مستقبل صناعة السيارات على إيقاع حرب التعريفات

الصين باعت 2,4 مليون سيارة كهربائية في مقابل نصف مليون لأميركا في الربع الاول

رويترز
رويترز
السيارة الرياضية U9 من Yangwang، وهي علامة تجارية فارهة تابعة لشركة BYD الصينية العملاقة للسيارات الكهربائية، خلال يوم إعلامي للشركة في معرض شنغهاي للسيارات الصين، 23 أبريل 2025.

مستقبل صناعة السيارات على إيقاع حرب التعريفات

يتوقف حجم التبادل التجاري العالمي، ومصير عدد من الصناعات التحويلية والاستهلاكية، ومستقبل مئات آلاف العمال، ومعدل النمو الاقتصادي والأسعار والتضخم، على النتائج النهائية للمفاوضات الأميركية الصينية، بناء لصيغ جديدة للتعريفات الجمركية، التي يتضح أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب نفسه أقر بضرورة خفضها، بعد إعفاء استيراد أجهزة الحواسيب والألواح الإلكترونية والهواتف الذكية من الرسوم الجديدة.

وقال أمام الصحافيين في أبريل/نيسان المنصرم "إنها مرتفعة ويجب خفضها"، مما فتح ثغرة سمحت للوفدين الأميركي والصيني بالتوصل في جنيف، إلى هدنة 90 يوما، تُطبق خلالها رسوما بقيمة 30 في المئة على الصادرات الصينية (باستثناء السيارات)، وعشرة في المئة على السلع الأميركية، عوض نسبة 80 في المئة على السلع المنتجة في الصين، التي يعتمد عليها المستهلك الأميركي والشركات المصنعة خارج الحدود. وكل رفع في التعريفات يزيد الأسعار، ويقلص حجم التسويق، ويُخفض الأرباح وعائدات الأسهم.

وكتبت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن "الرئيس الأميركي خسر الجولة الأولى من حرب الرسوم الجمركية ضد الصين، لخفض العجز التجاري مع الصين، بعدما تلقى إشارات سلبية من الأسواق المالية، دفعته إلى تعليق الإجراءات ثلاثة أشهر إضافية للدول الراغبة في التفاوض".

الخسائر الأولية ظهرت في الأسواق الأميركية

ولا تبدو الصين في عجلة من أمرها، وتريد مزيدا من المكاسب في مفاوضات التجارة المقبلة مع الولايات المتحدة، طالما أن الإدارة تتعرض لضغوط داخلية بعد توالي الخسائر في معسكر الشركات المحسوبة على تيار ترمب، بعد خروج إيلون ماسك من البيت الأبيض، والخلاف مع رئيس الاحتياطي الفيديرالي جيروم باول، حول خفض معدلات الفائدة. هذا إضافة إلى تخوف كبار مصنعي السيارات من أي حرب تجارية عالمية في الأفق، طالما أن العولمة فرضت جغرافيا لتنويع مصادر الشحن والإنتاج وأسواق البيع والتصريف، لا يمكن تغييرها بقرار.

صافي أسعار السيارات سيزيد من 2000 إلى 4000 دولار، وقد يصل إلى 6000 دولار نتيجة الرسوم الجمركية الجديدة

مجموعة "غولدمان ساكس"

وجاء في موقع "أكسيوس" أن "قطاع السيارات الأميركية يعيش حالا من التخبط بعد إعلان ترمب فرض تعريفات بنسبة 25 في المئة على السيارات وقطع الغيار المستوردة". فقد توقفت شركة "ستيلانتس" عن الإنتاج في كندا والمكسيك. وشرعت "فورد موتورز" في خفض الأسعار. وأعلنت "جنرال موتورز" التوجه نحو إنتاج الشاحنات الكبيرة، بينما قالت "فولكسفاغن" إنها ستفرض رسوم الاستيراد على المشترين. وخفضت شركة "تويوتا موتور" العمل الإضافي في مصنعها في المكسيك، وقالت "فيراري" الرياضية إنها سترفع الأسعار 10 في المئة. وبدأت "مرسيدس بنز" في سحب سياراتها المنخفضة التكلفة من السوق الأميركية، والتركيز على الموديلات الفارهة فقط.

