إيران وسوريا... "طلاق استراتيجي" ورهان على الفوضى

خسارات متتالية ومتواصلة

رويترز
رويترز
مقاتلون على دراجة نارية أمام موقع عسكري مهجور رسمت على مدخله أعلام إيرانية، في كفرنبل، سوريا، 1 ديسمبر 2024

إيران وسوريا... "طلاق استراتيجي" ورهان على الفوضى

شكل سقوط نظام الأسد ضربة قاسية للمشروع الإيراني الذي عملت على تحقيقه سنوات طويلة بهدف وصل إيران بالبحر المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان، وما يزيد فداحة الخسارة الإيرانية هو تحول العجلة السورية في مرحلة ما بعد الأسد إلى المظلة العربية في مواجهة المشروع الإيراني، الأمر الذي لم يكن ليحصل لو أن الأسد ما زال في كرسيه بدمشق. فالرئيس السوري أحمد الشرع منذ وصوله إلى دمشق في الثامن من ديسمبر/كانون الأول وفي أول كلمة له في الجامع الأموي بعد هروب الأسد أكد أن العدو الحقيقي هو إيران والكبتاغون، في رسالة مباشرة إلى أن سوريا تتجه نحو المظلة العربية، وجاهزة للتعاون مع "المحور العربي" والدول الغربية لإرساء الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

خطوات فعلية اتخذتها الحكومة السورية منذ هروب الأسد، وتفكيك مكثف لمعامل الكبتاغون في دمشق، والجنوب السوري، وشرق سوريا، إضافة إلى عمليات متتالية على الحدود السورية اللبنانية والسورية العراقية لمنع التهريب، والعمل على إنهاء نفوذ ما تبقى من بقايا الميليشيات الإيرانية في سوريا. كما عملت الحكومة السورية على فتح أبوابها للتنسيق مع الأردن ودول الخليج العربي لمحاربة تجارة المخدرات وتعميق التنسيق مع سوريا. بشار الأسد وخلال سنوات حكمه جعل سوريا منصة إيرانية لتهديد الأمن العربي والإقليمي، وحولها لاستثمار جيوسياسي إيراني يُحقق مكاسب لطهران على مستوى أوراق التفاوض الإقليمي والدولي. ورغم المحاولات العربية لاستعادة سوريا إلى مكانتها العربية زمن النظام، إلا أن الأسد استخدم هذه المحاولات كعامل سياسي يبقيه بالقرب من الدول العربية دون أن يُقدم شيئا يُذكر على مستوى تحسين العلاقات معها.

لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع الرئيس السوري أحمد الشرع مؤخرا، يوم 14 مايو/أيار، يُشكل ضربة جديدة في قلب مستقبل المشروع الإيراني، سيما أن إيران باتت تدرك اليوم أن سوريا حسمت أمورها من الناحية السياسية والاستراتيجية، وأن الأرض التي كانت تعدها طهران امتدادا لنفوذها باتت تشكل عقبة أمام مشروعها وطموحاتها الجيوسياسية والاستراتيجية في الشرق الأوسط، وأن مشروع إيران- الذي بذلت عليه أثمانا باهظة خلال السنوات الماضية- بوصل طهران بالمتوسط بات في عداد الموتى.

الرئيس السوري أحمد الشرع منذ وصوله إلى دمشق في الثامن من ديسمبر. وفي أول كلمة له في الجامع الأموي بعد هروب الأسد أكد أن العدو الحقيقي هو إيران والكبتاغون

الرئيس الشرع ذهب أبعد من ذلك في تصعيد موقفه ضد إيران وتقاربه مع الإدارة الأميركية، حيث قال في لقاء له مع صحيفة "جويش جورنال الأميركية، نُشر يوم 28 مايو، أنه والرئيس ترمب تعرضا "لهجوم من العدو نفسه"، وأضاف للصحيفة أنه "إذا كانت هناك إمكانية لتوافق يُسهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة، والأمن للولايات المتحدة وحلفائها، فأنا مستعد لإجراء هذا الحوار. إنه الرجل الوحيد القادر على إصلاح هذه المنطقة، وجمع شملنا، خطوة بخطوة".

وعن موقفه مع إسرائيل قال: "الحقيقة هي أن لدينا أعداء مشتركين، ويمكننا أن نلعب دورا رئيسا في الأمن الإقليمي"، وهو قد يكون إشارة واضحة إلى إيران وميليشياتها.

