العلاقات المصرية-الإيرانية... تقدم حقيقي أم خلافات متجذرة؟

حديث عن مصالحة شاملة بين القاهرة وطهران غير واقعي على المدى المنظور

 رويترز
رويترز
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يستقبل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في القاهرة، مصر، 2 يونيو

العلاقات المصرية-الإيرانية... تقدم حقيقي أم خلافات متجذرة؟

تفتح الخلافات الجوهرية بين القاهرة وطهران، نافذة للتنبؤ بمسار العلاقات الثنائية، كما تشكل مؤشرا مهماً على ملامح الخريطة التحالفية الناشئة في المنطقة.

وعلى الرغم من الزيارة التي أجراها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى القاهرة في الثاني من يونيو/حزيران، والتي بدت مرتجلة إلى حد كبير، وهي ثاني زيارة للوزير منذ أكتوبر/تشرين الأول 2024، حينما قام بجولة إقليمية شملت عدة عواصم، في محاولة لكسب التأييد ضد هجوم إسرائيلي محتمل، جاء ردا على القصف الصاروخي الباليستي الذي شنته إيران على إسرائيل مطلع الشهر ذاته.

ويبدو أن القاهرة رأت في زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل ماريانو غروسي، فرصة لترتيب لقاء مع الوزير الإيراني، في خطوة يُعتقد أنها تهدف إلى تهدئة الأجواء المتوترة بين طهران والوكالة، خاصة بعد التقرير الأخير، الذي كشف عن تطورات جديدة في أنشطة إيران النووية الخاصة بتخصيب اليورانيوم.

انطلقت القاهرة في دعوة الوزير الإيراني للقاء مسؤول الوكالة الذرية بدوافع سياسية واضحة، تسعى من خلالها إلى توظيف التعقيدات الراهنة حول الملف النووي الإيراني والمفاوضات الأميركية-الإيرانية الجارية لتعزيز موقعها، كفاعل إقليمي قادر على التواصل مع مختلف الأطراف. كما هدفت المبادرة المصرية إلى احتواء أي موجة تصعيد محتملة في المنطقة، ولا سيما مع تصاعد التقارير عن استعدادات إسرائيلية لتنفيذ ضربات عسكرية ضد إيران، في حال تعثرت المحادثات بين واشنطن وطهران.

لقد خلصت القاهرة من تجربتها خلال الثمانية عشر شهرا الماضية إلى استنتاج واضح: كلما اشتدت حدة العنف الإقليمي، كانت مصر أول المتأثرين، وأكثرهم تحملا للتبعات. غير أن الدافع الجوهري وراء استضافة الوزير الإيراني، قد يكمن في سعي مصر لبناء رصيد سياسي مع طهران، لعلها تجني ثماره خلال المرحلة المقبلة.

يمكن تحقيق ذلك عبر تبني سياسات خارجية أكثر مرونة، تُسهم في تخفيف التصعيد الإقليمي، بما ينعكس إيجابا على الاستقرار الأمني والاقتصادي لمصر.

تتبنى مصر سياسات خارجية أكثر مرونة تُسهم في تخفيف التصعيد الإقليمي، بما ينعكس إيجابًا على الاستقرار الأمني والاقتصادي لمصر

يبدو أن القاهرة كانت تتطلع إلى دور إيجابي لإيران في احتواء هجمات الحوثيين على الملاحة التجارية في البحر الأحمر، والتي ألحقت أضرارا جسيمة بالاقتصاد المصري، تجاوزت مليارات الدولارات خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية. فقد أدت هذه التهديدات الأمنية إلى خسارة مصر نحو 800 مليون دولار شهريا من إيرادات قناة السويس. وبالإضافة إلى كونها مصدرا لا غنى عنه للدخل القومي، مثلت القناة محور الأهمية الجيوستراتيجية لمصر منذ بدء تشغيلها في عام 1869.

وقد ظلت مصر، على مدى الفترة الماضية، ترفض الانخراط في أي تحرك عسكري ضد جماعة الحوثي المدعومة إيرانيا في اليمن، مؤكدة أن مفتاح إنهاء هجمات الجماعة على الملاحة البحرية في البحر الأحمر يكمن في وقف الحرب على غزة. وقد تأكدت صحة هذا الموقف، عندما علّق الحوثيون هجماتهم مؤقتا إثر اتفاق وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى بين إسرائيل و"حماس" في يناير/كانون الثاني 2024، غير أن هذا الاتفاق لم يصمد طويلا، بسبب معارضة أجنحة متشددة في الحكومة الإسرائيلية.