 نحن أميركيون منذ 120 سنة

وقال توماس كينغ، رئيس قسم البيانات والتحليلات في مؤسسة "جي. دي. باور" في منتدى السيارات في نيويورك إنه "في هذه المرحلة ليس أمام شركات صناعة السيارات مجال كبير للمناورة، غير تلقي الضربات التجارية، أو نقل تكاليف التعريفة الجمركية إلى المستهلكين".

.أ.ف.ب

وقال السويدي أولا كالينيوس رئيس مجلس الإدارة المدير التنفيذي لمجموعة " دايملر أي. جي." المصنعة لموديلات مرسيديس بنز" "نحن في الولايات المتحدة منذ 120 سنة، نوظف 11 ألف شخص، وإذا جمعنا كل الشركاء والموردين فإننا نشغل 150 ألف شخص. نشعر بأننا أميركيون، نحن جزء من النسيج". وتملك "مرسيدس" وحدتي إنتاج في ولايتي ساوت كارولينا وألاباما. وتتخوف الشركة الألمانية من تطبيق تعريفات جمركية على العلامات الأوروبية داخل الأسواق الأميركية مما قد يقلص حجم المبيعات.

جدال ماذا يعني "صنع في أميركا"؟

تعيش صناعة السيارات في شمال القارة الأميركية على جدال ماذا يعني شعار "صنع في أميركا؟" طالما أن كل سيارات العالم تعتمد على مكونات خارجية في الإنتاج. وقالت "بلومبيرغ" إن "20 في المئة من موديلات 'فورد' ليست مصنوعة في الولايات المتحدة، كما أن مصانع 'تسلا' في كاليفورنيا وتكساس تعتمد بنسبة 40 في المئة على مكونات وأجزاء السيارات المنتجة في شنغهاي في الصين، التي تحولت إلى مصنع العالم الذي لا يمكن منافسته، حيث تنتج ثلث مجموع السيارات المبيعة في العالم، وأصبحت أول سوق للسيارات الكهربائية".

اجتياح مبيعات السيارات الكهربائية الصينية 

حملت بيانات الربع الأول من السنة الجارية أخبارا غير سارة للإدارة الأميركية، فقد باعت الصين نحو 2,4 مليون سيارة كهربائية غالبيتها داخل السوق الأوروبية والأميركية بزيادة 17 في المئة، بينما لم تتجاوز مبيعات الولايات المتحدة نصف مليون سيارة. وتراجعت حصة الاتحاد الأوروبي 6 في المئة من بيع 900 ألف سيارة. وشهد الإقبال على السيارات الكهربائية نموا عالميا ملحوظا تجاوز 4 ملايين سيارة خلال الشهور الأولى من السنة بزيادة 35 في المئة، ويتوقع أن يتجاوز 20 مليون سيارة كهربائية في نهاية العام.

Shutterstock

وتكبدت مجموعة "ستيلانتيس" الأوروبية - الأميركية لصناعة السيارات أكبر الضربات، حيث تراجعت مبيعاتها بـ17 في المئة، وتقلصت أرباحها 70 في المئة إلى 5,5 مليارات يورو فقط نهاية العام حسب "بلومبيرغ". وخلال الربع الأول انخفض الطلب على موديلات المجموعة 9 في المئة، ولم تُسوق سوى 1,2 مليون سيارة بسبب المنافسة الصينية القوية، مما دفع المجموعة الصناعية إلى تغيير رئيس مجلس الإدارة كارلوس تافاريس الاسباني وتعيين الايطالي أنطونيو فيلوزا خلفا له. وقررت الشركة إعادة فتح مصنع دوندي (Dundee) في ولاية ميتشيغان لإنتاج سيارات بيك أبPickup  المطلوبة داخل الولايات المتحدة .

المستهلك سيتحمل عبء الرسوم

وتُصنع أجزاء من السيارات المبيعة أو المُصنعة داخل أميركا في مصانع خارج الولايات المتحدة، ومنها دول يرغب ترمب في فرض رسوم مرتفعة عليها.. وهذا احد أسباب شد الحبل المرتقب بين الرئيس والقضاء الأميركي حول التجارة الخارجية وتفسير بنود الدستور. وهي معركة متوقعة داخل الكونغرس عند اقتراب موعد الانتخابات النصفية.