أ.ف.ب
عناصر من قوة مشتركة من الحشد الشعبي والجيش العراقي على الحدود العراقية السورية في 5 ديسمبر 2024

لم يمضِ أسبوع على تصريحات الشرع، حتى انطلق صاروخان من الأراضي السورية تُجاه الأراضي الإسرائيلية يوم الثلاثاء 3 حزيران/يونيو، وبحسب الجيش الإسرائيلي فإنه "تم رصد مقذوفين يعبران من سوريا إلى إسرائيل قبل أن يسقطا في مناطق غير مأهولة". وزير الدفاع الإسرائيلي حمّل الرئيس الشرع المسؤولية المباشرة عن أي تهديد أو قصف يطال إسرائيل وقال إن "ردا شاملا سيتم قريبا".

مجموعتان تبنّتا الهجوم، الأولى هي "كتائب الشهيد محمد الضيف" غير معروفة العدد أو التموضع الجغرافي كونها حملت اسم قائد هيئة أركان  "كتائب القسام" محمد الضيف الذي أعلنت إسرائيل عن مقتله شهر آب/أغسطس الماضي، في حين أعلنت  "كتائب القسام" عن مقتله مطلع العام الجاري، أما المجموعة الثانية التي تبنّت الهجوم فهي "جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا-أولي البأس"، والتي تم الإعلان عن تشكيلها في شهر آذار/مارس الماضي واحتفت بالإعلان غالبية القنوات والصفحات التابعة للميليشيات الإيرانية، إضافة لشبكات إخبارية إيرانية من بينها "مهر للأبناء" ووكالة فارس.

سنوات من النفوذ تلاشت في أيام قليلة

منذ بداية الثورة السورية عام 2011، بدأت إيران بالتحول في استراتيجيتها من مرحلة الوصول السياسي إلى النفوذ العسكري، حيث عملت على تجنيد خلايا مسلحة لها في سوريا، ومع مرور الوقت تحولت هذه الخلايا إلى ميليشيات محلية وأجنبية نافذة فاقت قدرتها قوة جيش النظام، خصوصا في محافظة دير الزور الحدودية مع العراق، والمناطق الحدودية مع لبنان. وذهبت إيران أبعد من ذلك، حيثُ اعتمدت سياسة عسكرية في سوريا تفوق صلاحياتها وزارة الدفاع السورية، متمثلة بأن أي عنصر محلي ينتمي للميليشيات الإيرانية تُحسب من فترة خدمته من الخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش، فضلا عن راتب شهري ينافس رواتب وزارة الدفاع التابعة للنظام، ما جعل كثيرا من الشباب الذين كانوا يعانون الفقر يلجأون إلى تلك الميليشيات، فهي مكسب مادي من جهة، ونفوذ عسكري من جهة أخرى، فهم لا يتم توقيفهم على الحواجز ولا تتم محاسبتهم من قبل سلطة جيش النظام. 

وبحسب عدة مقاتلين سابقين في الميليشيات الإيرانية فإن جيش النظام كان يعاني من ضعف كبير في مناطق نفوذ الميليشيات الإيرانية، فالمربع الأمني في كل من دير الزور والبوكمال كانا مناطق محرمة حتى على جنود جيش النظام، وكانت بعض قرارات وزارة الدفاع التابعة للنظام غير نافذة في دير الزور، لأن الكلمة العليا هي لقادة الميليشيات الإيرانية. ومع اشتداد الغارات التي استهدفت مواقع الميليشيات الإيرانية ومخازن السلاح في سوريا خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بدأ قادة الميليشيات الإيرانية إعطاء أوامر بالتدقيق على كل عنصر يتبع للنظام ومنعهم من التصوير أو استخدام الهواتف في مناطق انتشار الميليشيات الإيرانية، وذلك وسط مخاوف بين صفوف الميليشيات الإيرانية من أن جنود النظام أو بعض المحليين هم من يُعطون المعلومات "لجهات خارجية".

