مثلما للحرب مضاعفات تراجيدية إنسانية، لها ندوب أيضا على الفن الذي يؤويها في ذاكرته الخاصة، مستثمرا إياها جماليا عبر مسافة، لصالح لغته البصرية المفردة، مصوغا أثرها المأسوي بأدواته التجريبية، في مسعى فني لتشكيل وثيقة بصرية عن اللحظة التاريخية الفجائعية، من جهة، ومن جهة ثانية هي خطاب بصري يصدر عن ذات شاهدة على الخراب، من الداخل نحو الخارج، من عمق التجربة الشخصية على نحو خاص، صوب ما هو جماعي، على نحو عام.
وسواء تعلق الأمر بحروب أهلية أشعل فتيلها الاستعمار الجديد، أو هي حروب تعددت أسبابها بين بلدان تعاني ثقل إرث الاحتلال الأجنبي، ذات نزوع همجي، جانحة نحو الابادة والتهجير، فالفن التشكيلي وفق تجارب نسائية أفريقية على سبيل المثل، لم يقف متفرجا، حياديا، يرقب مهادنا ما يحدث من وقائع دموية تراجيدية، بل تفاعل مع الانشطارات والتمزقات، صارخا من زاويته، ضد الصمت، ومبادرا لإيواء الصدى الكارثي للحرب، عبر أثره الجمالي الخالص، غير المتنازل بأيما شكل من الأشكال للصوغ المباشر والسطحي والآني الضحل، بالعكس، مراهنا على العمق، ومجربا لطرائق مبتكرة في تشكيل المأساة فنيا بصورة خلاقة، مغايرة، جديدة ومحدثة.
ممن ترجمن مآسي الحروب من الداخل في التجربة التشكيلية الأفريقية، متماهيات مع الانشطار الجواني، مع التشظي الوجداني، وفق ما يصخب به تموج ألوانهن، والإيقاع المتوتر لخطوطهن، فضلا عن جسارة المادة، نقف عند سبع علامات فنية نسائية من القارة الأفريقية، تفصح أعمالهن عن آثار الحرب، في احتدام الألم الطاغي، وتمزق الذاكرة، من فرط الدمار الناجم عن النزاعات الدموية، إذ تحوّل الفن التشكيلي لدى هؤلاء النسوة المتوقدات، إلى مقاومة بصرية ضد الموت، ضد الخراب، ضد الوحشية، ضد قتل الأطفال والنساء، ضد الاستعمار ومحو الثقافات الأصلية، ضد الإبادة الشعواء في أفدح صورها.