وقال "غولدمان ساكس" إن "صافي أسعار السيارات سيزيد من 2000 إلى 4000 دولار، وقد يصل إلى 6000 دولار نتيجة الرسوم الجمركية الجديدة". وتوقعت وكالة "ميليمتري" الاستشارية انخفاض سوق مبيعات السيارات داخل الولايات المتحدة وكندا بنحو مليوني وحدة في الشهور المقبلة. وقد تكون ضربة موجعة لصناعة السيارات في العالم، التي بلغت 90 مليون عربة العام المنصرم، من بينها أكثر من 31 مليون سيارة صنعت في الصين.

من وجهة نظر الغرب، تعتبر السوق الصينية، على الرغم من أنها الكبرى في العالم (بحجم 31 مليون سيارة جديدة)، شبه مغلقة، لأن المستهلكين المحليين يفضلون علامات صينية بنسبة 65 في المئة

بينما لم تصل صناعة السيارات الأميركية محليا إلى ما تنتجه شركة "تويوتا" اليابانية، التي قارب إنتاجها 10 ملايين عربة، تليها "هونداي- كيا" الكورية الجنوبية بنحو 8 ملايين سيارة، تتبعها "فولكسفاغن" الألمانية بنحو 6 ملايين سيارة، بينما لم تحل شركتا "جنرال موتورز" و"فورد" الأميركيتان العريقتان سوى في المرتبتين السادسة والسابعة على التوالي، وراء شركة "بي. واي. دي." الصينية، التي لا يتجاوز عمرها ربع قرن، في مقابل 120 سنة للسيارات الأميركية الضخمة الهيكل.

"تسلا" وماسك في مقدمة المتضررين

وكشفت الجمعية الأوروبية لصناعة السيارات (ACEA) أن مجموع الإنتاج الأوروبي والأميركي من السيارات بلغ أقل من 26 مليون سيارة بينما استحوذت الصين على ثلث الإنتاج العالمي البالغ 90 مليون سيارة وشاحنة وحافلة عام 2024.

أعلنت شركة "تسلا" للسيارات تفاصيل نتائج الربع الأول، لتكشف عن تراجع أرباحها الفصلية بواقع 71 في المئة، ما يعادل 409 مليون دولار، بعد تراجع الإيرادات من 21,3 مليار دولار إلى 19,3 مليار دولار. وباعت الشركة التي يملكها إيلون ماسك، الذي غادر البيت الأبيض بعد خلاف مع رئيسه ترمب حول الرسوم وفشله في تقليص نفقات الإدارة الفيديرالية، 336,7 ألف عربة خلال الربع الأول، بتراجع 13 في المئة عن مبيعات ما قبل سنة، و20 في المئة ما قبل سنتين. ولم تتجاوز مبيعات "تسلا" في الأسواق الأوروبية 54 ألف عربة بتراجع 37,2 في المئة، بعد حملة مقاطعة داخلية.

فرض الرسوم الجمركية على السيارات الصينية كان قبل مجيء ترمب، عندما أقرت الإدارة السابقة تعريفات جديدة على السيارات الكهربائية من الصين في مطلع مايو/أيار 2024، تبعه قرار أوروبي مماثل برفع الرسوم الجمركية 17 في المئة في أكتوبر/تشرين الأول العام المنصرم. والتهمة هي أن بكين تتحايل على قوانين منظمة التجارة العالمية، وتمنح مساعدات سخية للشركات الصينية الموجهة للتصدير، مما يجعلها أكثر تنافسية.

المجلة

من وجهة نظر الغرب، تعتبر السوق الصينية،على الرغم من أنها الكبرى في العالم (بحجم 31 مليون سيارة جديدة)، شبه مغلقة، لأن المستهلكين المحليين يفضلون علامات صينية بنسبة 65 في المئة. مما جعل سيارات "بي. واي. دي." تتفوق على "تسلا" في إنتاج المركبات الكهربائية. وقدر مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، ومقره واشنطن، الدعم الحكومي المتراكم للسيارات الصينية بنحو 230 مليار دولار بين 2009 و2023، ولا تحظى "تسلا" الأميركية التي تصنع 46 في المئة من أجزاء علامات "موديل3" في الصين بأي دعم حكومي. بينما تنتج غريمتها "بي. واي. دي." 75 في المئة من مكونات السيارات في مصانعها الخاصة، وهي الفكرة التي تبنتها الحكومة الصينية، بجعل العلامات المختلفة تعتمد على أجزاء مماثلة من قطع الغيار.