هذا النفوذ الكبير، الذي فاق في بعض أحيانه قوة وزارة الدفاع السورية، تلاشى في زمن قياسي مع بدء عملية ردع العدوان نهاية نوفمبر الماضي

هذا النفوذ الكبير، الذي فاق في بعض أحيانه قوة وزارة الدفاع السورية، تلاشى في زمن قياسي مع بدء عملية ردع العدوان نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إذ إن انهيار صفوف جيش النظام الدراماتيكي أمام قوات ردع العدوان التي دخلت حلب ثم حماة، جعل الميليشيات الإيرانية في مواجهة مباشرة وغير مجدية أمام فصائل المعارضة، خصوصا وأن كثيرا من العناصر المحليين التابعين للميليشيات الإيرانية تركوا سلاحهم وفروا من مواقعهم على غرار ما فعله عناصر جيش النظام، خسارات متتالية ومتسارعة على جبهات عدة (ريف حماة، وحمص، ودرعا، وريف دمشق) دفعت الميليشيات الإيرانية إلى اتخاذ قرارات عدة، أبرزها إنهاء عقود المقاتلين المحليين من خلال رسالة أرسلت لهم على تطبيق "تلغرام" والتي كانت صدمة كبيرة للمقاتلين الذين شعروا حينها أنهم تُركوا للموت، ما دفعهم إلى إلقاء سلاحهم والفرار من أماكن إقامتهم، كما قامت الميليشيات الإيرانية بنقل السلاح الثقيل والطائرات المسيرة عبر ميليشياتها الأجنبية  إلى العراق ومحاولة تهريب ما أمكن من السلاح القريب من الحدود اللبنانية إلى لبنان، إضافة إلى تهريب العناصر الأجانب وعائلاتهم وعناصر محليين يكنون الولاء للمشروع الإيراني إلى العراق. ويقول عدد من المدنيين في محافظة دير الزور ودرعا إن تلاشي قوة النفوذ العسكري الإيراني في سوريا كان أشبه بالخيال، حيث إنهم ظنوا في مرحلة ما أن إيران احتلت سوريا بالكامل، وأن قرارها أقوى من القصر الجمهوري في دمشق، إلا أن هذه القوة تلاشت هي والقصر الجمهوري في أقل من 15 يوما.

هل هي نهاية القصة؟

الخسارة الكبيرة التي تكبدتها إيران بسقوط نظام الأسد وانهيار مشروعها العسكري في سوريا، واستحالة تحقيق تحالف أو اتفاقيات استراتيجية مع الحكومة السورية الجديدة، عوامل ترسم حدود التدخلات الإيرانية في سوريا، ولعل دورها اليوم سيكون عرقلة جهود إرساء الاستقرار في سوريا، لأن طهران لن تكسب من الاستقرار واكتمال خطوات عودة سوريا إلى المظلة العربية، وانفتاح الحكومة السورية على الغرب. وبحسب المعلومات التي حصلت عليها "المجلة" فإن الميليشيات التابعة لإيران والتي غادرت سوريا ما زالت تحاول تأسيس قنوات تواصل مع بعض العناصر الموجودين في الأراضي السورية، وتحاول مد يد التعاون مع فلول النظام السوري الموجودين في سوريا وإقناعهم بأن المعركة لم تنتهِ وإنما اتخذت شكلا آخر، إضافة إلى استخدام الإعلام كوسيلة لشيطنة الحكومة السورية وتحالفاتها الجديدة.

مصادر ميدانية في دير الزور قالت لـ"المجلة" إن عمليات التهريب بين سوريا والعراق مستمرة- وإن كانت بدرجة قليلة جدا- وأن هذه العمليات تتضمن تهريب المخدرات لبعض التجار الذين تربطهم علاقة وثيقة بالميليشيات التابعة لإيران، ويرون أن إمداد الميليشيات الإيرانية لهؤلاء التجار بالمخدرات هي في سبيل الحفاظ على وسيلة تواصل معهم ليتم استخدامهم في مراحل لاحقة لخدمة مشروع زعزعة الاستقرار في سوريا. كما تتضمن عمليات التهريب عناصر كانوا مع الميليشيات الإيرانية ممن يرون أنه لا أمل لهم في التسويات وأن المجتمعات التي ينتمون إليها لن تغفر لهم جرائمهم وهو ما يهدد حياتهم بالخطر.