رويترز
لوحة إعلانية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في القاهرة، مصر، 2 يونيو

ومنذ تصاعد الهجمات الحوثية، سعت مصر عبر قنوات متعددة إلى نقل مخاوفها لإيران، مدركة نفوذ الأخيرة على الميليشيات اليمنية. إلا أن زيارة وزير الخارجية الإيراني للقاهرة في 2 يونيو/حزيران حملت مفاجأة غير متوقعة: اعتراف طهران بعجزها عن وقف الهجمات. ففي مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، أكد المسؤول الإيراني أن دعم بلاده للحوثيين، لا يتضمن القدرة على توجيه قراراتهم العسكرية.

ظلت مصر، على مدى الفترة الماضية، ترفض الانخراط في أي تحرك عسكري ضد الحوثيين المدعومين إيرانيا، مؤكدة أن مفتاح إنهاء هجمات الجماعة على الملاحة البحرية يكمن في وقف الحرب على غزة

لكن مصر ظلت تترقب أي إشارة من إيران تُلمح إلى مراجعة سياساتها، ولو جزئيا، كي تخطو نحو تقارب أكبر مع طهران. ولم يكن هذا التوقع بعيدا عن الواقع، فإيران- بعد تراجع نفوذ وكلائها الإقليميين وهزائمهم المتتالية مؤخرًا- تجد نفسها في موقف بالغ الحساسية، مع تهديدات بمواجهة محتملة مع الولايات المتحدة أو إسرائيل، حال فشلت في إدارة ملفها النووي بحكمة.

إلا أن الموقف الإيراني من أزمة الحوثيين ليس سوى غيض من فيض الخلافات مع القاهرة، حيث تبقى سياسة طهران المثيرة للجدل، في دعم الجماعات المسلحة بالمنطقة، عقبة رئيسة أمام أي تقارب. وخلال المؤتمر الصحافي، حاول الجانب المصري إبراز نقاط اتفاق نظرية- كالدعوة إلى دعم الشرعية الحكومية- لكن دون أن يقابل هذا الطرح أي تأييد واضح من نظيره الإيراني.

تفاعل اضطراري

تشكل السياسة المصرية الثابتة في منع الانتشار النووي، ودعوتها لتحرير المنطقة من أسلحة الدمار الشامل محور خلاف استراتيجي مع إيران. فمصر تقود هذه الحملة منذ توقيعها معاهدة الحد من الانتشار النووي في الستينات، وتنظر إلى جميع الدول التي تطور أسلحة دمار شامل على قدم المساواة، بما في ذلك إيران وإسرائيل.

أ.ف.ب
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره الإيراني عباس عراقجي خلال مؤتمر صحفي مشترك بعد لقائهما في القاهرة

وفي ضوء هذه الخلافات العميقة، يبدو أي حديث عن مصالحة مصرية-إيرانية شاملة غير واقعي على المدى المنظور. فتمسك إيران بسياساتها التقليدية، رغم التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة، سيؤدي إلى استمرار تعثر العلاقات مع مصر على المدى المتوسط على الأقل.

وقد تجد القاهرة وطهران في المجال الاقتصادي أرضية مشتركة رغم خلافاتهما السياسية، إذ تدفع كل منهما دوافع مختلفة لتبني هذا الخيار. فبينما تعمل مصر بجد على توسيع شبكة شراكاتها التجارية الدولية، في إطار استراتيجية متكاملة تهدف إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، وتنشيط القطاع السياحي، تبحث إيران بجدية عن شراكات اقتصادية استراتيجية، تمثل لها نافذةً لكسر الحصار الإقليمي والدولي المفروض عليها.

وبعد سنوات من الحصار الاقتصادي، قد تجد طهران في السوق المصرية- بضخامتها وموقعها الاستراتيجي كجسر تجاري بين القارات- منفذا حيويا لمستثمريها نحو الأسواق الأفريقية والدولية.

لكن يظل السؤال الجوهري معلقا: هل تستطيع هذه الشراكة الاقتصادية أن تشكل جسرا للتطبيع السياسي، عبر إحداث تحول في المواقف الإيرانية، وتهدئة المخاوف المصرية؟ الإجابة قد تحملها تحولات المنطقة المستقبلية.

font change