يستشهد السفير المغربي عبد الله بن علمان ببيت الشاعر الصقلي العربي أحمد بن حمديس فور وصوله إلى باليرمو الإيطالية في ديسمبر/ كانون الأول 1782: "جدول ذابل الزلال"، لكن لا أحد من البلاط استوعب المعنى، مع أن الراهب جوزيه فيلا يتفرد برصيد ضئيل من معرفة اللغة العربية، والأمر له علاقة بالوثيقة المعروضة أمام ناظري المونسنيوز آيرولدي، المبهور بعدستي السفير المغربي، المرصعتين بأحجار خضراء كالزمرد، ولتوه حسم السفير هوية المخطوط بعد اطلاع سريع: إنه كتاب عن السيرة النبوية، ولا شيء على الإطلاق في المخطوط على صلة بصقلية، غير أن الراهب جوزبه فيلا، تصرف في ترجمة خطاب السفير إلى المونسينيور، عاكسا إياه بخبث عن بكرة أبيه: يقول صاحب السعادة بأننا نجد أنفسنا الآن أمام وثيقة ثمينة للغاية، لا وجود لما يماثلها في بلاده، إنه كتاب يتناول الاحتلال العربي لصقلية، ولمراحل الحكم فيها.
يبتهج المونسنيور لهذا السبق التاريخي ويسأل بحماسة ما إذا كان المخطوط النادر شبيها بسفر "كمبريدج" عن تاريخ جزيرة صقلية أو شبيها بكتاب دي ريبوس سيكولوس وهو ملحمة شعرية باللاتينية عن تاريخ صقلية أيضا، بينما يصر الراهب جوزبه فيلا على التصرف اللئيم في الترجمة إذ يعرب للسفير المغربي عن خيبة أمل المونسنيور لعدم احتواء الكتاب العربي على ما هو صقلي، إلا أنه يرغب في معرفة كتب أخرى تتناول السيرة النبوية موجودة في "كمبريدج".
إرباك تاريخي لمدينة صقلية
بهذه المقدمة من التلفيق يقلب الراهب دون جوزبه فيلا الحقيقة، وباقترافه هذا يتسبب في إرباك تاريخي لصقلية برمتها، مع أن المسألة كانت تقتضي أمانة الكشف عن هوية الكتاب الذي حمله معه المونسنيور آيرولدي حين كان يعمل أمينا لمكتبة إسكوريال في سان لورينزو، بإسبانيا، ووصول السفير المغربي إلى بلاط نابولي 1782، بعد أن دفعت عاصفة بحرية سفينته إلى شواطئ صقلية، كان مناسبة لفك غموض المخطوط العربي.