تلاشي قوة النفوذ العسكري الإيراني في سوريا كان أشبه بالخيال، حيث إنهم ظنوا في مرحلة ما أن إيران احتلت سوريا بالكامل، وأن قرارها أقوى من القصر الجمهوري في دمشق

ويقول مصدر في الأمن العام إن الحكومة السورية تدرك أنه رغم الخسارة الكبيرة التي مُني بها المشروع الإيراني في سوريا، فإن خطر الميليشيات الإيرانية لم ينتهِ، ولذلك تقوم الحكومة السورية بعدة خطوات لمواجهة هذا الخطر، من خلال محاولة تأمين الحدود السورية-العراقية ومنع التهريب، إضافة إلى حملات المداهمة التي تتم في عدة مناطق سورية لاعتقال عناصر الميليشيات الإيرانية الذين لم يقوموا بتسليم سلاحهم وتسوية أوضاعهم لأن هؤلاء يشكلون خطرا على السلم السوري وجهود ترسيخ الأمن.

ويضيف المصدر أن الميليشيات الإيرانية قامت بحفر أنفاق طويلة وكبيرة في محافظة دير الزور، موضحا أن هذه الأنفاق كانت تصل أماكن إقامة بعض القادة بالمراكز العسكرية التي كانوا فيها، وأنفاق أخرى تصل طرفي الحدود السورية-العراقية كانت تستخدم لتهريب السلاح والأفراد. ويؤكد المصدر أن عملية تفكيك هذه الأنفاق ليست سهلة، كون أن هذه الشبكة غير معروفة بشكل كامل للدولة السورية من جهة، ولأن هدم هذه الشبكة يحتاج لوقت، كون أن هناك خطورة في أن تكون الأنفاق مُلغمة ومُعدة للانفجار.

رويترز
معبر المصنع الحدودي بين لبنان وسوريا، 1 نوفمبر 2018

واعتقلت السلطات السورية نهاية مايو المُهرب الأشهر في دير الزور (حسين العلي) وذك في منطقة الهري القريبة من الحدود السورية-العراقية. حسين العلي وأبناؤه كانوا يُديرون أكبر عمليات التهريب بين جانبي الحدود، حتى إن أهالي المنطقة أطلقوا على المنطقة التي يستخدمها العلي وأبناؤه اسم "معبر حسين العلي"، و"المعبر العسكري".

معلومات "المجلة" تقول إن الدولة السورية عثرت في المنطقة على نفق يصل بين جانبي الحدود كانت تستخدمه شبكة حسين العلي في عمليات التهريب، ومخازن سلاح كبيرة. فيما استطاع ابن حسين العلي (محمد) الفرار نحو الأراضي العراقية.

ماكينة إيران الإعلامية في مواجهة التغير السوري

تمتلك الميليشيات الإيرانية المئات من صفحات وقنوات التواصل الاجتماعي، هذه القنوات والصفحات يتم استخدامها بعد سقوط النظام في محاولة لزعزعة جهود توحيد الصف السوري، ونشر الطائفية، وتحريض السوريين ضد بعضهم البعض، وضد الدولة السورية. كما تم الإعلان في شهر مارس/آذار الماضي عن تشكيل "جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا-أولي البأس" والذي احتفت فيه غالبية القنوات والصفحات التابعة للميليشيات الإيرانية، إضافة لشبكات إخبارية إيرانية.

الماكينة الإعلامية التابعة لإيران تبذل كل جهد ممكن، بما فيه نشر أخبار كاذبة وفيديوهات قديمة لانتهاكات قام بها نظام الأسد على أنها انتهاكات جديدة من قبل الحكومة السورية. محاولة شيطنة الدولة السورية تتبعها إيران في محاولة لخلق بيئة طاردة للدولة السورية، وتعزيز الخوف لدى بعض الأشخاص الذين يرون أن وجود الدولة السورية اليوم هو خطر عليهم، خصوصا أولئك الذين ارتكبوا جرائم بحق السوريين زمن النظام.

كما أن "جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا-أولي البأس" نشطت بشكل ملحوظ مع تواتر الأنباء عن لقاء الشرع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مستخدمة دعاية إعلامية تنتمي لـ"محور المقاومة" الذي تبناه النظام الأسد عبر سنوات، وهي أن واشنطن تريد السيطرة على سوريا ودفعها للسلام مع إسرائيل.

نشطت كثير من الصفحات والقنوات خلال الآونة الأخيرة في مواجهة عودة سوريا نحو المظلة العربية والانفتاح على الغرب، ونشر دعاية قَولبَة لهذا التوجه السوري على أنه خطوات نحو السلام مع إسرائيل

ونشرت "الجبهة" عبر قناتها في "تلغرام" يوم 11 مايو بيانا قالت فيه: "نرفضُ وندينُ بأشد العبارات أي مُباحثات سرية أو علنية تجريها حكومةٌ تدعي الشرعية مع كيان الاحتلال الإسرائيلي الغاصب"، ونشرت في اليوم التالي تسجيلا صوتيا لما أسمته "القائد العام لجبهة المقاومة الإسلامية في سوريا" يقول فيه إنه "لا طريق للقدس إلا من بوابة الشام" وهي الدعاية التي استخدمها كل من "حزب الله" اللبناني والميليشيات الإيرانية لتبرير تدخلهم في سوريا.