تدرك واشنطن أنها قد تكسب جولة الرسوم الجمركية المقبلة مع الصين بضغوط اقتصادية وحتى سياسية، وقد تقلص جزءا من عجز الميزان التجاري. لكنها قد لا تكسب رهان إعادة التصنيع والتوطين بسرعة، وهي المعركة الأصعب مع التنين

وكان إيلون ماسك كثيرا ما يسخر من السيارات الصينية، ويعتبرها من دون قيمة تقنية أو جمالية ولا مستقبل لها. كان ذلك عام 2011 في معرض زيوريخ للسيارات في سويسرا، يومها كان المهندس الصيني الشاب وانغ تشوان فو المتخصص في المعادن، يتنقل بآلة تصوير لا تفارقه لأخذ مئات الصور عن السيارات المعروضة، ولم تكن بينها أي سيارة صينية كهربائية. الشخص نفسه أصبح رئيسا لشركة "إبنِ حلمك" (Build your dream–BYD) للسيارات الكهربائية، وحصل على عقود استخراج المعادن النادرة من تشيلي والبرازيل، وتفوق على خصمه ماسك في سوق السيارات الكهربائية.

الصين أيضا أكبر سوق للسيارات المستوردة من أوروبا

وخلال العقد الأخير لم تعد الصين أكبر منتج للعربات الكهربائية فقط، بل أكبر سوق للسيارات المستوردة من أوروبا أيضا. وتشير معطيات تجارية نقلتها صحيفة "ليزيكو" أن 32 في المئة من مبيعات سيارات "مرسيدس" في العالم تمت داخل السوق الصينية، وبلغت النسبة 30 في المئة للـ"فولكس فاغن"، و25 في المئة لـ"بي. إم. دبليو"، وهي جميعها سيارات ألمانية مجمعة في الصين وتصنف ضمن الفئة الراقية، مما يعني أن السوق الصينية ستكون بديلا محتملا للسيارات الأوروبية الغالية الثمن. وتعارض برلين بشدة أية عقوبات جمركية بين القوى الاقتصادية الثلاث الأميركية والصينية والأوروبية. وبحسب خبراء ألمان فإن في إمكان الصين طرح موديل جديد كل سنة بينما يحتاج الأمر ثلاث سنوات على الأقل في أوروبا، بسبب تعدد المصممين، وأجزاء السيارات المصنعة في مناطق جغرافية مختلفة.

الأسواق البديلة في الجنوب الشامل

تشكل دول الجنوب أسواقا بديلة للسيارات الأميركية والصينية والأوروبية على السواء، بسبب تحسن الدخل في الكثير من الدول الصاعدة والنامية، وأيضا مصانع بديلة لإنتاج بعض العلامات أو مكوناتها، بتكلفة تشغيلية أقل، خصوصا مع توفر البنى التحتية مثل الموانئ والقطارات، والمعادن النادرة. وتمثل تركيا والمغرب والسعودية ومصر دولا صاعدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجال الصناعات الاستهلاكية، ومنها السيارات..

.أ.ف.ب
مئات من صفوف سيارات BYD الكهربائية المكدسة في ميناء تايكانغ شرق الصين استعدادا لشحنها إلى أميركا الجنوبية، 8 أبريل 2025

وقال موقع "غلوبال سوفرين أدفايزوري" إن 73 في المئة من السيارات الجديدة في نيبال هي كهربائية صينية، وتصل النسبة إلى 62 في المئة في تايلاند وغالبية دول مجموعة شرق اسيا التي زاد الاهتمام بها من الصين والاتحاد الاوروبي أخيرا . وشرعت الصين في مفاوضات مع حكومات من الشرق الاوسط وأفريقيا جنوب الصحراء، لتزويدها سيارات مستعملة أعيد تحديثها. ويقدر عدد هذه السيارات بنحو 20 مليون عربة كهربائية.

أميركا بين الميزان التجاري واستعادة التصنيع

تدرك واشنطن أنها قد تكسب جولة الرسوم الجمركية المقبلة مع الصين بضغوط اقتصادية وحتى سياسية، وقد تقلص جزءا من عجز الميزان التجاري الذي تجاوز 1,2 تريليون دولار، ربعها مع الصين. لكنها قد لا تكسب رهان إعادة التصنيع والتوطين بسرعة، وهي المعركة الأصعب مع التنين الآسيوي، الذي غزا العالم بفائض الميزان التجاري مع أوروبا وأميركا، عبر مبادرة الحزام والطريق.

font change

مقالات ذات صلة