور"، تضمنت ضربات صاروخية دقيقة استهدفت معسكرات ومواقع عسكرية داخل الأراضي الباكستانية، قالت نيودلهي إنها تُستخدم من قبل جماعات مسلحة، في رسالة مباشرة مفادها أن التهديدات العابرة للحدود لن تمر دون رد.
ردت إسلام آباد بدورها بعملية مضادة حملت اسم "بنيان مرصوص"، شملت هجمات جوية وصاروخية استهدفت مواقع هندية. وأعلنت إسقاط طائرات مقاتلة هندية، وهي رواية نفتها نيودلهي أو قللت أهميتها. ومع تصاعد التوتر، شهدت الحدود اشتباكات جوية وقصفا مدفعيا متبادلا، إلى جانب استخدام مكثف للطائرات المسيّرة في مهام استطلاع وهجوم متبادل عبر الأجواء.
ورغم إعلان وقف لإطلاق النار في 10 مايو/أيار الماضي، فإن جبهة أخرى بقيت مشتعلة وبصورة متزايدة: الفضاء السيبراني. إذ انتقل الصراع من الأرض إلى الشبكة، ليتحول الفضاء الرقمي إلى ساحة مواجهة موازية للصراع الجيوسياسي التقليدي.
فمنذ بداية الأزمة، شنت مجموعات إلكترونية مؤيدة للهند هجمات سيبرانية استهدفت البنية التحتية الرقمية في باكستان، طالت شركات الطاقة، ومحاكم، وجامعات، ووكالات أمنية. وردّت باكستان بهجمات مضادة، اخترقت من خلالها مواقع حساسة داخل الهند، منها منصات تعليمية ومؤسسات عسكرية.
يطرح هذا التصعيد الإلكتروني تساؤلات عميقة، فما مدى تطور القدرات السيبرانية لدى كل من الهند وباكستان؟ وهل شكّلت هذه الهجمات تحولا استراتيجيا حقيقيا في موازين القوة التقليدية؟ أم أنها لا تزال في طورها الأول، دون أن تترك أثرا ملموسا في المعادلة العسكرية الأوسع؟
مجال الحرب الخامس
شهدت العلاقة بين الهند وباكستان تحولا جذريا في طبيعة الصراع بينهما مع ظهور الفضاء السيبراني كساحة جديدة للحرب، حيث انتقل التنافس من المواجهات العسكرية التقليدية إلى صراع رقمي معقد يتضمن الهجمات الإلكترونية والتجسس والدعاية الرقمية. يعود جذر الصراع بين البلدين إلى عام 1947 مع تقسيم الهند البريطانية، الذي تسبب في نزاعات حدودية عنيفة، لا سيما حول إقليم كشمير.
وقد تصاعدت التوترات على مدى العقود التالية، حيث خاض البلدان ثلاث حروب رئيسة في أعوام 1947-1948، و1965، و1971وكادا يدخلان في مواجهات عسكرية إضافية بعد امتلاكهما الأسلحة النووية في 1998.
ومع تطور التكنولوجيا الرقمية، امتد الصراع إلى المجال السيبراني، مما أضاف بعدا جديدا للتنافس الاستراتيجي بينهما. وقد أصبحت الحرب السيبرانية، بما تشمله من هجمات إلكترونية خفية وتخريب للبنى التحتية الرقمية، جزءا لا يتجزأ من
الاستراتيجيات العسكرية والأمنية لكلا البلدين. يُنظر إلى هذا النوع من الصراع على أنه "المجال الخامس" للحرب، إلى جانب البر والبحر والجو والفضاء، نظرا لتأثيره الكبير على الأمن القومي والاستقرار الإقليمي.
وفي ظل امتلاك الهند وباكستان ترسانات نووية، أصبحت المواجهة المباشرة بينهما محفوفة بأخطار كارثية، مما دفعهما إلى تبني أساليب غير مباشرة مثل العمليات السيبرانية لتحقيق مكاسب استراتيجية دون التصعيد إلى حرب شاملة. ومع تعميق التحول الرقمي في كلا البلدين، ازداد الاعتماد على البنى التحتية السيبرانية، مما جعلها أهدافا رئيسة في أي صراع.