ونشرت القناة ذاتها بيانا صادرا عن "الإدارة السياسية" لـ"الجبهة"، يوم 15 مايو، بعد يوم واحد من لقاء الشرع مع الرئيس ترمب، جاء فيه أن "الجبهة" تدين "الصفقة المشبوهة التي تروج لها الإدارة الأميركية وحلفاؤها والتي تهدف إلى رفع جزئي للعقوبات الظالمة على شعبنا السوري المحاصر مقابل التطبيع مع كيان الاحتلال الصهيوني"، وأضاف البيان أن "الجبهة ستبقى صامدة على عهدها حاملة إيمانها وسلاحها".

ونشطت كثير من الصفحات والقنوات خلال الآونة الأخيرة في مواجهة عودة سوريا نحو المظلة العربية والانفتاح على الغرب، ونشر دعاية قَولبَة لهذا التوجه السوري على أنه خطوات نحو السلام مع إسرائيل، ما يعكس استشعار طهران للخطر من هذا التوجه، ومحاولة ماكينتها الوقوف في وجه هذا التغيير السوري الذي لن يخدم مصالحها وسيُضعف نفوذها في المنطقة. 

أ ف ب
مقاتلان سوريان يحرقان علما لجماعة "فاطميون" الموالية لايران في خان شيخون السورية في الاول من ديسمبر

وبحسب ما علمت "المجلة" فإن الحكومة السورية تعمل على تفعيل "استراتيجية لمواجهة حملات التضليل التي تقوم بها الصفحات والوسائل الإعلامية غير الراضية عن التغيير التاريخي في سوريا"، و"قطع" الطريق على "الدعاية المضللة حول سوريا" من خلال خطوات- بدأت بها بالفعل- لتسهيل عمليات تواصل وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية مع المؤسسات السورية للحصول على "المعلومات الموثقة، لمنع محاولات التضليل والتجييش الذي يخدم أعداء الاستقرار في سوريا".

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني قال في كلمته خلال القمة العربية الرابعة والثلاثين في بغداد يوم 17 مايو إن "سوريا دفعت أثمانا باهظة نتيجة سياسات النظام البائد"، ومؤكدا أن "سوريا كانت وستبقى جزءا من قلب الأمة، واليوم تمد يدها إليكم من منطلق الشراكة والمسؤولية لبناء مستقبل يليق بتاريخنا ويحقق طموحات شعوبنا". وأشار إلى أن سوريا أيضا  "تواجه أطرافا لا يعنيها أمن السوريين ولا مستقبلهم، بل تعمل على توظيف المأساة السورية لخدمة مشاريعها الخاصة"، كما "تواجه تحديات عدة تتمثل ببقايا تنظيم (داعش)، التي تحاول قوى خارجية استخدامها كأداة للابتزاز السياسي والضغط الأمني، إضافة إلى ما يُحاك في الخفاء لتفكيك المجتمع السوري وزرع الفتنة، عبر دعم تشكيلات انفصالية، لجر البلاد إلى صراع أهلي طويل الأمد".

ومن غير المتوقع أن تتوقف طهران وأن تستسلم لخسارة مشروع عملت عليه خلال عقود، ودفعت مئات ملايين الدولارات لتحقيقه، ومما لا شك فيه أن توجه سوريا للتحالف الفعلي مع المحو العربي-الغربي لأول مرة منذ وصول الأسد إلى الحكم يشكل عامل قلق جديا في طهران، ويهدد كل أوراقها الإقليمية السياسية، سيما إذا ما امتدت هذه الخسارات إلى العراق واليمن.

وفي السياق ذاته، علمت "المجلة" من مصدر غربي أن واشنطن ربما لن تفكر بمغادرة قاعدة التنف في المدى المنظور والمتوسط، على اعتبار أن هذه القاعدة تشكل حجر أساس في تنفيذ مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، من خلال تحجيم الدور الإيراني وحماية الحلفاء.

font change