حين نال الكاتب التنزاني عبد الرزاق قرنح جائزة "نوبل" للآداب عام 2021، بررت لجنة هذه الجائزة تتويجها إياه بما أبداه في رواياته من "استبصار خال من أي مساومة لآثار الاستعمار، ومن تعاطف مع قدر اللاجئين". نقطتان لا عجب في تألق هذا الروائي التنزاني (من أصول يمنية) فيهما، وهو الذي اختبر شخصيا تداعيات الاستعمار الألماني، ثم البريطاني، لجزيرة زنجبار، حيث ولد ونشأ، ومحنة اللجوء، بعد اضطراره إلى الفرار من وطنه إلى بريطانيا عام 1968، إثر الثورة التي اشتعلت فيه.
بساط سحري
لكن هذا الاختبار المزدوج، على أهميته، لا يفسر وحده كيف تمكن ابن بلد مهمش لا يكترث أحد إلى قدره وقدر أبنائه، من حصد أعرق جائزة أدبية. التفسير يكمن خصوصا داخل روايات قرنح بالذات، وتحديدا في نثره البلوري الذي يشكل، في انعدام أي حذلقة أو تكلف فيه، خير ركيزة لموهبته السردية النادرة التي يحمل بواسطتها قارئه من بداية كل واحدة من رواياته إلى خاتمتها، كما على بساط سحري.
لمن لم يقرأ بعد هذا الكاتب، نشير بداية إلى أنه يصور غالبا في رواياته أشخاصا يغادرون مكرهين عالمهم المألوف ويصلون "إلى أماكن غريبة، حاملين معهم سديم متاعهم، وطموحات سرية ملتبسة"، كما تقول واحدة من شخصيات روايته "على شاطئ البحر" (2021). في روايته الجديدة "سرقة"، التي صدرت حديثا في لندن عن دار "بلومزبيري"، وفي نيويورك عن دار "بنغوين راندوم هاوس"، يتابع قرنح استكشاف موضوعي المنفى والعزلة والملازمة له، لكنه يتأمل خصوصا في موضوعات الحب والصداقة والخيانة والهجران، كاشفا في طريقه النتائج الوخيمة لازدهار السياحة في وطنه منذ تسعينات القرن الماضي.
لإنجاز ذلك، يستعين بشخصيات رئيسة ثلاث – كريم، بدر، فوزية – نتابع مسيرتها من سن الطفولة إلى سن الرشد، ونستشف بسرعة قاسما مشتركا لديها، على الرغم من انتمائها إلى عوالم مختلفة: شعورها، بطريقة أو بأخرى، بأنها غير مرغوبة من والديها. قصة كريم تبدأ في جزيرة زنجبار مع أمه رايا، حين يعمد والدها إلى تزويجها باكرا من رجل أربعيني لا يلبث أن يجبرها كل ليلة على الاستسلام لرغباته، من دون أي مراعاة لمشاعرها. رجل "لطيف مع الآخرين، كان يحتفظ بقسوته لزوجته، ويستمتع في ذلك".